«مَنْ عادك يا مكة مُكّيه»
الخميس / 05 / ذو الحجة / 1442 هـ الخميس 15 يوليو 2021 23:46
علي بن محمد الرباعي
خرج (حوبان) للحياة بعد وفاة أبيه بستة أشهر، وترعرع في حضانة أمه، ونال ما لم ينله أقرانه، من تغذية، ورعاية، ونظافة ملبس، وتدليل، وبما أنه يتيم كفله عمه (بيحان)، وكان يعاتب والدته على تدليلها الزائد عن حده، وتزغيد الطفل، حتى ما عاد فيه سرّة، وما يقدر يزوع نفسه من الصعيد بسبب تراكم شحم شواكله، وعندما شبّ ووعى الحياة، أفهمه عمه أن المرزق واحد والحلال بينهم، وأشهد من حضر أن حوبان في منزلة أبوه الفاني، وأنه شريكه في البيت والوادي، شرط أن يبدي فعايله، ويتكفل بمهام مزرعته، بكل تفان وإخلاص، يحرث للصيف، ويتابع الزرع حتى يتسامق، ويصرم، ويديس، ويصفي الحَبّ عن الرُّفة، ويكيّس القمح، ويودع العلف في مستودع خاص به.
انطلق الشاب للعمل بروح إيجابية، وما أن ينتهي موسم، حتى يطلب منه عمه تنظيف المزرعة، فيسأل؛ ليش أنظفها، وانحن شتّينا صيفنا؟، فيجيبه؛ بنحرث للخريف، ومع مرور الأعوام دخل (حوبان) دوامة بيحان (صيف - خريف) ففقد القدرة على التحكم في قُواه، ودفعه التعب للتفكير في التخلص من الشقا، وذات ضحى ناداه عمه وهو يتقهوى بالقُرب من البئر، وطلب منه يبغر البلاد، فسأله؛ ليش، فأجاب؛ الصيف، فقال: وماذا بعد الصيف، فقال؛ الخريف، فسأله؛ يعني ما يمديني أرفع ظهري من الصيف إلا والخريف مقبل، فقال؛ لا ترفع ظهرك ولا تعبّر عن قهرك، وما معك إلا ما حصل، وإن كان في خاطرك علم ثاني فابده لي، فحزم عمامته على رأسه، وقال؛ الجور يفجّر البندق، واعطاه ظهره، ولقاها المسبولة.
لجأ لسائق سمح معه شاحنة (خمسة طن)، ورمى عمامته في حثله، فقال؛ أبشر والله لو طلبك في أغلى غالي، فأبوك الله يرحمه صديق عمر، فاشتكى له اليتيم؛ عمي لا يرحم ولا يأوي، من تثبية الصيف، إلى ثبّاي الخريف، ومن علفة البقرة، إلى سراحة الغنم، وفوقها مشعاب، ذلحين سمعت أنك بتسافر ومعك طلعة للحج، وأنا ودي تأخذني معك، وتشف لي مصلحة أتكسّب منها، فوعده يحجز له بجانبه في الغمارة، فقاطع هرجته؛ دخيلك ما ودّي عمي يدري عنا، حتى نطمي من ورا غثران، أخاف يلحقنا ويجلدني بالعَرَقَة ويرتدني، وأنا والله ما عاد اشتي من الديرة ولا من عمي لقمة.
أطلع أمه على نيّته المبيّتة، فسحبت من فتحت صدر الثوب، مفتاحاً مُدلى بدُبارة، وفكّت القفل، ورفعت غطاء سحاريتها، وأخرجت منديلها الأصفر، وحلّت عقدة، وناولته ثلاثين ريالاً، وقالت؛ سالت ريقتك للسفر، افلح، ولكن ورّني مراجلك، لا تعوّد لي بيد ورا ويد قدام.
استغرق سفرهم ثلاثة أيام، ومعظم الساعات، وحوبان يتلفت، يتوقع عمه يطرد وراه، وصل مكة، فسلّمه السائق لشيخ عربيات المسعى والشباري، والشيخ من المنطقة، وأوّل ما شافه رحّب به وفرح بشوفته، وبدأ يتبشّر عن ساق الغراب؛ كيف الديرة يا حوبان، فأجابه؛ جنّة، فسمع المكاوي المعتنز في مركازه الحوار فتأمّل فيه، وقال: «انفخ له يا واد» هذا شكل واحد جاي من جنة؟ أجل كيف شكل اللي جاي من جحيم، فتضاحك المكاكوة المبشّكِين.
عَلِمَ عمه بسفره، وقال؛ عساه ما ينكف، وأضاف؛ يا مربّي اليتيم بكرة يشكدك وتد، وطلب من أمه تسد مسده، وإلا تروح تدوّر لأهلها، فأبلغته أن الفقيه وده يصهّر فيها، فمغصه بطنه، لأنه يعرف الفقيه، دعوجي أقشر، فعلّق؛ إن كان إنك ودّك بالخُطبان، حصانك موجود، وبنتنا في بيتنا، وعهدالله لأسلمك الجمل بما حمل، فسمعت زوجته طرف الهرجة، وسألته؛ وش تقول يا بيحان؟ فقال؛ هذي المودمانية تقول بتلقّي ويلا أهلها، وأبيت عليها.
أخذ شيخ العربيات، حوبان، لمحل واشترى له كمر، وطلب منه يحتزم به تحت الثوب، ويدس فيه الريال مع الريال، ولا يسهى، فينتصلونه الرجاجيل، ويغدي ضُحكة الشارف والطارف، وانتقلا لقهوة السيّد، فعشّاه وقهواه، ودفع عنه حق النومة، وأوصاه؛ «لا تصلي الصباح إلا معي».
وضع له إحرام ملفوف فوق رأسه، ورفع الشبرية من جهة، وطلب من ابنه يرفع برأسه من الجهة المقابلة، وما انقضى ثاني يوم، إلا والرجال كما الجعير، ما يقدر يلتفت إلا بكامل جسمه، وفي اليوم الثالث، جاء شاكياً من التعب المر، وقال؛ تكفى يا بوجمال؛ غطست رقبتي بين أكتافي. والله ما عاد أشتل شبرية، فخيّره بين المجاودة في البيوت أو دف العربيات، فاستحسن دفع العربية في المسعى، ومن أول ليلة، صار ما يمشي إلا متبازي، وسواقين العربيات يسخرون منه إذا كوّر، فيقول أحدهم، الله لا ياهب معونة لمن طلع بك الحج.. كان خلاك عند أمك يا صُفّة بسكوت أبو قشطة وحلاوة بقرة، ويضيف آخر؛ ما ضري بالشقا شكله صبابة وحتاتة الشيبان.
لف خرقاً حول فخذيه، ودهن بالوزلين...ما فيه فايدة، تصلّخ، وتحرّقت بطون أرجوله، فطلب من أبو جمال يشف له بيت يجاود فيه، لعل وعسى، ويطيّحه ربه في شايب، ليل الله ونهاره، ما غير يطلب منه يسوي له الشيشة، ويهوّيه بالمهفّه، ويكبّسه، وما انقضى الأسبوع، إلا وهو يدوّر مخراج للديرة، ودفع أجرة عشرة ريال، وهو يردد بينه وبين نفسه؛ سقى الله ثلاثين أمي وإلا كان أبلشت نفسي.
وفي العام التالي، استدعاه سايق الشاحنة وسأله؛ هاه، ما بتطلع معنا للحج؟ فأجابه؛ يحرم، لو يكدّني عمي بوجهي وقفاي، ما أعيدها، ومن عادك يا مكة مُكّيه.
انطلق الشاب للعمل بروح إيجابية، وما أن ينتهي موسم، حتى يطلب منه عمه تنظيف المزرعة، فيسأل؛ ليش أنظفها، وانحن شتّينا صيفنا؟، فيجيبه؛ بنحرث للخريف، ومع مرور الأعوام دخل (حوبان) دوامة بيحان (صيف - خريف) ففقد القدرة على التحكم في قُواه، ودفعه التعب للتفكير في التخلص من الشقا، وذات ضحى ناداه عمه وهو يتقهوى بالقُرب من البئر، وطلب منه يبغر البلاد، فسأله؛ ليش، فأجاب؛ الصيف، فقال: وماذا بعد الصيف، فقال؛ الخريف، فسأله؛ يعني ما يمديني أرفع ظهري من الصيف إلا والخريف مقبل، فقال؛ لا ترفع ظهرك ولا تعبّر عن قهرك، وما معك إلا ما حصل، وإن كان في خاطرك علم ثاني فابده لي، فحزم عمامته على رأسه، وقال؛ الجور يفجّر البندق، واعطاه ظهره، ولقاها المسبولة.
لجأ لسائق سمح معه شاحنة (خمسة طن)، ورمى عمامته في حثله، فقال؛ أبشر والله لو طلبك في أغلى غالي، فأبوك الله يرحمه صديق عمر، فاشتكى له اليتيم؛ عمي لا يرحم ولا يأوي، من تثبية الصيف، إلى ثبّاي الخريف، ومن علفة البقرة، إلى سراحة الغنم، وفوقها مشعاب، ذلحين سمعت أنك بتسافر ومعك طلعة للحج، وأنا ودي تأخذني معك، وتشف لي مصلحة أتكسّب منها، فوعده يحجز له بجانبه في الغمارة، فقاطع هرجته؛ دخيلك ما ودّي عمي يدري عنا، حتى نطمي من ورا غثران، أخاف يلحقنا ويجلدني بالعَرَقَة ويرتدني، وأنا والله ما عاد اشتي من الديرة ولا من عمي لقمة.
أطلع أمه على نيّته المبيّتة، فسحبت من فتحت صدر الثوب، مفتاحاً مُدلى بدُبارة، وفكّت القفل، ورفعت غطاء سحاريتها، وأخرجت منديلها الأصفر، وحلّت عقدة، وناولته ثلاثين ريالاً، وقالت؛ سالت ريقتك للسفر، افلح، ولكن ورّني مراجلك، لا تعوّد لي بيد ورا ويد قدام.
استغرق سفرهم ثلاثة أيام، ومعظم الساعات، وحوبان يتلفت، يتوقع عمه يطرد وراه، وصل مكة، فسلّمه السائق لشيخ عربيات المسعى والشباري، والشيخ من المنطقة، وأوّل ما شافه رحّب به وفرح بشوفته، وبدأ يتبشّر عن ساق الغراب؛ كيف الديرة يا حوبان، فأجابه؛ جنّة، فسمع المكاوي المعتنز في مركازه الحوار فتأمّل فيه، وقال: «انفخ له يا واد» هذا شكل واحد جاي من جنة؟ أجل كيف شكل اللي جاي من جحيم، فتضاحك المكاكوة المبشّكِين.
عَلِمَ عمه بسفره، وقال؛ عساه ما ينكف، وأضاف؛ يا مربّي اليتيم بكرة يشكدك وتد، وطلب من أمه تسد مسده، وإلا تروح تدوّر لأهلها، فأبلغته أن الفقيه وده يصهّر فيها، فمغصه بطنه، لأنه يعرف الفقيه، دعوجي أقشر، فعلّق؛ إن كان إنك ودّك بالخُطبان، حصانك موجود، وبنتنا في بيتنا، وعهدالله لأسلمك الجمل بما حمل، فسمعت زوجته طرف الهرجة، وسألته؛ وش تقول يا بيحان؟ فقال؛ هذي المودمانية تقول بتلقّي ويلا أهلها، وأبيت عليها.
أخذ شيخ العربيات، حوبان، لمحل واشترى له كمر، وطلب منه يحتزم به تحت الثوب، ويدس فيه الريال مع الريال، ولا يسهى، فينتصلونه الرجاجيل، ويغدي ضُحكة الشارف والطارف، وانتقلا لقهوة السيّد، فعشّاه وقهواه، ودفع عنه حق النومة، وأوصاه؛ «لا تصلي الصباح إلا معي».
وضع له إحرام ملفوف فوق رأسه، ورفع الشبرية من جهة، وطلب من ابنه يرفع برأسه من الجهة المقابلة، وما انقضى ثاني يوم، إلا والرجال كما الجعير، ما يقدر يلتفت إلا بكامل جسمه، وفي اليوم الثالث، جاء شاكياً من التعب المر، وقال؛ تكفى يا بوجمال؛ غطست رقبتي بين أكتافي. والله ما عاد أشتل شبرية، فخيّره بين المجاودة في البيوت أو دف العربيات، فاستحسن دفع العربية في المسعى، ومن أول ليلة، صار ما يمشي إلا متبازي، وسواقين العربيات يسخرون منه إذا كوّر، فيقول أحدهم، الله لا ياهب معونة لمن طلع بك الحج.. كان خلاك عند أمك يا صُفّة بسكوت أبو قشطة وحلاوة بقرة، ويضيف آخر؛ ما ضري بالشقا شكله صبابة وحتاتة الشيبان.
لف خرقاً حول فخذيه، ودهن بالوزلين...ما فيه فايدة، تصلّخ، وتحرّقت بطون أرجوله، فطلب من أبو جمال يشف له بيت يجاود فيه، لعل وعسى، ويطيّحه ربه في شايب، ليل الله ونهاره، ما غير يطلب منه يسوي له الشيشة، ويهوّيه بالمهفّه، ويكبّسه، وما انقضى الأسبوع، إلا وهو يدوّر مخراج للديرة، ودفع أجرة عشرة ريال، وهو يردد بينه وبين نفسه؛ سقى الله ثلاثين أمي وإلا كان أبلشت نفسي.
وفي العام التالي، استدعاه سايق الشاحنة وسأله؛ هاه، ما بتطلع معنا للحج؟ فأجابه؛ يحرم، لو يكدّني عمي بوجهي وقفاي، ما أعيدها، ومن عادك يا مكة مُكّيه.