كتاب ومقالات

عبقرية الحج في 2021

كلمة إلا ربع

بدر بن سعود

يأتي موسم الحج الحالي باعتباره الثاني في جائحة كورونا، ولعل الفارق بينه وبين سابقه في أنه رفع أعداد الحجاج من ألف إلى ستين ألف حاج، والرقم في حد ذاته يعطي مؤشراً بأن المملكة قد طورت تجربتها في التعامل مع أزمة كوفيد-19، والدليل أن حجاج هذه السنة يمثلون أكبر تجمع متحرك في زمن كورونا وإجراءاته الاحترازية، يضاف إلى ذلك منشأة الجمرات التي تصنف أكبر منشأة خرسانية، ومشعر منى الذي يضم أكبر تجمع للخيام في التاريخ الحديث بواقع 180 ألف خيمة، وكلاهما يسجل رقمه القياسي على مستوى العالم.

الحج توقف أكثر من أربعين مرة بسبب الأوبئة والحروب، واستمراره رغم الوباء الجديد ومتحوراته، وخصوصاً في الفترة الحرجة وفي البدايات، يعتبر إنجازاً للمملكة وقيادتها وأجهزتها المختلفة، وقبل قيام الدولة السعودية لم تكن أرقام الحجاج تتجاوز، في أحسن الأحوال، المئة ألف في كل موسم، ولكنها وطوال السنوات التي شرف فيها السعوديون بخدمة الحج والحجاج، ارتفعت في مجموعها لتصل إلى قرابة المئة مليون حاج، وهو رقم لم يعرفه من سبق المملكة في إدارة شؤون ضيوف الرحمن.

محنة كورونا جاءت بمثابة المنحة لتحول رقمي مذهل تعيشه المملكة، وبصورة تحقق توجهات رؤية 2030 وبرنامجها التنفيذي لخدمة ضيوف الرحمن، وبما يمكنها بالتأكيد من الوصول لاستيعاب خمسة ملايين ونصف المليون حاج و30 مليون معتمر بعد تسع سنوات، وإذا كانت الإدارة دون ورق تأتي كفتح عظيم في عالمها، فالحج دون تلامس يشكل نحتاً سعودياً خالصاً لمفهوم متفرد في إدارة الحشود.

فنهاك بطاقة شعائر الذكية التي تحتوى على معلومات الحاج التعريفية والصحية والسكنية والغذائية، وتمكنه من التنقل في رحلته الإيمانية دون ملامسة لأحد، بخلاف قدرتها على تمييز المخالف ومنعه بقوة الآلة، وكذلك الحاج المصرح ما لم يلتزم بالجدول والبرنامج الخاص به، ومعها ربوتات توزع مياه زمزم في المسجد الحرام، وثانية ترشدهم وتساعدهم، وثالثة تضبط المخالفين للاحترازات، بجانب سوار سدايا الذكي، وخدماته الأمنية والإسعافية والتنظيمية، وقراءته لعلامات الحاج الحيوية.

حج 2021 استثنائي بالمعنى الإيجابي، لولا الباقات المقدمة من قبل شركات الحج والعمرة، بالنظر لإجمالي قيمتها لكل الحجاج والذي يقترب من مليار ريال أو 375 مليون دولار، وأتفهم حجم معاناة القطاع الخاص، وخسائره من توقف أعماله طوال سنتين، فسوق الحج والعمرة تقدر أرباحه السنوية في مرحلة ما قبل كورونا بنحو 12 مليار دولار، إلا أن التعويض عن طريق رفع الأسعار المبالغ فيه غير مقبول، وتبريره بالإجراءات الاحترازية وارتفاع كلفة التشغيل وزيادة العمالة لا يقنع، وتمنيت أن القطاع الخاص قدمها بمبالغ رمزية، مراعاة لظروف الناس الاقتصادية، واقتداءً بالمبادرات الحكومية الداعمة في هذا الجانب.