الدلال المدهش..!
الثلاثاء / 10 / ذو الحجة / 1442 هـ الثلاثاء 20 يوليو 2021 23:42
فؤاد مصطفى عزب
أهداني ابني (ريان) وأنا في المستشفى في (مايو كلينك) كتاباً شيقاً وممتعاً للدكتور (ديك سلينرز) جراح أمريكي، جمع بين فن الجراحة، وفن البلاغة، وعمق الإيمان. الكتاب يناقش أهمية الجو المحيط بالبيئة العلاجية، وكيف أن هذه البيئة لها تأثير عجيب على موقف كل من الطبيب والمريض معاً. أسمى كتابه (الدروس القاتلة) يقول (ديك سلينرز) في أحد فصول الكتاب:
أخشى أن نكون قد فقدنا واحداً من أهم مصادر قوتنا، وهو الارتباط اليومي مع خالق الوجود، عندما انتزع مصممو المستشفيات النوافذ منها. فهذا العالم الخارجي يذكرنا بارتباطنا بالحياة كوجود، ويساعدنا على البقاء.
ويقول:
لقد أظهرت أبحاث أجريت حديثاً في (بنسلفانيا) أن المرضى الذين تواجه غرفهم فناء مكشوفاً، أو شجرة، أو حديقة، أو السماء الصافية يتحسنون أسرع من أولئك الذين تواجه غرفهم حائطاً من الطوب. لقد وصف الدكتور (ديك سلينرز) هذا التأثير ببلاغة.. يقول:
كانت لغرف العمليات نوافذ رحبة من زمن غير بعيد، وكانت هذه النوافذ نعمة وبركة، حديث جراح مع خالق الوجود. وكانت رحمة السماء تعانق دموع الفرح والتي تسيل أحياناً من عيون الجراح، وبشكل لا إرادي، عندما تتحقق المعجزة بإنقاذ حياة مريض فُقد الأمل في إنقاذه. وكان الحوار الصامت مفتوحاً بين هذا الشعاع القادم من السماء، والدعاء الصادر من قلوب العاملين بهذه الغرفة، ونظرات الشكر والعرفان والتقدير والإحساس بقوة وقدرة الخالق في إعادة الحياة التي تكاد تخطف أحيانا من المريض. ولم يكن يعكر صفو هذا الحوار الروحاني سوى نفاذ ذبابة من خلال الستائر الشبكية، وتهديدها لتعقيم الوحدة، وكان الرد على هذه الحشرة المغامرة بضربة سريعة مباغتة، أو رشة من مبيد.. ثم يعود الباب ليفتح على العالم المجاور. كانت هذه النوافذ مهمة لنا في أن نواصل المعركة الأزلية كل يوم، فقد كانت هناك بركة السماء، وتصفيق الرعد أحياناً، وتأنيبه لنا في أحيان أخرى. وكان البرق بمثابة ومضة الحياة التي تتخلل أحاسيسنا ومشاعرنا من حين لآخر. وكان العمل في الجزء الأخير من الليل في غرف العمليات، والسكون يخيم على كل شيء، وروعة النجوم وخلودها، وترقبها الصامت لما يفعل الجراح، وكأنها حارس، وشاهد يرافق السماء من فوق كتف الطبيب. وأخشى جداً أن نكون بعد أن سددنا نوافذنا بالطوب قد فقدنا أكثر من النسيم، إذ إننا فصمنا الرابطة السماوية!
إن العمل في غرفة عمليات بلا نوافذ يعني أن تعيش في غابة ولا ترى السماء، ولا تطلع عليك الشمس، ولا تستنشق الهواء،. ألا يعرف مصممو المستشفيات في هذا القرن ما معنى احتجاب السماء في غرفة العمليات؟ إنه تشويش غير إنساني للحوار الصامت بين المريض والجراح.
هذه العلاقة لا يعرفها إلا من يعمل في هذه البقعة الصغيرة من الأرض، والتي ترتبط بسماء لا حدود لها..!
لقد قرأت في إحدى المجلات منذ عهد ليس ببعيد عن أهمية الجو المحيط بالبيئة العلاجية، وكيف أن هذه البيئة لها تأثير عجيب على موقف الطبيب والمريض، دراسة حديثة قام بها (المركز الطبي الباسيفيكي) في سان فرانسيسكو، أثبت أن الموسيقى تساعد على تخفيف القلق والضغط النفسي والألم عند الأطفال والمرضى والكبار، فقد تم إدخال أنواع مختلفة من الموسيقى إلى وحدة القلب. وكانت استجابة الأطفال للرعاية أفضل عند الاستماع إلى (أنه عالم صغير) و(علاء الدين والمصباح السحري) و(الأسد الملك).
أما المراهقون فكانت (موسيقى الروك) أدعى إلى هدوئهم. وأما البالغون فكان لهم أشياء أخرى يفضلونها، ولقد أثبت علماء البيولوجيا الحركية أن الموسيقى الهادئة في غرف العمليات تساهم في تهدئة الجراح والمساعدين معه وتخفف من حدة التوتر.
يطرح (ديك سلينرز) في كتابه (الدروس القاتلة) بعض القصص الواقعية ليؤيد أهمية الجو المحيط بالبيئة العلاجية، فيذكر أنه أثناء قيامه بإجراء عملية جراحية لرجل تحت تخدير نصفي. بعد ظهر أحد الأيام وصل شريط التسجيل الذي كان يبث الموسيقى في غرفة العمليات إلى مقطوعة (الدلال المدهش) عندئذ ارتفع رأس المريض، وسأل هل هناك خطأ هنا؟
فضحكنا جميعاً.. وقلنا: لا.. قال: إنني إيرلندي، وإذا غنيتم لي (حين تبتسم العيون الإيرلندية) فإنني سأشعر بتحسن، وقد فعلنا، واستمتع بالأداء. وقال مريض في يوم آخر بعد أن شرع في الضحك، وهو تحت تخدير موضعي.. هذا أنسب شيء يمكن أن يحدث لي..
وكنت أقوم باستئصال ورم حميد كبير وكان (فرانك سينتاترا ) يغني في الخلفية:
لماذا لا تأخذني كلياً؟
ما أجمل الجراح الذي يعمل ويقينه أن السماء ترقب هذا العمل، وما أسعد المريض الذي يؤمن بأن اليد الممتدة للخالق لا تعود فارغة أبداً، وإن الأماني مهما تأجلت.. سيأتي فجرها لتشرق، أوعدوا قلوبكم أنها تستحق الفرح واملؤوها بالابتسامة واستودعوها الله. كونوا مطمئنين فالشفاء ليس حلماً، ولا وهماً ولا أمراً محالاً، بل هو تفاؤل وحسن ظن بالله.
أخشى أن نكون قد فقدنا واحداً من أهم مصادر قوتنا، وهو الارتباط اليومي مع خالق الوجود، عندما انتزع مصممو المستشفيات النوافذ منها. فهذا العالم الخارجي يذكرنا بارتباطنا بالحياة كوجود، ويساعدنا على البقاء.
ويقول:
لقد أظهرت أبحاث أجريت حديثاً في (بنسلفانيا) أن المرضى الذين تواجه غرفهم فناء مكشوفاً، أو شجرة، أو حديقة، أو السماء الصافية يتحسنون أسرع من أولئك الذين تواجه غرفهم حائطاً من الطوب. لقد وصف الدكتور (ديك سلينرز) هذا التأثير ببلاغة.. يقول:
كانت لغرف العمليات نوافذ رحبة من زمن غير بعيد، وكانت هذه النوافذ نعمة وبركة، حديث جراح مع خالق الوجود. وكانت رحمة السماء تعانق دموع الفرح والتي تسيل أحياناً من عيون الجراح، وبشكل لا إرادي، عندما تتحقق المعجزة بإنقاذ حياة مريض فُقد الأمل في إنقاذه. وكان الحوار الصامت مفتوحاً بين هذا الشعاع القادم من السماء، والدعاء الصادر من قلوب العاملين بهذه الغرفة، ونظرات الشكر والعرفان والتقدير والإحساس بقوة وقدرة الخالق في إعادة الحياة التي تكاد تخطف أحيانا من المريض. ولم يكن يعكر صفو هذا الحوار الروحاني سوى نفاذ ذبابة من خلال الستائر الشبكية، وتهديدها لتعقيم الوحدة، وكان الرد على هذه الحشرة المغامرة بضربة سريعة مباغتة، أو رشة من مبيد.. ثم يعود الباب ليفتح على العالم المجاور. كانت هذه النوافذ مهمة لنا في أن نواصل المعركة الأزلية كل يوم، فقد كانت هناك بركة السماء، وتصفيق الرعد أحياناً، وتأنيبه لنا في أحيان أخرى. وكان البرق بمثابة ومضة الحياة التي تتخلل أحاسيسنا ومشاعرنا من حين لآخر. وكان العمل في الجزء الأخير من الليل في غرف العمليات، والسكون يخيم على كل شيء، وروعة النجوم وخلودها، وترقبها الصامت لما يفعل الجراح، وكأنها حارس، وشاهد يرافق السماء من فوق كتف الطبيب. وأخشى جداً أن نكون بعد أن سددنا نوافذنا بالطوب قد فقدنا أكثر من النسيم، إذ إننا فصمنا الرابطة السماوية!
إن العمل في غرفة عمليات بلا نوافذ يعني أن تعيش في غابة ولا ترى السماء، ولا تطلع عليك الشمس، ولا تستنشق الهواء،. ألا يعرف مصممو المستشفيات في هذا القرن ما معنى احتجاب السماء في غرفة العمليات؟ إنه تشويش غير إنساني للحوار الصامت بين المريض والجراح.
هذه العلاقة لا يعرفها إلا من يعمل في هذه البقعة الصغيرة من الأرض، والتي ترتبط بسماء لا حدود لها..!
لقد قرأت في إحدى المجلات منذ عهد ليس ببعيد عن أهمية الجو المحيط بالبيئة العلاجية، وكيف أن هذه البيئة لها تأثير عجيب على موقف الطبيب والمريض، دراسة حديثة قام بها (المركز الطبي الباسيفيكي) في سان فرانسيسكو، أثبت أن الموسيقى تساعد على تخفيف القلق والضغط النفسي والألم عند الأطفال والمرضى والكبار، فقد تم إدخال أنواع مختلفة من الموسيقى إلى وحدة القلب. وكانت استجابة الأطفال للرعاية أفضل عند الاستماع إلى (أنه عالم صغير) و(علاء الدين والمصباح السحري) و(الأسد الملك).
أما المراهقون فكانت (موسيقى الروك) أدعى إلى هدوئهم. وأما البالغون فكان لهم أشياء أخرى يفضلونها، ولقد أثبت علماء البيولوجيا الحركية أن الموسيقى الهادئة في غرف العمليات تساهم في تهدئة الجراح والمساعدين معه وتخفف من حدة التوتر.
يطرح (ديك سلينرز) في كتابه (الدروس القاتلة) بعض القصص الواقعية ليؤيد أهمية الجو المحيط بالبيئة العلاجية، فيذكر أنه أثناء قيامه بإجراء عملية جراحية لرجل تحت تخدير نصفي. بعد ظهر أحد الأيام وصل شريط التسجيل الذي كان يبث الموسيقى في غرفة العمليات إلى مقطوعة (الدلال المدهش) عندئذ ارتفع رأس المريض، وسأل هل هناك خطأ هنا؟
فضحكنا جميعاً.. وقلنا: لا.. قال: إنني إيرلندي، وإذا غنيتم لي (حين تبتسم العيون الإيرلندية) فإنني سأشعر بتحسن، وقد فعلنا، واستمتع بالأداء. وقال مريض في يوم آخر بعد أن شرع في الضحك، وهو تحت تخدير موضعي.. هذا أنسب شيء يمكن أن يحدث لي..
وكنت أقوم باستئصال ورم حميد كبير وكان (فرانك سينتاترا ) يغني في الخلفية:
لماذا لا تأخذني كلياً؟
ما أجمل الجراح الذي يعمل ويقينه أن السماء ترقب هذا العمل، وما أسعد المريض الذي يؤمن بأن اليد الممتدة للخالق لا تعود فارغة أبداً، وإن الأماني مهما تأجلت.. سيأتي فجرها لتشرق، أوعدوا قلوبكم أنها تستحق الفرح واملؤوها بالابتسامة واستودعوها الله. كونوا مطمئنين فالشفاء ليس حلماً، ولا وهماً ولا أمراً محالاً، بل هو تفاؤل وحسن ظن بالله.