كتاب ومقالات

دراسة التكريس المؤسساتي للسلوك الياباني

بشرى فيصل السباعي

في ذات الوقت الذي نشرت فيه مجلة «تايم» الأمريكية قائمة بأفضل 100 مكان تنصح بزيارتها خلال عام 2021، وكان من ضمنها دولة عربية معينة، انتشر خبر تصويت موقع «ريديت» (Reddit) الأمريكي العالمي حول «أكثر بلد لا يرغب الناس في تكرار زيارته مرة أخرى»، فكانت النتيجة ذات الدولة العربية، مما أفقدها فائدة ترويج التايم لها كوجهة سياحية، وحسب الخبرات الشخصية التي كتبها الناس من أنحاء العالم بالتصويت فالسبب هو سوء أخلاق وسلوك ومعاملة الناس فيها، وسوء الثقافة السائدة والتي تتضمن التحرش والاستغلال وعدم الأمانة والمضايقات المستمرة من كل الجهات، بينما في المقابل تتصدر دول أخرى قائمة أكثر الدول التي يرغب السياح وكل من زارها سواء للدراسة أو العمل أو العلاج وغيره بتكرار زيارتها وترسيخ علاقته بها تجاريا وثقافيا، وذلك بسبب حسن أخلاق ومعاملة أهلها ورقي الأنظمة والثقافة السائدة فيها مثل اليابان، وحتى في العالم الافتراضي حسب القائمة السنوية لشركة مايكروسوفت لتصنيف الدول التي يعتبر سلوك أهلها أكثر تحضرا ورقيا في التعاملات والتفاعلات عبر الإنترنت «Digital Civility Index /‏ DCI-قائمة التحضر الرقمي»، للأسف باستمرار تصدرت الدول العربية القائمة بالهمجية وسوء الأخلاق والسلوك والمعاملة غير المتحضرة وغير الراقية عبر الإنترنت، وليس هناك من جديد في هذا، فسيادة ثقافة سوء الأخلاق وسوء المعاملة بالعالم العربي كانت وراء المقولة الشهيرة لرواد الفكر العربي والإسلامي في مطلع القرن الماضي أنهم رأوا في الغرب إسلاما بلا مسلمين وفي الشرق مسلمين بلا إسلام، أي مفتقرين للمثاليات والآداب العليا التي يتضمنها الإسلام، ونتائج وتبعات سيادة ثقافة سوء الأخلاق والسلوك والمعاملة والافتقار للآداب الرفيعة لا تنحصر في مجرد خلق انطباعات سلبية لدى الزوار الأجانب والسياح وصدهم عن السياحة وما يسببه هذا من خسائر مالية كبرى للاقتصاد، إنما أيضا لها آثار كارثية من كل وجه تتمثل في ارتفاع مستويات الجريمة والإرهاب والعنف الأسري والطلاق وجنوح المراهقين والمشاكل السلوكية للطلاب والتنمر والعنف القاتل ضد المدرسين والزملاء وسوء أداء الموظفين وكثرة القضايا الجنائية والقضائية وكثرة حوادث السيارات وخسائر تخريب وتشويه المرافق العامة والممتلكات الخاصة التي تؤجر للناس، كما نرى في صور الرعب التي ينشرها أصحاب الاستراحات والفنادق والشقق بعد مغادرة المستأجرين، حيث يبدو كأن كائنات همجية جن جنونهم فيها وخربوا كل شيء وتركوها في حالة دمار وفوضى وقذارة عارمة، هذا غير ما نراه من مقاطع مخزية للمفاخرة بالسلوكيات الهمجية لبعض السياح الخليجيين والعرب بالدول الأجنبية والتي تخلق أسوأ الانطباعات عن البلد والثقافة التي ينتمون إليها مثل خطف وذبح طيور الحدائق العامة المملوكة للحكومة والتحرش والاستهزاء بالناس وتخريب الممتلكات وترك النفايات الشخصية، والسبب هو افتقار المجتمع ومؤسساته التعليمية والعملية للوعي بأهمية تكريس ثقافة اتكيت السلوك المتحضر والراقي في كل المجالات ليس بتحفيظ النصوص إنما بالتدريب العملي المؤسساتي منذ الطفولة وعبر جميع مراحل التعليم والعمل كما يحصل في اليابان، وتتصدر دول الشرق الأقصى كاليابان قوائم أكثر البلدان امتيازا في ثقافة اتكيت وأنظمة السلوك المهذب والمتحضر الراقي من كل وجه، لذا أقترح إرسال بعثات إليها تدرس أنظمتهم الأخلاقية السلوكية ووسائل نجاحهم المؤسساتي في تكريسها وجعلها الثقافة السائدة للمجتمع والناس والمؤسسات العامة والخاصة لتطبيقها لدينا.