أخبار

أمراء الحرب يتساقطون

بعد استسلام «أسد هرات» لطالبان.. دوستم يبحث عن ممر آمن

إسماعيل خان بعد استسلامه لطالبان.

كتب: فهيم الحامد Falhamid2@

قد تكون سيطرة حركة طالبان على قندهار أمرا متوقعا مع تزايد وتيرة السيطرة الميدانية بشكل متسارع خلال الـ ٢٤ ساعة الماضية، بعد سقوط ثاني وثالث أكبر مدينتين في أفغانستان (قندهار وهرات)، إلا أن استسلام القائد العسكري البارز ووزير الطاقة والمياه وحاكم الولاية سابقا الجنرال محمد إسماعيل خان، المعروف بأسد هرات، مع نائب وزير الداخلية الجنرال عبدالرحمن يار، وحاكم الولاية الجنرال عبدالصبور قانع، ومدير الاستخبارات في الولاية حسيب صديقي، وعدد من المسؤولين الكبار الآخرين؛ يعتبر تطورا كبيرا يعكس انهيارات المعنويات كاملة لدى قيادات هرات الكبرى، خصوصا أن إسماعيل خان، الشهير بـ«أسد هرات»، تعهد قبل شهر بمقاتلة طالبان والصمود في وجهها، داعيا السكان للالتحاق بالمعركة. وخضعت هرات لنفوذ إسماعيل خان (75 عاما) لعقود، وهي ثالث أكبر مدينة في أفغانستان، ويزيد قربها من إيران من أهميتها الإستراتيجية.

وسرعان ما أعلنت الحركة أن إسماعيل خان سلم نفسه وأنه في أمان وأنه «سيعاد لمقر إقامته».

كما نشرت طالبان مقطع فيديو لأمير الحرب القديم، قال فيه: «يجب أن يعاملوا الناس معاملة حسنة ويجب أن يقابلهم الناس بمشاعر طيبة حتى يتمكنوا من عيش حياة مزدهرة معًا. وكانت طالبان استولت أمس الأول على قندهار وهرات، ثاني وثالت مدن البلاد مع اقترابها من كابول. وأصبحت تسيطر حاليا على قطاعات كبيرة في شمال البلاد وغربها وجنوبها».

ونشرت طالبان لقطات تؤكد صحة هذه الادعاءات، وزعمت التحاق آلاف العسكريين بها إثر سقوط مدينة هرات.

وكانت قوات إسماعيل خان الضخمة حققت سلسلة نجاحات في وجه طالبان مع سيطرتهم على الحكم في بداية التسعينات. ولكنّه اضطر عام 1995 إلى الفرار نحو إيران برفقة مئات من مؤيديه بعد انشقاق أحد حلفائه عنه.

وفي وقت لاحق، أسرت طالبان إسماعيل خان لنحو عامين أثناء استعداده للعودة وقيادة حركة تمرّد. لكنه نجح في الفرار من السجن عام 1999، وكان طليقا إبّان الغزو الأمريكي عام 2001.

وينحدر خان من مدينة هرات التي تقع على بعد نحو 100 كيلومتر من إسلام قلعة، المعبر الحدودي الرئيسي مع إيران الذي بات يخضع لسيطرة طالبان.

وشغل خان منصبا وزاريا في حكومة الرئيس السابق حميد كرزاي، لكنه معروف بتفضيله حكم ولاية هيرات التي يقول منتقدوه إنه يهيمن عليها وكأنها ملكه الخاص. ويعرف من تابع أحداث حرب التحرير الأفغانية ضد السوفيت محمد إسماعيل خان، أحد قادتها الأساسيين الذين ساهموا في إلحاق الهزيمة بالجيش الأحمر. وبعد الإطاحة بالنظام الأفغاني الذي كانت تدعمه موسكو في كابول أصبح إسماعيل خان أميرا لهرات ثاني أكبر المدن الأفغانية وعاصمتها الثقافية الأقدم. وسيطر من هناك على 6 أقاليم تشكل في ما بينها نصف مساحة البلاد في الجزءين الغربي والجنوبي الغربي. وعندما وقعت كابول في قبضة طالبان، في عام 1996 لم يعد بإمكان خان الاحتفاظ بمنصبه. إثر ذلك استدرجه أحد حلفائه من الأوزبك، الجنرال عبدالمالك، الذي دعاه للتباحث في تنسيق التحرك ضد طالبان، وكان خان يجهل المؤامرة التي حاكها الأوزبك ضده بتسليمه إلى طالبان مقابل 3 ملايين دولار، يقال إن أحد رجال الأعمال المؤيدين لطالبان دفعها. ووقع خان في مصيدة الأوزبك بعد أن ذهب إليهم بلا سلاح أو حرس ليجد نفسه وقد أصبح أسيرا في يد طالبان، وبعد أيام قليلة أصدر زعيم طالبان المولى محمد عمر حكما بإعدام خان.

غير أن ما يحظى به قائد المقاومة السابق من شهرة منع طالبان من المجازفة بقتله إلى جانب مئات من المقاتلين الآخرين الذين ذبحتهم، وهذا ما مكن أنصار خان، وبعضهم ضمن صفوف طالبان، من تهريبه مما يفترض أنه مركز اعتقال منيع يقع على مقربة من بيت الملا عمر زعيم طالبان في قندهار.

وعاد خان في الربيع الماضي إلى ساحة المعركة لتحرير أفغانستان هذه المرة مما وصفه «بالاحتلال الأجنبي». وكان وجوده مهما في إعادة تنظيم صفوف التحالف الشمالي الذي يحتل فيه منصب نائب الرئيس، وهو عضو أيضا في المجلس الأعلى للتحالف الذي يضم 11 شخصا. وبعد تشكيل المجلس الأعلى وعلى رأسه الملك السابق محمد ظاهر شاه فإن خان بات من بين المرشحين المهمين لاحتلال مناصب عليا في الحكومة المتوقعة بعد القضاء على الآلة العسكرية لطالبان.

بعد موت أحمد شاه مسعود زعيم التحالف الشمالي الكاريزمي أصبح إسماعيل خان عميد قادة المعارضة الذين لا يزالون فاعلين في الميدان. وقاد عمليات التحالف في الغرب، بينما يتولى الأوزبكي عبدالرشيد دستم إدارة الجبهة الشمالية الغربية، أما الجنرال الهزاري عبدالكريم خليل فيتولى الجبهة الوسطى، في حين يشرف القائد البشتوني عبدرب الرسول سياف على العمليات القريبة من كابول. ويتولى القيادة العامة الجنرال محمد فهيم الذي خلف مسعود لمنصب القائد العسكري الأول.

وقبل شهر من الآن، بدا الأسد العجوز واثقا من نفسه، إذ قال للصحافة: «سنكون قريبا في الخطوط الأمامية، وسنبدّل المعطيات». وسلم المستسلمون كمية كبيرة من الأسلحة الخفيفة والثقيلة لطالبان، وتم منحهم بطاقات الأمان.

إيران في موقف صعب

ويبدو أن موقف النظام الإيراني أصبح صعبا جدا بعد سيطرة طالبان على هرات المتاخمة لإيران، وسارعت الخارجية الإيرانية في حث حركة طالبان على ضمان سلامة دبلوماسييها والعاملين بقنصليتها في مدينة هرات بغرب أفغانستان بعد أن سيطرت عليها الحركة المتمردة.

ولدى إيران علاقات قوية مع أقلية الهزارة الشيعية التي تعيش جزءا منها في مناطق متاخمة للحدود الإيرانية بالقرب من هرات.

وتوجد في هرات أقلية شيعية من الهزارة وهي موالية بشكل كبير لإيران، وشكلت مجموعة من المليشيات قاتلت طالبان في بداية الغزو الأمريكي، حيث لعبت طهران دورا معروفا في تلك الأحداث.

وقامت إيران بتجنيد مقاتلين شيعة من أقلية الهزارة وكثير منهم ينحدر من ولاية هرات من أجل القتال في سوريا ضد التنظيمات الجهادية، وبرز اسم «لواء فاطميون» في تلك الصراعات المسلحة.

وربما ستخضع هرات لتفاهمات معينة بين طالبان وإيران، خصوصا أن الحركة الأفغانية لا تريد حاليا توتير الأجواء مع دول الجوار في خضم استعادتها لعدد كبير من الولايات في مواجهة الجيش الأفغاني. وعلى ضوء تساقط القيادات الأفغانية أشارت مصادر أفغانية إلى أن المارشال الأوزبكي عبدالرشيد دوستم -والمتواجد حاليا في كابول بعد سقوط مزار شريف مسقط رأسه- يبحث عن مخرج آمن للتوجه إلى أوزبكستان.

ويبدو أن طالبان لا تريد حاليا تصعيد العداء مع دول الجوار بما فيها إيران، وطمأنت طالبان في أحدث بيان لها أمس الدول المجاورة بأن طالبان لن تسبب لهم أية مشكلة، كما طمأنت جميع الدبلوماسيين، وموظفي السفارات، والقنصليات، والمؤسسات الخيرية (الأجانب والمحليين) بأنهم لن تواجههم أية مشكلة، إنها ستهيئ لهم بيئة آمنة ومطمئنة -على حد قولها.

وسيطر طالبان على قوس من المناطق يمتد من الحدود الإيرانية إلى الحدود مع الصين بعد شنهم هجوما خاطفا بداية (مايو) تزامنا مع انسحاب القوات الأمريكية من البلاد.