ثقافة وفن

مواسم

A0C9F6C9-D276-46FC-A000-A45D6D3AEF91

سمير الفيل

اتخذت طريقا لا يسير فيه أحد. طريق يفضي إلى ممر معشوشب بحشائش زاهية الخضرة.

ندت عنها صرخة ألم حين ارتطمت ساقها بوتد خشبي برز من الأرض، أخفتها عن نفسها. لملمت صرخاتها التي لم تطلقها بعد. كورتها، وضعتها في قبضة يدها.

قابلها في نفس القطة التي يقابلها فيها عادة. سلم عليها، سألها عن حالها. لم تجب. وضعت يدها اليمنى بين يديه وسارا صامتين. بيدها الطليقة كانت تقبض على صرة آلامها.

سألته عما أخره؟ أخبرها أن عقارب الساعة تخرف أحيانا. مال عليها ليقبلها فابتعدت بوجهها، ثم مدت كفها لتمنعه.

وضعت بين يديه الصرة. شعر بثقلها. اتجه معها إلى شاطئ البحر القريب. كان السمان القادم من أقصى الشمال يهبط على حافة الشاطئ. لم تجد مفرا من البكاء وهي ترى ريشه الخفيف يطيره الهواء الخريفي. استغرب أن رأى عينيها تبكيان بلا دموع، في موسم هجرة السمان.

12/ 10/ 2020.

شيش طاووق

تجلس بجوار نافذة تأتي منها رياح بحرية. على بعد ثلاث خطوات يقف الطاهي بملابسه البيضاء. سيخ من الحديد الرفيع موضوع على شبكة من المعدن. قطع الدجاج صغيرة، متبلة، تم النار.

قال لها وهو يصوب نظرة كليلة لوجهها الذي لا يراه: لا توجد نار من غير دخان!!

ما الدخان الذي سربوه إليه في ظلمته الأبدية؟ وعالمه المعتم وهو أعمى، يسير باللمس؟! لا يبصر شيئا في عالم من التيه و«الخوازيق»؟!

قالت له إنها تفتح شبابيكها ليلا حتى لا تقتلها الوحدة، وتجننها الهواجس.

رد بأنه يفضل إغلاق كل الأبواب والشبابيك وطاقات النور العلوية.

بانفضاض الاتفاق، أعطاها ظهره، ومضى سادرا في غيه. لم تشعر بأية مهانة أو عار.

تكتفي الآن بوحدتها، بظلها الذي يرافقها غالبا في الأيام المشمسة. جاء الطاهي، فوضع طبقا فارغا من الصيني، وأحضر الأسياخ والبخار يتصاعد منها. أمسكت السيخ وخلصت قطع الدجاج بأصابعها الدقيقة المسحوبة بلطف.

رأت البقدونس في طبق مجاور للطحينة البيضاء وشرائح الطماطم الحمراء.

في الكون أشياء كثيرة نعوضها عن ذلك الفقد الذي لم يترك داخلها علة.

رنت إلى الفضاء البعيد، كانت ثمة طائرات ورقية تتحرك بانسياب في الأفق. تعرف أن الصبيان فقط يمسكون الخيوط ويحركونها طبقا لاتجاه الريح.

قد يكون بينهم طفل لا يرى النور. طفل أصابه العمى في السابعة من عمره!

12/ 10/ 2020.