كتاب ومقالات

البازارات الموسمية لاحتواء الباعة المتجولين

بدر بن سعود

ساحة التايمز سكوير في نيويورك تعتبر مركزاً للباعة المتجولين، وهم يقصدونها ليستفيدوا من بيع بضائعهم على السياح، وبحسب التقديرات الأمريكية، يزور هذه الساحة الشهيرة أكثر من 50 مليون سائح في السنة وبما يزيد على 300 ألف سائح في اليوم الواحد، وسوق البيع الجائل في أمريكا يقدر بعشرات المليارات، ومؤسس شركة أوبر، الملياردير الأمريكي ترافيس كالانيك، بدأ كبائع متجول يبيع السكاكين، ومن أعلام الباعة الجائلين في التاريخ السعودي المعاصر، الأخوان صالح وسليمان الراجحي، فالأول كان بائعاً للخردة، والثاني باع الكيروسين في الشارع، وعمل صالح في بسطة للصرافة، وقدم مع أخيه سليمان خدمات الصرافة للحجاج، قبل أن يقوما بتأسيس مؤسسة الراجحي كأول مصرف إسلامي في المملكة، وكذلك عبدالإله الدباس، مؤسس شركة باجة للمكسرات، الذي بدأ حياته كبائع فصفص متجول.

كل هؤلاء لم يكونوا مطاردين من موظفي البلديات ومن اللجان الميدانية، ولم يعانوا من التضييق عليهم في كل مكان، واعتبارهم من الظواهر السلبية، والعمل على مصادرة بضائعهم، ومن ثم مطالبتهم بالتوقيع على تعهدات في حالة السعودي، أو ترحيلهم إذا كانوا من غير السعوديين، ويجوز أنهم استفادوا من قبول المشرع المحلي، ومن عدم اهتمامه بمثل هذه الأنشطة قي ذلك الحين.

بخلاف أن الباعة المتجولين لديهم ميزة تنافسية، فهم يقدمون سلعاً موسمية لا توجد عند غيرهم كالكمأة (الفقع) التي تباع بأسعار تصل إلى سبعمائة دولار لكل كيلوغرام. وفي المجمل، قيمة بضائع الباعة المتجولين تقل بنسبة تصل إلى 45% مقارنة بالأسعار في الأسواق الرسمية.

في ديسمبر 2020 تم إقرار اشتراطات سعودية على البيع الجائل، من أبرزها، توطين وترخيص النشاط والتأكد من التزامه بالضوابط الصحية والبيئية والتنظيمية، وتقديمه مقابل رسوم وفي مواقع محددة ولسلع معينة، بالإضافة إلى تقييده في الأكشاك المصممة بمعرفة البلديات، أو الحواضن البلدية لمن لا يملكون محال تجارية من السعوديين، وتقنين عمل الباعة المتجولين يساعد في نقل مكاسبهم من الاقتصاد السري إلى الاقتصاد الرسمي، ويحقق لهم أماناً في مواقع أنشطتهم، وقد يسهم في إعطائهم صفة قانونية تدخلهم ضمن الفئات المشمولة بنظام التأمينات الاجتماعية السعودي.

الأسواق الشعبية القديمة في المملكة كانت عبارة عن تجمع للباعة الجائلين، ولكنها تحولت مع الوقت من بسطات إلى محال تجارية، وغادرها البيع الجائل بدون تنظيم أو تخطيط إلى المواقع الحيوية والسياحية، وأعتقد أن التشويه البصري والمظهر غير المتحضر سيستمر، ما لم يعمل على إقامة بازارات موسمية ضمن الفعاليات السياحية والثقافية في المدن، وبحيث يتم احتضان الباعة المتجولين فيها، وعلى طريقة البازارات الخاصة بالأسر المنتجة، خصوصاً وأن تجارة البيع الجائل تقدر بما نسبته 70% من حجم التجارة المحلية في الدول العربية.