«البزنس» يؤطر علاقة المثقف بالمؤسسة
بين الانتماء والادّعاء والعِداء
الجمعة / 19 / محرم / 1443 هـ الجمعة 27 أغسطس 2021 01:58
علي الرباعي (الباحة) Al_ARobai@
لم تعد علاقة المثقف بالمؤسسة ذات العلاقة العضوية، في زمن ما قبل مواقع التواصل، فالمظلة المُمَكّنة لتواصله مع المجتمع توفّرت منصات «الميديا» بديلاً عنها، فغدا لكل مثقف مؤسسته الخاصة، إلا أن حاجة المثقف للدعم المالي، وتطلعه لطباعة أعماله، وتوزيعها، وشراء نسخ منها، تفرض عليه، شروط تحسين العلاقة مع المؤسسة، وعدم بتر شعرة معاوية، والاحتفاظ بشيء من الودية البراغماتية لتعزيز حظوته وإن تم إخراجه من إدارة المؤسسة، ومن الطبيعي جنوح البعض لخانة المناوئ للمؤسسة، وتبني ردود الفعل الحادة على طول الخط، وإن على حساب عوزه وحاجته المادية، علماً بأن المؤسسات الثقافية مكتنزة بالملاءة، وقادرة على نفع الكاتب، ولعل بعض النخب «الماهرة» انتبهت لفكرة إنجاز مشاريع لمصلحة المؤسسة، للظفر بمبالغ مالية تكفي حاجتها لأعوام مقبلة، فتجاوزت القطيعة، وآمنت أن العمل تحت مظلة مؤسسة أدعى للقبول والنفع لصالح المؤسسة والمجتمع والمثقف، مع احتفاظ المثقف بنصيبه من الاستقلالية التي يؤمن بها.
وبحكم امتداد جدلية العلاقة بين المثقف وبين المؤسسات الثقافية طرحنا المحور للنقاش، ليؤكد الروائي المصري صبحي موسى أن طبيعة المثقف، التبرم من ممارسة سلطة ما عليه، وإن في أدنى مستوياتها، ولم يستبعد أن العلاقة قبل ما يزيد على عقد من الزمان كانت علاقة «بزنس صريح»، ما دفع المثقف للارتباط بالمؤسسة على الدوام، وحفّزها لابتكار كافة الأدوات المغرية له، بدءاً من الجوائز والمؤتمرات والمنح واللجان والنشر وغيره، مبدياً سعادته بوضع الأمور في بعض الدول بيد القطاع الخاص، لينتهي الحلم بالظفر بجوائز الدولة ولم تعد تمثل غنيمة لأحد بالقياس لجوائز البوكر، وكتارا، والطيب صالح. ويؤكد أن اللجان ماتت على حالها، وأجهز «كورونا» على ما تبقى من رونق للمؤتمرات. وأضاف أن المثقف لم يعد يعنيه من الأصل وجود وزارة الثقافة، كون العُرَى التي تربطهما وهت، وتلاشت، وكلاهما الآن يمضي في حال يعقب الفطام أو الفصام، فالمثقف يتألم، والمؤسسة فقدت وهج حضورها. ويرى أنها ليست هذه نهاية العالم، طالما أن الإنسان كائن حي فإنه سيتواءم مع الظروف وينتصر عليها، وقريباً سنتحدث عن المثقف المستقل الذي يمثل ضمير مجتمعه، ويعتمد على نفسه، في الانتشار والتوزيع، وبناء شخصيته القوية، وينتج مؤسساته الخاصة التي تحقق له «بزنسه الخاص» مثلما تحقق له دوراً فاعلاً في المجتمع. وعزا موسى إلى المؤسسة دورها الحقيقي في رفع ثقافة المجتمع ووعيه، وليس رعاية مجموعة من الكُتّاب. وتطلع لدفع كليهما في هذا الاتجاه، وعدم العودة الى العلاقة القديمة المشوبة بعلامات استفهام.
فيما يذهب مدير فرع جمعية الثقافة والفنون في محافظة الطائف فيصل الخديدي إلى أن علاقة المؤسسات الثقافية بالمثقف والمثقف بالمؤسسة لا تخضع في الوقت الراهن للماديات والمكاسب المالية، ويرى أنه لا بأس به إذا وقع إذا ما كانت علاقة استثمار وتسويق غير مخلة بالمحتوى ولا بالرسالة السامية للمثقف، فالاقتصاد الإبداعي والاستثمار في العقول المبدعة بتسويق منجزها هدف ومصدر دخل يحقق الكثير ويختصر الطريق في تحقيق جودة الحياة.
فيما عد الشاعر خالد قمّاش العلاقة نفعية بين المثقف والمؤسسة الثقافية بحكم استغلال البعض مركزه في المؤسسة وما تخوّله أنظمتها من طبع مؤلفاته ومؤلفات أصدقائه، فضلاً على التكسب بتمرير مشاريع ثقافية أو تنظيم مهرجانات وملتقيات لصالح ربما مثقف آخر يملك شركات تنظم وتقيم وتشرف على مثل هذه الفعاليات.
وتطلّع قماش لتبني مبادرة (التطوع الثقافي)، كون الكثير من الأنشطة في عصر التقشّف لا تدعم من قبل الوزارة بالدعم المادي الكافي. وتساءل: لماذا لا نكون مبادرين بالفعل الثقافي والإبداعي ونؤسس لهكذا ثقافة تطوعية دون النظر للمقابل المادي أو المعنوي؟
واستعاد قماش «منتدى عكاظ الثقافي» الذي أسسه الدكتور عالي القرشي قبل انطلاقة مهرجان «سوق عكاظ» بأعوام، و«منتدى عبقر الشعري» الذي أسسه الشاعر عبدالعزيز الشريف ومجموعة من الأعضاء وأكمل عامه العاشر، والكثير من الصوالين الأدبية والفنية التي تخدم الحراك الثقافي بعيداً عن البراغماتية التي تتجسّد في بعض المؤسسات الثقافية مع بعض منسوبيها وبعض المثقفين.
يذهب رئيس أدبي أبها الناقد الدكتور أحمد آل مريع، إلى أن العلاقة بين المثقف وبين المؤسسة تأطّرتْ تاريخياً بأنماط متوارثة، من الشرق ومن الغرب، وتناولتها أطروحات مفكرين، وكُتّاب، وتداولتها محاضرات وندوات. وأكد آل مريّع أنه وإن كان الغالب وصف العلاقة بالمتوترة إلا أنه لا ينبغي اختزالها في نمط التمرد والتوتر، إذ إن أي علاقة شائكة يمكن تفكيكها بحلول عدة، مبدياً تحفظه على تصوير البعض للمثقف بأنه ينبغي أن يكون خارجاً على المؤسسة ومتمرداً عليها، ومنزوياً عنها، مضيفاً أنه أيضاً لا يحبّذ الانضواء المبالغ فيه، لافتاً إلى إمكانية توفير الصيغة الحضارية للمثقف المنتمي لمؤسسته، والمحتفظ بقناعاته وأفكاره وتطلعاته، وتطلّع لإحلال صورة المثقف الإيجابي الذي يرتقي بدور المؤسسة لتضطلع بدورها في تحقيق التنمية والوعي وطموحات المجتمع، مشيراً إلى أن المؤسسة أداة من أدوات المجتمع، ومكوّن من مكوناته، وآلية لتقديم الثقافة، وإن كانت اعتبارية أو معنوية، ويرى أنه لا يميل لتوتير العلاقة، ولا يحبذ المقاطعة، ولا يرجّح القطيعة، بل يطمح لعلاقة حيوية وتفاعلية لإيمان المثقف بدوره وإتاحة المؤسسة فرصة التواصل مع المتلقي، دون اخضاعه لشروطها الإدارية البيروقراطية، وآلياتها الروتينية، مؤملاً أن يتبنى المثقف ما ينادي به من مأسسة الفعل الثقافي، والتعبير عن دوره التنويري والتحديثي في رفع كفاءة الوعي في ظل التحديات والمنعطف التاريخي الذي تمر به بلادنا. وجدد الدعوة للمثقف بتحقيق الانتماء الوطني والفكري عملياً بتفعيله دور المؤسسة باعتبارها إحدى أقنية التواصل مع المجتمع، والحوار معه، وطرح الأفكار الجديرة بمكانتها اللائقة في مراتب الحضارة الإنسانية، التي تطمح لها قيادتنا. وناشده برفع سقف الطموحات وإنْ بطرح المزيد من التساؤلات، إن رغب المثقف في ترك أثر وبصمة عبر تحويل المؤسسة منبراً لتميزه ونشره الوعي بإسهام تكاملي مع المؤسسة دون امتثال تام ولا نفور كُلّي.
آل مريّع: علاقة متوترة
تحتاج صيغة حضارية
وبحكم امتداد جدلية العلاقة بين المثقف وبين المؤسسات الثقافية طرحنا المحور للنقاش، ليؤكد الروائي المصري صبحي موسى أن طبيعة المثقف، التبرم من ممارسة سلطة ما عليه، وإن في أدنى مستوياتها، ولم يستبعد أن العلاقة قبل ما يزيد على عقد من الزمان كانت علاقة «بزنس صريح»، ما دفع المثقف للارتباط بالمؤسسة على الدوام، وحفّزها لابتكار كافة الأدوات المغرية له، بدءاً من الجوائز والمؤتمرات والمنح واللجان والنشر وغيره، مبدياً سعادته بوضع الأمور في بعض الدول بيد القطاع الخاص، لينتهي الحلم بالظفر بجوائز الدولة ولم تعد تمثل غنيمة لأحد بالقياس لجوائز البوكر، وكتارا، والطيب صالح. ويؤكد أن اللجان ماتت على حالها، وأجهز «كورونا» على ما تبقى من رونق للمؤتمرات. وأضاف أن المثقف لم يعد يعنيه من الأصل وجود وزارة الثقافة، كون العُرَى التي تربطهما وهت، وتلاشت، وكلاهما الآن يمضي في حال يعقب الفطام أو الفصام، فالمثقف يتألم، والمؤسسة فقدت وهج حضورها. ويرى أنها ليست هذه نهاية العالم، طالما أن الإنسان كائن حي فإنه سيتواءم مع الظروف وينتصر عليها، وقريباً سنتحدث عن المثقف المستقل الذي يمثل ضمير مجتمعه، ويعتمد على نفسه، في الانتشار والتوزيع، وبناء شخصيته القوية، وينتج مؤسساته الخاصة التي تحقق له «بزنسه الخاص» مثلما تحقق له دوراً فاعلاً في المجتمع. وعزا موسى إلى المؤسسة دورها الحقيقي في رفع ثقافة المجتمع ووعيه، وليس رعاية مجموعة من الكُتّاب. وتطلع لدفع كليهما في هذا الاتجاه، وعدم العودة الى العلاقة القديمة المشوبة بعلامات استفهام.
فيما يذهب مدير فرع جمعية الثقافة والفنون في محافظة الطائف فيصل الخديدي إلى أن علاقة المؤسسات الثقافية بالمثقف والمثقف بالمؤسسة لا تخضع في الوقت الراهن للماديات والمكاسب المالية، ويرى أنه لا بأس به إذا وقع إذا ما كانت علاقة استثمار وتسويق غير مخلة بالمحتوى ولا بالرسالة السامية للمثقف، فالاقتصاد الإبداعي والاستثمار في العقول المبدعة بتسويق منجزها هدف ومصدر دخل يحقق الكثير ويختصر الطريق في تحقيق جودة الحياة.
فيما عد الشاعر خالد قمّاش العلاقة نفعية بين المثقف والمؤسسة الثقافية بحكم استغلال البعض مركزه في المؤسسة وما تخوّله أنظمتها من طبع مؤلفاته ومؤلفات أصدقائه، فضلاً على التكسب بتمرير مشاريع ثقافية أو تنظيم مهرجانات وملتقيات لصالح ربما مثقف آخر يملك شركات تنظم وتقيم وتشرف على مثل هذه الفعاليات.
وتطلّع قماش لتبني مبادرة (التطوع الثقافي)، كون الكثير من الأنشطة في عصر التقشّف لا تدعم من قبل الوزارة بالدعم المادي الكافي. وتساءل: لماذا لا نكون مبادرين بالفعل الثقافي والإبداعي ونؤسس لهكذا ثقافة تطوعية دون النظر للمقابل المادي أو المعنوي؟
واستعاد قماش «منتدى عكاظ الثقافي» الذي أسسه الدكتور عالي القرشي قبل انطلاقة مهرجان «سوق عكاظ» بأعوام، و«منتدى عبقر الشعري» الذي أسسه الشاعر عبدالعزيز الشريف ومجموعة من الأعضاء وأكمل عامه العاشر، والكثير من الصوالين الأدبية والفنية التي تخدم الحراك الثقافي بعيداً عن البراغماتية التي تتجسّد في بعض المؤسسات الثقافية مع بعض منسوبيها وبعض المثقفين.
يذهب رئيس أدبي أبها الناقد الدكتور أحمد آل مريع، إلى أن العلاقة بين المثقف وبين المؤسسة تأطّرتْ تاريخياً بأنماط متوارثة، من الشرق ومن الغرب، وتناولتها أطروحات مفكرين، وكُتّاب، وتداولتها محاضرات وندوات. وأكد آل مريّع أنه وإن كان الغالب وصف العلاقة بالمتوترة إلا أنه لا ينبغي اختزالها في نمط التمرد والتوتر، إذ إن أي علاقة شائكة يمكن تفكيكها بحلول عدة، مبدياً تحفظه على تصوير البعض للمثقف بأنه ينبغي أن يكون خارجاً على المؤسسة ومتمرداً عليها، ومنزوياً عنها، مضيفاً أنه أيضاً لا يحبّذ الانضواء المبالغ فيه، لافتاً إلى إمكانية توفير الصيغة الحضارية للمثقف المنتمي لمؤسسته، والمحتفظ بقناعاته وأفكاره وتطلعاته، وتطلّع لإحلال صورة المثقف الإيجابي الذي يرتقي بدور المؤسسة لتضطلع بدورها في تحقيق التنمية والوعي وطموحات المجتمع، مشيراً إلى أن المؤسسة أداة من أدوات المجتمع، ومكوّن من مكوناته، وآلية لتقديم الثقافة، وإن كانت اعتبارية أو معنوية، ويرى أنه لا يميل لتوتير العلاقة، ولا يحبذ المقاطعة، ولا يرجّح القطيعة، بل يطمح لعلاقة حيوية وتفاعلية لإيمان المثقف بدوره وإتاحة المؤسسة فرصة التواصل مع المتلقي، دون اخضاعه لشروطها الإدارية البيروقراطية، وآلياتها الروتينية، مؤملاً أن يتبنى المثقف ما ينادي به من مأسسة الفعل الثقافي، والتعبير عن دوره التنويري والتحديثي في رفع كفاءة الوعي في ظل التحديات والمنعطف التاريخي الذي تمر به بلادنا. وجدد الدعوة للمثقف بتحقيق الانتماء الوطني والفكري عملياً بتفعيله دور المؤسسة باعتبارها إحدى أقنية التواصل مع المجتمع، والحوار معه، وطرح الأفكار الجديرة بمكانتها اللائقة في مراتب الحضارة الإنسانية، التي تطمح لها قيادتنا. وناشده برفع سقف الطموحات وإنْ بطرح المزيد من التساؤلات، إن رغب المثقف في ترك أثر وبصمة عبر تحويل المؤسسة منبراً لتميزه ونشره الوعي بإسهام تكاملي مع المؤسسة دون امتثال تام ولا نفور كُلّي.
آل مريّع: علاقة متوترة
تحتاج صيغة حضارية