هل لديك فهم صحيح لأي شيء؟
الجمعة / 03 / صفر / 1443 هـ الجمعة 10 سبتمبر 2021 00:30
بشرى فيصل السباعي
فاهم الدين غلط، فاهم الوطنية غلط، فاهم الزواج غلط، فاهم الرجولة غلط، فاهم الشرف غلط، فاهم الحياة غلط، هذه من أكثر العبارات التي نسمعها تتردد باستمرار في الواقع وفي مواقع التواصل وهي بحق من أصوب العبارات في تفسير سبب كون الحياة الدنيا جحيما ماديا أو معنويا بالنسبة لكثير من الناس، بينما كان يمكن أن تكون الدنيا جنة ماديا ومعنويا للجميع لو أنه بالفعل كان لدى الناس الفهم الصحيح لها ولكل من وما فيها، فالواقع السائد له مثال من يتكلم بالسنسكريتية التي لا يفهمها أحد فيأتي كل شخص ويرمي بتفسيراته الخاصة عما يمكن ويظن أن المتحدث يقصده وبالطبع كلهم فهمهم خاطئ لأنهم يفبركون تفسيرات بشكل غير قائم على فهم حقيقي للغته، فلا عجب أن تصرفاتهم المترتبة على تفسيراتهم تلك تكون خاطئة وغير مناسبة مثل من افترض وظن أن كلام المتحدث هو سباب فقام وهاجمه بناء على تفسيراته الخاصة الخاطئة الجاهلة بلغته التي لا يفهمها، وبالإضافة للفهم الخاطئ على المستوى الفردي والشخصي فمن يطالع ما تسمى بالتحليلات للأحداث سواء عبر الصحف أو الإعلام والتي يفترض أنها تصدر من أشخاص لديهم مستوى ثقافة ومعرفة واطلاع ووعي وتكريس أعلى من الإنسان العادي يصدم ويهوله بشدة قدر الجهل والخطأ الجذري في فهم القضايا وتحليلها، وبالتالي ما ينبني على ذلك من علاجات خاطئة مقترحة، والطبيب الذي يخطئ بتشخيص مرض المريض يقتل إنسانا واحدا، بينما المحلل الذي يخطئ بتشخيص الأمراض العامة يقتل أمة، وسواء أكان الخطأ في فهم الأمور والقضايا والأحداث والأشخاص خاصا أو عاما فله ثلاثة أسباب؛ أولا: الجهل بمنهجية التفكير الصحيحة الموضوعية العلمية الواقعية الشمولية غير المنحازة سواء بشكل واعٍ أو لا واعٍ، ثانيا: الجهل بالمعلومات الصحيحة الواقعية، ثالثا: الجهل بالمعرفة الجوهرية المعمقة «الحكمة» التي تمنح الإنسان منظورا معمقا للأمور، وحيثما نظرنا سنرى معاناة البشر الخاصة والعامة ناتجة عن هذا الجهل المركب، مثل اضطهاد الإناث والعنف الأسري والإرهاب والتطرف والتعصب والاضطهاد ونظريات المؤامرة الخرافية التي تعتبر أهم أسباب استعصاء محاصرة وباء كورونا لأنها تقول إنه تمثيلية وترفض التقيد بإجراءات الوقاية من العدوى، ولهذا من يريد أن يصلح أمته والعالم فعليه العمل على نشر ثقافة منهجية التفكير الصحيحة الموضوعية العلمية الواقعية المعمقة الشمولية وعلم «الحكمة» الجوهرية، ونشر المعلومات الصحيحة المحققة الممحصة وعدم تداول أي قول أو خبر أو معلومة قبل التأكد من صحتها من مصادرها الموثوقة، والإنسان ليس عليه واجب إقناع الآخرين بها، إنما عليه واجب تقديمها للجميع بأفضل طريقة تساهم في قبولها وهذا يستلزم تعلم آداب الحوار والجدل البناء الجذاب الذي يفتح قلب وعقل الآخر لتقبل المعلومة ولا يغلقهما، وأدنى حس عدواني في طريقة عرض المعلومة مثل الاستهزاء والسخرية والاستعلاء والتحقير والإكراه والهجوم والقدح والاستفزاز يغلق عقل وقلب الآخر عن تقبل المعلومة ويجعله يرسخ أكثر بتخندقه في قناعاته الخاطئة.