حمار قِسمة وبرسيم نصيب
الجمعة / 24 / صفر / 1443 هـ الجمعة 01 أكتوبر 2021 00:07
علي بن محمد الرباعي
خرجت (قسمة) من بطن أمها شمساً ناصعة، لتُذكي دفء يوم ربيعي، وتنامى جسد الفتاة كالنبتة السامقة، المُتطلّعة للسمو، لتجد نفسها وحيدة أبويها، فغدت أثيرة ومؤثرة، وآسرة مرأىً ومخبرا، ولحُسن الحظ لم ينافسها شقيق ولا شقيقة، على نبع العاطفة المتجدد، ولم يقتطع أخ أو أخت شيئاً من نصيبها في الطعام والشراب والتدليل.
ينطلق والدها كل صباح لحراسة الغابة، ومنع التطاول عليها، من محتطبة، أو محتشّة، كونه أشجع رجال القرية، ولشدّته، ومغامرته، يهرب منه حتى الذئب حين يراه، وكثيراً ما استنزل الخشب اليابس من العرعر والقُشاش من فوق رأس صاحبته، ليحمله وهو رايح ويتجمّل به من العريفة، قبل سرد التقرير اليومي، وإبلاغه بالتجاوزات على الحِمى وما يُوجب منها التعزير.
كانت لأبو قِسمة حمارة فارعة، ولكنها لم تدفع، ولم تحبل ولم تلد، إلا بعد أن كبرت قسمة، وغدت صبيّة تحمي الطير، وتتجمل من شبّار الخير، فجاءت الحمارة بفلو أبيض، وكان مصدر سعادة البيت كله عامة، ومورد بهجة لقِسمة بصفة خاصة.
منذ وُلد كُعيّ (قسمة)، وهو محل رعايتها، ومحور اهتمامها، تنزل كل صباح لمربط أمه، وتقوم بتوجيهه للرضاع، وتتولى تشميسه، ومع مرور الأيام غدا ظلاً لها، في الحركة داخل البيت وخارجه، وتسمّى باسمها (حُمار قِسمة) وقل ما يمر يوم دون أن تخرج به إلى أقصى ركيب عثّري، يفصلهم عن القرية المجاورة، ليقعّص براحته، ويتمرغ قدر كفايته، ثم تدخل به الغيل لتروّشه، وتزيل الأتربة عن ظهره وبطنه.
اعتادت أن تصك له وتد في الأرض لتحد من تجاوزه، وحين انشغلت عنه بغرس الريحان جنب البير، وفي ظل هدأة الوادي، بدأ ينتر الصكاك، مرة.. مرتين.. ثلاث، حتى اقتلعه، ولم يتوقف، إلا في برسيم نصيب، الذي ما يلام فيه، ونصيب ابن المزارعين المهرة في قرية مجاورة، كان قضبه يمثّل له مصدر رزق، يصرم خِلفة، ويبيع منه لمربّي الأرانب، والحُمار دكّ القضب، وخالف فيه، ليفزع (نصيب) ويتحمى ويهرّف عليه بفهرة لو ضربت في مضّاغته لأردته قتيلا.
فزعت (قسمة) من تحت الحماطة، وتساءلت، ليش تحذف الحمار يالمنفقع، تملكته دهشة، وانعقد لسانه، وخفق القلب، وكانت ساعة من أبرك الحزّات، ولا تقول إلا راد الله قبل إرادة خلقه أن يجمع رأسين في حَلال.
ما كانت قِسمة تظن يوماً أنها ستخرج من قريتها كونها مِن عِرق مزيون، والمزيون ما يفرّط فيه أهل قريته.
فيما لم تتجاوز طموحات نصيب الاقتران بأقل البنات جمالاً وأضعفهن إمكانات، بحكم أن الله لم يهبه من مواصفات فرسان الأحلام سوى طول سيقانه، وكانت أمه تطمح بتزويجه بنت أختها، لأن حلاة الثوب أن تكون رُقعته منه فيه، ورحم الله مَن عرف قدر نفسه.
منذ دخلت قسمة للقرية وهي حديث الرجال والنساء، إذ قلّ ما اجتمعت أنوثة ونشاط في سيدة مثلها.
ولا يتوقف أبو نصيب عن الدعاء لها بطول حياتها ويتفداها، وأمه؛ تتمنى لو ترزاها الدنيا ولا تغزها الشوكة كونها أعطف عليها من بناتها.
رزقهم الله ذريّة، وكلّما أراد تحريك الشجن، قال «الله يذكر الحمار بخير، ويسقي ساعة نزوله في البرسيم بالسيل»، فيتساءل الأولاد، أيش بالحُمار يا به؟ فيجيب: عارف بيني وبين أمكم، عشان كذيه أنتم مطاليق يا حافظ يا عقايل الله.
ينطلق والدها كل صباح لحراسة الغابة، ومنع التطاول عليها، من محتطبة، أو محتشّة، كونه أشجع رجال القرية، ولشدّته، ومغامرته، يهرب منه حتى الذئب حين يراه، وكثيراً ما استنزل الخشب اليابس من العرعر والقُشاش من فوق رأس صاحبته، ليحمله وهو رايح ويتجمّل به من العريفة، قبل سرد التقرير اليومي، وإبلاغه بالتجاوزات على الحِمى وما يُوجب منها التعزير.
كانت لأبو قِسمة حمارة فارعة، ولكنها لم تدفع، ولم تحبل ولم تلد، إلا بعد أن كبرت قسمة، وغدت صبيّة تحمي الطير، وتتجمل من شبّار الخير، فجاءت الحمارة بفلو أبيض، وكان مصدر سعادة البيت كله عامة، ومورد بهجة لقِسمة بصفة خاصة.
منذ وُلد كُعيّ (قسمة)، وهو محل رعايتها، ومحور اهتمامها، تنزل كل صباح لمربط أمه، وتقوم بتوجيهه للرضاع، وتتولى تشميسه، ومع مرور الأيام غدا ظلاً لها، في الحركة داخل البيت وخارجه، وتسمّى باسمها (حُمار قِسمة) وقل ما يمر يوم دون أن تخرج به إلى أقصى ركيب عثّري، يفصلهم عن القرية المجاورة، ليقعّص براحته، ويتمرغ قدر كفايته، ثم تدخل به الغيل لتروّشه، وتزيل الأتربة عن ظهره وبطنه.
اعتادت أن تصك له وتد في الأرض لتحد من تجاوزه، وحين انشغلت عنه بغرس الريحان جنب البير، وفي ظل هدأة الوادي، بدأ ينتر الصكاك، مرة.. مرتين.. ثلاث، حتى اقتلعه، ولم يتوقف، إلا في برسيم نصيب، الذي ما يلام فيه، ونصيب ابن المزارعين المهرة في قرية مجاورة، كان قضبه يمثّل له مصدر رزق، يصرم خِلفة، ويبيع منه لمربّي الأرانب، والحُمار دكّ القضب، وخالف فيه، ليفزع (نصيب) ويتحمى ويهرّف عليه بفهرة لو ضربت في مضّاغته لأردته قتيلا.
فزعت (قسمة) من تحت الحماطة، وتساءلت، ليش تحذف الحمار يالمنفقع، تملكته دهشة، وانعقد لسانه، وخفق القلب، وكانت ساعة من أبرك الحزّات، ولا تقول إلا راد الله قبل إرادة خلقه أن يجمع رأسين في حَلال.
ما كانت قِسمة تظن يوماً أنها ستخرج من قريتها كونها مِن عِرق مزيون، والمزيون ما يفرّط فيه أهل قريته.
فيما لم تتجاوز طموحات نصيب الاقتران بأقل البنات جمالاً وأضعفهن إمكانات، بحكم أن الله لم يهبه من مواصفات فرسان الأحلام سوى طول سيقانه، وكانت أمه تطمح بتزويجه بنت أختها، لأن حلاة الثوب أن تكون رُقعته منه فيه، ورحم الله مَن عرف قدر نفسه.
منذ دخلت قسمة للقرية وهي حديث الرجال والنساء، إذ قلّ ما اجتمعت أنوثة ونشاط في سيدة مثلها.
ولا يتوقف أبو نصيب عن الدعاء لها بطول حياتها ويتفداها، وأمه؛ تتمنى لو ترزاها الدنيا ولا تغزها الشوكة كونها أعطف عليها من بناتها.
رزقهم الله ذريّة، وكلّما أراد تحريك الشجن، قال «الله يذكر الحمار بخير، ويسقي ساعة نزوله في البرسيم بالسيل»، فيتساءل الأولاد، أيش بالحُمار يا به؟ فيجيب: عارف بيني وبين أمكم، عشان كذيه أنتم مطاليق يا حافظ يا عقايل الله.