آفات الرواية
الجمعة / 24 / صفر / 1443 هـ الجمعة 01 أكتوبر 2021 00:07
أسامة يماني
إن الرواية لا تستطيع أن تعطي لنا وصفاً حقيقياً لحوادث الماضي كما حدثت فعلا، يقول المؤرخ الألماني ليوبولد فون رانكه «لقد ادعى البعض أن التاريخ محكمة الماضي ومدرسة الحاضر لتنتفع به أجيال المستقبل، إن عملي هذا لا يتطلع إلى تحقيق مثل هذه الأهداف السامية إنما يرمي فقط إلى وصف حوادث الماضي كما حدثت فعلا».
إن معرفة التاريخ تتطلب الوصول للوقائع والحوادث كما كانت دون مبالغة أو عواطف أو مؤثرات ولا تستطيع الرواية -مهما صدق قائلها- أن تعطي صورة حقيقية للواقعة التاريخية؛ نظرا لأن الرواية في ذاتها تحمل مكونات معيبة؛ أي أن الرواية حتى لو تحرى قائلها الصدق فإنها ليست شاهدا حقيقيا لما حدث فعلا، وأهم الأسباب التي تجعل الرواية غير قادرة على إيصال الحقيقة:
1ـ اعتماد الرواية على قدرة الراوي المعرفية، أي أن الراوي عندما يكون غير ملم بعلم الجغرافيا مثلا يكون وصفه للمواقع الجغرافية محدودا بقدرته المعرفية. شخص غير ملم مثلا بعلم الآثار ويحاول أن يصف أثرا يظن أنه قديم، وأنه من قرون مضت في حين أن الحقيقة خلاف ذلك.
2ـ أن الرواية دائما إما أن تظهر شيئا أو أن تخفي شيئا، فالراوي الذي يصف غرفة اجتماعات قد يهمل تفاصيل أخرى مهمة مثل ساعات الاجتماع ومكونات المبنى وتفاصيل هندسية عديدة وتفاصيله اجتماعية.
وقد يركز الراوي على تفاصيل أخرى بقصد أو دون قصد انطلاقا من اهتماماته الشخصية ورغبته في إيصال معلومة للمستمع أو المتلقي، مما يؤدي إلى إغفال عناصر ومكونات مهمة.
3ـ أن الرواية تتأثر بالعواطف والمبالغات والانفعالات والأحاسيس والشعور الديني والتعصب، وغير ذلك من مشاعر إنسانية.
4ـ أن الأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية قد تؤثر في الراوي وفي الرواية، يقول ابن خلدون في كتابه المسمى كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر «اعلم أن فن التاريخ فن عزيز المذهب، جم الفوائد، شريف الغاية..... وكثيرا ما وقع للمؤرخين والمفسرين وأئمة النقل المغالط في الحكايات والوقائع، لاعتمادهم فيها على مجرد النقل غثاً أو سميناً لم يعرضوها على أصولها، ولا قاسوها بأشباهها، ولا سبروها بمعيار الحكمة... فضلوا عن الحق وتاهوا في بيداء الوهم والغلط..».
ويقول ابن خلدون «فقد زلت أقدام كثير من المؤرخين الحفاظ في مثل هذه الأحاديث والآراء، وعلقت بأفكارهم ونقلها عنهم الكافة من ضعفت النظر والغفلة عن القياس، وتلقوها هم أيضا كذلك من غير بحث ولا روية واندرجت في محفوظاتهم حتى صار فن التاريخ واهيا مختلطا، وناظره مرتبكا وعد من مناحي العامة... وما استكبر القدماء علم التاريخ إلا لذلك، حتى انتحله الطبري والبخاري وابن إسحاق من قبلهما وأمثالهم من علماء الأمة، وقد ذهل الكثير عن هذا السر حتى صار انتحاله مجهلة».
إن الشك في الرواية أو الخبر لا يعني عدم صدق الرواية أو الخبر، وانتفاء صحتها، لأن الشك وسيلة للتمحيص والتأمل ولمعرفة العناصر الأخرى التي أغفلتها الرواية بقصد أو غير قصد.
وفي ضوء ما سبق نخلص إلى أنه أصبح النظر إلى التراث ومراجعة مسلماته وبديهياته ضرورة ملحة لا بد من القيام بها.
إن معرفة التاريخ تتطلب الوصول للوقائع والحوادث كما كانت دون مبالغة أو عواطف أو مؤثرات ولا تستطيع الرواية -مهما صدق قائلها- أن تعطي صورة حقيقية للواقعة التاريخية؛ نظرا لأن الرواية في ذاتها تحمل مكونات معيبة؛ أي أن الرواية حتى لو تحرى قائلها الصدق فإنها ليست شاهدا حقيقيا لما حدث فعلا، وأهم الأسباب التي تجعل الرواية غير قادرة على إيصال الحقيقة:
1ـ اعتماد الرواية على قدرة الراوي المعرفية، أي أن الراوي عندما يكون غير ملم بعلم الجغرافيا مثلا يكون وصفه للمواقع الجغرافية محدودا بقدرته المعرفية. شخص غير ملم مثلا بعلم الآثار ويحاول أن يصف أثرا يظن أنه قديم، وأنه من قرون مضت في حين أن الحقيقة خلاف ذلك.
2ـ أن الرواية دائما إما أن تظهر شيئا أو أن تخفي شيئا، فالراوي الذي يصف غرفة اجتماعات قد يهمل تفاصيل أخرى مهمة مثل ساعات الاجتماع ومكونات المبنى وتفاصيل هندسية عديدة وتفاصيله اجتماعية.
وقد يركز الراوي على تفاصيل أخرى بقصد أو دون قصد انطلاقا من اهتماماته الشخصية ورغبته في إيصال معلومة للمستمع أو المتلقي، مما يؤدي إلى إغفال عناصر ومكونات مهمة.
3ـ أن الرواية تتأثر بالعواطف والمبالغات والانفعالات والأحاسيس والشعور الديني والتعصب، وغير ذلك من مشاعر إنسانية.
4ـ أن الأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية قد تؤثر في الراوي وفي الرواية، يقول ابن خلدون في كتابه المسمى كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر «اعلم أن فن التاريخ فن عزيز المذهب، جم الفوائد، شريف الغاية..... وكثيرا ما وقع للمؤرخين والمفسرين وأئمة النقل المغالط في الحكايات والوقائع، لاعتمادهم فيها على مجرد النقل غثاً أو سميناً لم يعرضوها على أصولها، ولا قاسوها بأشباهها، ولا سبروها بمعيار الحكمة... فضلوا عن الحق وتاهوا في بيداء الوهم والغلط..».
ويقول ابن خلدون «فقد زلت أقدام كثير من المؤرخين الحفاظ في مثل هذه الأحاديث والآراء، وعلقت بأفكارهم ونقلها عنهم الكافة من ضعفت النظر والغفلة عن القياس، وتلقوها هم أيضا كذلك من غير بحث ولا روية واندرجت في محفوظاتهم حتى صار فن التاريخ واهيا مختلطا، وناظره مرتبكا وعد من مناحي العامة... وما استكبر القدماء علم التاريخ إلا لذلك، حتى انتحله الطبري والبخاري وابن إسحاق من قبلهما وأمثالهم من علماء الأمة، وقد ذهل الكثير عن هذا السر حتى صار انتحاله مجهلة».
إن الشك في الرواية أو الخبر لا يعني عدم صدق الرواية أو الخبر، وانتفاء صحتها، لأن الشك وسيلة للتمحيص والتأمل ولمعرفة العناصر الأخرى التي أغفلتها الرواية بقصد أو غير قصد.
وفي ضوء ما سبق نخلص إلى أنه أصبح النظر إلى التراث ومراجعة مسلماته وبديهياته ضرورة ملحة لا بد من القيام بها.