كتاب ومقالات

جامعة الجوف للآثار

عبداللطيف الضويحي

من أين تبدأ الجامعة ومن يضع أهدافها ومن يرسم إستراتيجيتها؟ وهل هناك ما يمنع الجامعة من أن تتناغم مع محيطها ومجتمعها وبيئتها ومنطقتها في وضع أهدافها وإستراتيجيتها؟ وإلى ماذا تستند الجامعة التي تعزل نفسها عن محيطها ومجتمعها وبيئتها في كل ذلك؟ خاصة مع التوجه الرسمي الجديد للجامعات القائم على استقلال الجامعات ماليا وإداريا والذي بدأ بإعلان ثلاث جامعات لتكون ضمن الجامعات التي يُطبق عليها نظام الجامعات الجديد، وهي جامعة الملك سعود، جامعة الملك عبدالعزيز، وجامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل، بما يحقق رؤية ولي العهد في التمكين والتميّز والجودة والتطوير المستمر وتنمية وتطوير الموارد الذاتية.

لا يكاد يمر موسم أو اثنان، إلا ويزف لنا فريق عالمي اكتشافا أثريا لموقع تاريخي أو ديني أو نحتا ونقشا أو معلما حجريا من العصر النبطي أو الآشوري أو الروماني أو البيزنطي في منطقة الجوف أو المناطق المجاورة لها، بعض تلك الاكتشافات تكسر الرقم الزمني المسجل قبلها من اكتشافات، من تلك الاكتشافات ما أفصحت عنه دراسة عالمية بأن موقع الجمل في منطقة الجوف من أقدم المواقع في العالم لنحت الحيوانات المجسمة بالحجم الطبيعي، حسبما أوردته وكالة الأنباء السعودية (واس). الدراسة التي نشرتها مجلة علوم الآثار، أظهرت نتائج علمية تقول بأنها جديدة حول تاريخ موقع الجمل، حيث تضم 21 نحتاً مجسماً، منها 17 نحتاً مجسماً لجِمال، واثنان من فصيلة الخيليات، ونحت آخر لم تتضح هويته. وتشير النتائج إلى أن الموقع يعود لفترة العصر الحجري الحديث ما بين 5200 - 5600 سنة قبل الميلاد. وقد أظهرت نتائج الدراسة ثلاث مراحل زمنية لهذا الموقع ما بين «تنفيذ أعمال النحت، وغياب البشر وهجر الموقع، ثم مرحلة بدء تضرر المجسمات المنحوتة وتساقط بعض أجزائها بفعل العوامل الطبيعية»، ناهيك عن اكتشافات الأهالي في الجوف لقطع أثرية ومواقع ومنحوتات أثرية، يعثرون عليها أو يصادفونها في مزارعهم وممتلكاتهم بشكل مستمر.

في 29/‏6/‏2021 كتبت في جريدة عكاظ مقالا بعنوان «13 منطقة إدارية و13 هوية اقتصادية»، وفيه ضرورة أن تكون الجامعة في كل منطقة هي قطب الرحى للتنمية والاستثمار في كل منطقة.

نصيحتي إلى المسؤولين في جامعة الجوف وإلى قياداتها الإدارية: إذا لم تنجح بأن تكون جزءا ممن هم حولك ومما هو حولك، فحاول أن تشرك من حولك بصناعة أهدافك ورسم سياستك ووضع إستراتيجيتك، فمن المؤكد أنك ستضع حينئذ يدك على كنز ثمين. فالقيادي يختلف عن الإداري بأنه يرى أبعد من العمل اليومي، وأشمل مما هو داخل أسوار الجامعة، وأعظم بكثير من أعداد الدارسين والخريجين. وعندئذ ستجدون أن منطقة مثل منطقة الجوف هي كنز وهبةٌ عظيمة إلى جامعة الجوف، لو تم اكتشاف الخلل وردم الهوة بين جامعة الجوف ومنطقة الجوف. وستجدون أن أقل ما يمكن القيام به والعمل عليه هو إحداث قسم للآثار في جامعة الجوف وقسم آخر للزراعة. فأنا لا أفهم ولا أصدق أن تكون في الجوف جامعة ولا يكون أحد أقسامها قسما للآثار وآخر للزراعة. وإلا ما معنى الرؤية؟ وما معنى التوجه لاستقلال الجامعات ماليا وإداريا، وما معنى الميزة النسبية لكل جامعة؟ وما معنى الجامعات المتخصصة؟ وما معنى الهوية الاقتصادية؟ إلى مقال قادم يكون فيه الحديث عن اكتشاف أثري جديد في المنطقة وفي المملكة ككل على يد فريق عالمي بينهم علماء وخبراء آثار من جامعة الجوف، لست أدعو لعنوان المقال البتة، لكني أقرع جرسا لإنصاف أحد أهم كنوز المنطقة والمملكة، خاصة أن الآثار لم تعد مقفلة ومسيجة بسياج، فقد أصبحت واحدة من محركات السياحة والثقافة على امتداد الأكاديميات والثقافة والسياحة.