التحرش.. قراءة اجتماعية
الخميس / 01 / ربيع الأول / 1443 هـ الخميس 07 أكتوبر 2021 00:01
أريج الجهني
«في قبضة رجال الأمن»، هذه النغمة الوطنية التي تنتهي معها قصص التحرش في كل مرة والتي ترسل رسالة واضحة وصريحة لكل من تسول لهم أنفسهم الاعتداء على الحرمات. التحرش جريمة، وبحسب ما أوضحت وصفها النيابة العامة «هي كل قول أو فعل أو إشارة ذات مدلول جنسي، تصدر من شخص تجاه أي شخص آخر، تمس جسده أو عرضه أو تخدش حياءه بأي وسيلة كانت بما في ذلك وسائل التقنية الحديثة»، وقد أوضحت أن العقوبات تكون بالسجن لمدة تصل إلى خمس سنوات وغرامة مالية تصل إلى ثلاثمائة ألف ريال. وبلا شك فإن التحرش جريمة ليست حالة مرتبطة بجنسية محددة أو بشعب دون آخر؛ بل هي سلوكيات قد تكون كامنة في كثير من الأحيان وتظهر متى ما وجدت الفرصة، ويجد البعض من المتحرشين أن الاحتفالات وأوقات الفرح متنفس لبث هذا الخلل والاعتلال والذي يستدعي برأيي تفعيل العمل المؤسساتي عبر إيجاد أقسام خاصة بالشرط للدراسات النفسية والاجتماعية والأسرية مرتبطة بمديرية الدراسات والإعلام والاتصال في وزارة الداخلية، أو إنشاء مديرية الأمن الاجتماعي والنفسي، للوقوف عند طبيعة وأبعاد القضايا الاجتماعية لتقديم حلول ناجعة لها.
أتصور أن التحرش كفعل غير أخلاقي هو امتداد للتنمر؛ كيف؟ فالتنمر كمنظومة وبحسب بعض التصنيفات العالمية تتخذ سبعة أشكال أساسية وهي: المضايقات الجسدية (العنف والضرب)، المضايقات الشخصية (التنمر المباشر بالأفعال والأقوال)، المضايقات التمييزية (احتقار المرأة أو عرق معين)، المضايقات النفسية (الإهانة والتخويف)، التنمر الإلكتروني (الابتزاز)، التحرش الجنسي (اللفظي، الجسدي، المعنوي)، وأخيراً المتحرشون من خارج المنظمة أو المحيط وهم الأخطر، فالطرف الثالث بالغالب يكون شخصاً صاحب سلطة قد ينهي مسيرة شخص داخل المنظمة في حال عدم رضوخه لنزواته.
إن اختزال التحرش بإطار عشوائي يزيد من تفاقم المشكلة؛ والحل هو وضع خطط علاجية وخطط بحثية؛ ولم أكن متفاجئة بعدم وجود أي دراسات اجتماعية في السياق السعودي إلا بعدد محدود وتقريباً يكاد ينحصر في القطاع الصحي بحكم الأسبقية بالاختلاط، بل وجدت بحثاً منشوراً باللغة الأجنبية يتحدث عن أرقام أشك في صحتها عن عدد التحرش بالممرضات الأجنبيات والذي جعل الباحث يصنف هذا السلوك بأنه أشبه بالظاهرة. وكما يقال (حينما تصمت عن واقعك ستجد من يتحدث عنه)، وغالباً ما تكون الدراسات الاجتماعية من خارج المملكة ذات أجندات معادية ولا تفيد صنّاع القرار في اتخاذ المزيد من الإجراءات حيال المشكلات.
أعتقد أن الأمر الأخطر في قضايا التحرش هو خلق بيئة عدائية، بالتالي نظل ندور في طوق التنمر؛ تحدثت كثيراً عن خطورة الصمت عن التنمر بين المراهقين، ولعل كورونا خففت حدة العنف قسرياً لكن بقي العنف الإلكتروني والذي يمتلئ بالألفاظ الجنسية الخادشة للحياء والتي تكثر وبشدة بين مناكفات مشجعي الفرق الرياضية في تويتر، وهي أيضاً (تحرش لفظي) و(تحرش جماعي). إذاً حتى نفسر المشكلة لا بد أن نفهم جذرها الاجتماعي، ولا أعتقد أننا جادون في هذا بصراحة، فمراكز الأبحاث المهتمة بالشأن الاجتماعي شبه معدومة رغم الحاجة الأمنية الماسة لها.
بكل حال يجب أن نفسر سلوك المتحرش بشكل منفرد وسلوك التحرش الجمعي؛ وأيضاً تأثير التعليم والجنس والوضع المادي. متغيرات كثيرة لا يمكن إغفالها. إن تمكين الباحثين الاجتماعيين من ممارسة دورهم هو المحك. نعم احتفلنا جميعاً في اليوم الوطني وخروج حالات شاذة لا يعني أن نوقف الاحتفالات، بل أجد أنها فرصة لردعهم ودراسة سلوكهم، بل جيد لو تم فرز هؤلاء المتحرشين وتسجيل دوافعهم وتحليلها ومعالجتها.
أضف لذلك سيكون أمراً رائعاً أن تتكاتف الاهتمامات للخروج بالمزيد من التوصيات الإيجابية للمواسم الاحتفالية المقبلة كنشر عبارات توعوية أو حتى صناعة مواد لتوجيه السلوك بما يليق بقيمة الحدث.
لا أعتقد أنه تنقصنا العقول ولا تنقصنا الميزانيات، كل ما نحتاجه هو أن ننطلق من ثلاثة محكات أساسية في علاج ملف التحرش؛ المحك الأول هو محك الصحة النفسية (الاضطراب والعلاج)، الثاني محك الحالة الاجتماعية (الإنكار والوعي)؛ وأخيراً المحك القانوني (الجريمة والعقاب)، تحت مظلة وزارة الداخلية.
نعم نحن مجتمع متعلم ولا ينقصنا شيء لبناء إطار وطني رصين في دفع العنف، خاصة مع الوعي المتزايد بالمفاهيم والحاجة إلى ترسية مفاهيم النوع الاجتماعي وحقوق الإنسان، وهي المقومات الأساسية ضد التحرش الجنسي سواء في الاحتفالات أو حتى في مكان العمل. حضور المرأة في عصرها الذهبي قد جعل البعض من الذكور يفقد سيطرته وغضبه الكامن لشعوره بانهيار تفوقه، فتراه لا يتردد بالإيذاء والتحرش، الوجه الأقبح في التنمر، بل الأكثر ضرراً للمدى البعيد. وقد شاهدنا كيف انطلقت الكثير من الأصوات التي تبرر (تستاهل عشان لبسها) والكثير من العبارات الاجتماعية التي لا يسعها هذا المقال بل تحتاج ورقة علمية مستقلة لتحليلها.
أخيراً؛ فإن الرفاه الأمني الذي نحيا به بفضل الله كفيل بقمع كل مجرم وكل من تسول له نفسه بالتعدي، لكن بالتأكيد أن الاستزادة بالعلم هي الأهم، وهي الوسيلة الوحيدة الأضمن لدعم القرارات بعيداً عن أفواه الشعبوية أو طمع الفاشلين.
أتصور أن التحرش كفعل غير أخلاقي هو امتداد للتنمر؛ كيف؟ فالتنمر كمنظومة وبحسب بعض التصنيفات العالمية تتخذ سبعة أشكال أساسية وهي: المضايقات الجسدية (العنف والضرب)، المضايقات الشخصية (التنمر المباشر بالأفعال والأقوال)، المضايقات التمييزية (احتقار المرأة أو عرق معين)، المضايقات النفسية (الإهانة والتخويف)، التنمر الإلكتروني (الابتزاز)، التحرش الجنسي (اللفظي، الجسدي، المعنوي)، وأخيراً المتحرشون من خارج المنظمة أو المحيط وهم الأخطر، فالطرف الثالث بالغالب يكون شخصاً صاحب سلطة قد ينهي مسيرة شخص داخل المنظمة في حال عدم رضوخه لنزواته.
إن اختزال التحرش بإطار عشوائي يزيد من تفاقم المشكلة؛ والحل هو وضع خطط علاجية وخطط بحثية؛ ولم أكن متفاجئة بعدم وجود أي دراسات اجتماعية في السياق السعودي إلا بعدد محدود وتقريباً يكاد ينحصر في القطاع الصحي بحكم الأسبقية بالاختلاط، بل وجدت بحثاً منشوراً باللغة الأجنبية يتحدث عن أرقام أشك في صحتها عن عدد التحرش بالممرضات الأجنبيات والذي جعل الباحث يصنف هذا السلوك بأنه أشبه بالظاهرة. وكما يقال (حينما تصمت عن واقعك ستجد من يتحدث عنه)، وغالباً ما تكون الدراسات الاجتماعية من خارج المملكة ذات أجندات معادية ولا تفيد صنّاع القرار في اتخاذ المزيد من الإجراءات حيال المشكلات.
أعتقد أن الأمر الأخطر في قضايا التحرش هو خلق بيئة عدائية، بالتالي نظل ندور في طوق التنمر؛ تحدثت كثيراً عن خطورة الصمت عن التنمر بين المراهقين، ولعل كورونا خففت حدة العنف قسرياً لكن بقي العنف الإلكتروني والذي يمتلئ بالألفاظ الجنسية الخادشة للحياء والتي تكثر وبشدة بين مناكفات مشجعي الفرق الرياضية في تويتر، وهي أيضاً (تحرش لفظي) و(تحرش جماعي). إذاً حتى نفسر المشكلة لا بد أن نفهم جذرها الاجتماعي، ولا أعتقد أننا جادون في هذا بصراحة، فمراكز الأبحاث المهتمة بالشأن الاجتماعي شبه معدومة رغم الحاجة الأمنية الماسة لها.
بكل حال يجب أن نفسر سلوك المتحرش بشكل منفرد وسلوك التحرش الجمعي؛ وأيضاً تأثير التعليم والجنس والوضع المادي. متغيرات كثيرة لا يمكن إغفالها. إن تمكين الباحثين الاجتماعيين من ممارسة دورهم هو المحك. نعم احتفلنا جميعاً في اليوم الوطني وخروج حالات شاذة لا يعني أن نوقف الاحتفالات، بل أجد أنها فرصة لردعهم ودراسة سلوكهم، بل جيد لو تم فرز هؤلاء المتحرشين وتسجيل دوافعهم وتحليلها ومعالجتها.
أضف لذلك سيكون أمراً رائعاً أن تتكاتف الاهتمامات للخروج بالمزيد من التوصيات الإيجابية للمواسم الاحتفالية المقبلة كنشر عبارات توعوية أو حتى صناعة مواد لتوجيه السلوك بما يليق بقيمة الحدث.
لا أعتقد أنه تنقصنا العقول ولا تنقصنا الميزانيات، كل ما نحتاجه هو أن ننطلق من ثلاثة محكات أساسية في علاج ملف التحرش؛ المحك الأول هو محك الصحة النفسية (الاضطراب والعلاج)، الثاني محك الحالة الاجتماعية (الإنكار والوعي)؛ وأخيراً المحك القانوني (الجريمة والعقاب)، تحت مظلة وزارة الداخلية.
نعم نحن مجتمع متعلم ولا ينقصنا شيء لبناء إطار وطني رصين في دفع العنف، خاصة مع الوعي المتزايد بالمفاهيم والحاجة إلى ترسية مفاهيم النوع الاجتماعي وحقوق الإنسان، وهي المقومات الأساسية ضد التحرش الجنسي سواء في الاحتفالات أو حتى في مكان العمل. حضور المرأة في عصرها الذهبي قد جعل البعض من الذكور يفقد سيطرته وغضبه الكامن لشعوره بانهيار تفوقه، فتراه لا يتردد بالإيذاء والتحرش، الوجه الأقبح في التنمر، بل الأكثر ضرراً للمدى البعيد. وقد شاهدنا كيف انطلقت الكثير من الأصوات التي تبرر (تستاهل عشان لبسها) والكثير من العبارات الاجتماعية التي لا يسعها هذا المقال بل تحتاج ورقة علمية مستقلة لتحليلها.
أخيراً؛ فإن الرفاه الأمني الذي نحيا به بفضل الله كفيل بقمع كل مجرم وكل من تسول له نفسه بالتعدي، لكن بالتأكيد أن الاستزادة بالعلم هي الأهم، وهي الوسيلة الوحيدة الأضمن لدعم القرارات بعيداً عن أفواه الشعبوية أو طمع الفاشلين.