منصور بن عبدالعزيز.. ثاني الراحلين من أبناء الملك المؤسس
الأحد / 02 / ربيع الثاني / 1443 هـ الاحد 07 نوفمبر 2021 02:11
بقلم: د. عبدالله المدني abu_taymour@
من بين أبناء الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود مؤسس المملكة العربية السعودية وموحد الجزيرة العربية طيب الله ثراه، لم يُكتب كثيرا عن ابن جلالته الثامن من الذكور صاحب السمو الملكي الأمير منصور بن عبدالعزيز رحمه الله. فعدا عن كتاب يتيم أصدره في عام 1947 الأديب والشاعر ومؤسس صحيفة «عكاظ» السعودية المرحوم أحمد عبدالغفور عطار (ت: 1991) تحت عنوان «الأمير منصور بن عبدالعزيز آل سعود وزير دفاع المملكة العربية السعودية» لا نجد سوى مقالات وأخبار متفرقة وترجمات قصيرة مثل الترجمة القصيرة التي كتبها الشاعر والمؤرخ والسفير خيرالدين الزركلي (ت: 1976) في كتابه «الأعلام». وعليه فإن هذه المادة الصحفية ليست سوى محاولة متواضعة من كاتب هذه السطور لسد النقص وتسليط الضوء على حياة الأمير القصيرة لكن الحافلة بخدمات كثيرة لوطنه، خصوصا أن اسم سموه ملتصق بذاكرة الكاتب كونه عاش ونشأ وأمضى طفولته وصباه بمنزل يقع في نطاق «شارع الأمير منصور» بمدينة الخبر.
أول من رحل من أبناء الملك عبدالعزيز كان ابنه البكر الأمير تركي الأول بن عبدالعزيز الذي ولد في الكويت سنة 1896 وتوفي في الرياض في عام 1919 عن عمر ناهز الثالثة والعشرين بسبب إصابته بالإنفلونزا الإسبانية التي حصدت أرواح الكثيرين من أبناء نجد آنذاك، وثالث من رحل مبكرا من أنجال جلالته كان ابنه السابع والعشرون الأمير ثامر بن عبدالعزيز المولود في الرياض في عام 1938 الذي توفي على إثر حادث مروري بمدينة سان فرانسيسكو الأمريكية في السابع والعشرين من يونيو 1958. أما ثاني أبناء جلالته من الذين انتقلوا إلى جوار ربهم مبكرا فهو الأمير منصور المولود في الرياض في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني سنة 1918 (وقيل في رواية أخرى أنه من مواليد عام 1920) والذي سافر في الثاني من مايو/أيار عام 1951 بمعية أخويه الأمير فيصل والأمير خالد (الملكين لاحقا) إلى فرنسا للعلاج من مرض عضال أصابه، لكنه فارق الحياة بمجرد وصوله إلى مطار باريس، فنقل جثمانه رحمه الله إلى مكة المكرمة حيث صلي عليه في المسجد الحرام وووري الثرى بمقبرة العدل.
وزير الدفاع
كان الأمير منصور وقت وفاته يشغل منصب وزير الدفاع، علماً أن وزارة الدفاع السعودية تأسست بموجب مرسوم ملكي في العاشر من نوفمبر/ تشرين الثاني 1943، حيث قضى المرسوم بإلغاء وكالة الدفاع التي كانت قد أنشئت في عام 1933 وعهدت مسؤولياتها إلى الشيخ عبدالله السليمان الحمدان (ت: 1965) كوكيل للدفاع يساعده العميد حسن تحسين العسكري. كما قضى المرسوم بتعيين الأمير منصور وزيرا للدفاع ومفتشا عاما للأمور العسكرية. وبهذا فإن وزارة الدفاع هي ثالث أقدم وزارة في السعودية من بعد وزارة الخارجية التي تأسست عام 1930، ووزارة المالية التي تأسست عام 1932. وقد تولى حمل حقيبة ومسؤوليات وزارة الدفاع مذاك وحتى الآن سبعة وزراء على النحو المتسلسل التالي: الأمير منصور(من 1943 إلى 1951)، فشقيقه الأمير مشعل بن عبدالعزيز (من 1951 إلى 1956)، فالأمير فهد بن سعود بن عبدالعزيز (من 1956 إلى 1960)، فالأمير محمد بن سعود بن عبدالعزيز (من 1960 إلى 1962)، فالأمير سلطان بن عبدالعزيز (من 1962 إلى 2011)، فالأمير (الملك) سلمان بن عبدالعزيز (من 2011 إلى 2015)، فولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز (من 2015 إلى الآن).
زيارة الإسكندرية
حينما أسندت حقيبة الدفاع إلى الأمير منصور، كانت هناك حاجة ماسة للاستفادة من تجارب الدول الأخرى في المجال العسكري بتفرعاته المختلفة، وبناء القدرات الدفاعية على أسس علمية حديثة، خصوصا أن فكرة تكوين جيش نظامي ذي ولاء للدولة السعودية الناشئة لم تلد إلا في عام 1926 أي بعد ضم الحجاز بسنة واحدة، وذلك حينما ظهرت الحاجة إلى تكوين جيش نظامي حديث يذود عن حمى حدود البلاد المترامية الأطراف ويسهر على سيادتها واستقرارها. ولهذا السبب استهل الأمير منصور عمله الوزاري بالقيام بزيارة رسمية إلى المملكة المصرية في عام 1943 للاطلاع عن كثب على عمل وزارة الدفاع المصرية وأقسامها وأسلحتها وتنظيمها من حيث التجنيد والتدريب والرتب والأفرع والمهام المتنوعة.
خلال تلك الزيارة غير المسبوقة انتهز الأمير الزائر الفرصة فزار ميناء الإسكندرية برفقة السفير السعودي بمصر آنذاك الشيخ العقيلي «فوزان بن عثمان بن فوزان السابق» (ت: 1954) لتفقد قطعات الأسطول الملكي البريطاني العامل في البحر الأبيض المتوسط، الذي كانت قيادته قد انتقلت في عام 1930 من مالطا إلى الإسكندرية. ومن الإسكندرية انتقل سموه إلى العلمين وجبهات القتال قرب مرسى مطروح حيث تفقد الدبابات والطائرات والعربات المدرعة والأسلحة الألمانية الأخرى التي غنمتها قوات الحلفاء في معركة العلمين الثانية التي دارت رحاها قبل عام من ذلك التاريخ تقريبا.
تأسيس الثكنات العسكرية
في أعقاب عودته إلى بلاده شرع الأمير الشاب في بناء الجيش السعودي على أسس علمية وخطط تطويرية حديثة، بدعم من والده الذي كان يثق في قدراته العسكرية والإدارية ونجابته وذكائه وحماسه، ومستعينا في ذلك بالكوادر العسكرية الحجازية التي عملت في ظل الحكم الهاشمي وأعلنت ولاءها المطلق للحكم السعودي الجديد. وهكذا شهدت وزارة الدفاع في عهده تأسيس الثكنات العسكرية في كل من نجد والحجاز وعسير، وتزويد الجيش بالأسلحة الحديثة ومنها المسدسات فرنسية الصنع من نوع MAP التي تعتبر من أفضل المسدسات وأجملها وأطولها عمرا إذا تمّت صيانتها بانتظام. واستقطاب الآلاف للعمل في المرافق العسكرية حتى وصل عددهم في غضون سنتين إلى عشرين ألف عنصر. علاوة على ذلك، قام سموه، بالاشتراك مع وزارة المالية التي كان يقودها آنذاك الشيخ عبدالله السليمان الحمدان، بوضع نظام للمكافآت والرواتب والإجازات لمنسوبي القوات المسلحة. هذا ناهيك عن ابتعاث العديد من أفراد الجيش إلى الخارج للدراسة والتأهيل ولا سيما دراسة الطيران في كلية الحرب بمدينة كاسيرتا الإيطالية Caserta (تخرجت منها في محرم عام 1355 للهجرة الموافق أبريل 1936 أول دفعة من نسور الجو السعوديين ممن تشرفوا في العام نفسه بمقابلة الملك عبدالعزيز الذي حياهم بعبارة «أهلا بنسورنا». وضمت الدفعة عشرة طيارين مقاتلين هم: صالح عالم وسعيد بخش وعبدالله منديلي وضياء الدين الحكيم وعبدالقادر بصراوي وكامل حلمي وأمين شاكر وحمزة طرابزوني وصدقة طرابزوني وصالح الخطيب).
الخدمة العسكرية
والحقيقة أن من يعود إلى تاريخ الجيش السعودي يجد أن مفهوم الخدمة العسكرية كان موجودا قبل تأسيس وزارة الدفاع. فعلى مدى أكثر من ثلاثين عاما شارك أبناء البلاد في معارك وحروب على أكثر من جبهة كان من ثمارها توحيد معظم أرجاء شبه الجزيرة العربية في دولة واحدة تحت قيادة الملك عبدالعزيز رحمه الله. وبطبيعة الحال كانت الشؤون العسكرية والقتالية في تلك الفترة غير منظمة في هياكل إدارية وقطاعات عسكرية متخصصة، بل كان التسليح والعتاد ضعيفا وبدائيا، والأزياء العسكرية غير موحدة. ومن هنا فإن وزارة الدفاع بقيادة الأمير منصور قامت بجهد جبار من أجل سد كل نقص.
مشاركة الجيش السعودي في حرب 48
شهدت فترة قيادة الأمير منصور لوزارة الدفاع أولى مشاركات الجيش العربي السعودي في معارك خارج الحدود، ونعني بذلك مشاركته في حرب فلسطين سنة 1948 بست سرايا مسلحة مكونة من 3200 عنصر بقيادة القائم مقام سعيد بن عبدالله كردي (ت: 1964) ونائبه القائد عبدالله بن نامي الغيثي الشمري. حيث باشرت هذه القوة القتال جنبا إلى جنب مع القوات المصرية، بدءا من يوم 25 مايو/ أيار 1948 أي في اليوم العاشر من اندلاع الحرب، وذلك تنفيذا لأوامر الملك عبدالعزيز وانطلاقا من واجبها العسكري وإيمانها الديني. وعلى الرغم من أن الجيش السعودي كان وقتذاك حديث التأسيس ومتواضع الإمكانات، إلا أنه أبلى بلاء حسنا بشهادة ضباط الجيش المصري، ودليلنا هو ما أورده الباحث السعودي محمد بن ناصر الأسمري في كتابه الموسوم بـ «الجيش السعودي في حرب فلسطين 1948» من أن القائد العام للقوات المصرية في حرب فلسطين اللواء أركان حرب أحمد علي المواوي رفع مذكرة (لا تزال محفوظة في «دار الوثائق المصرية») إلى رؤسائه تشيد ببسالة وشجاعة المشاركين السعوديين، بل تطالب بتكريمهم قائلا: «أرى أنه من باب المجاملة للدولة الوحيدة التي اشتركت معنا اشتراكا واقعيا بجيشها أن نكافئ رجالها الذين اشتركوا وامتازوا في الميدان أسوة برجالنا».
قاوم الضغوط المعيقة لتأسيس فرقة موسيقية للجيش
ومما يُذكر عن الأمير منصور أنه كان منفتح الفكر وصاحب اطلاع على متغيرات عصره، بدليل أنه قاوم كل الضغوط المعيقة لتأسيس فرقة موسيقية للجيش، في زمن كانت فيه الموسيقى من المحظورات. ومن آيات ذلك أنه حينما سمع بجمال صوت وأداء أحد ضباطه المتخرجين عام 1942 من الكلية الحربية بالطائف، وهو ضابط سلاح المدفعية طارق عبدالحكيم، استدعاه إلى مكتبه وطلب منه غناء ما عنده، وحينما تأكد من مواهبه كلفه بتكوين فرقة موسيقية للجيش. ولكي يضمن الأمير تأسيس الفرقة على أساس صلب ومتين، أوفد طارق عبدالحكيم إلى مصر لهذه الغاية في عام 1952. والمعروف أن عبدالحكيم سافر فعلا إلى مصر ودرس الموسيقى أكاديميا في معاهدها وحينما عاد أسس الفرق الموسيقية التابعة ليس للجيش وحده وإنما أيضا للشرطة والحرس الملكي.
وعن هذه الواقعة تحدث عبدالحكيم في حوارات صحفية وتلفزيونية عن رقي أخلاق الأمير منصور حينما قابله واستمع منه، وكيف أنه شجعه على السفر إلى مصر قائلا: «أنت روح واغتنم الفرصة وادرس موسيقى مصر، وتعال أسس لنا موسيقى الجيش لأنك في يوم من الأيام راح تنحال على التقاعد ومش راح تبيع مدافع.. راح تبيع موسيقى ويكون لك شأن في البلد إن شاء الله».
حاضراً في المناسبات الاجتماعية
ولد الأمير منصور بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن تركي الفيصل آل سعود بمدينة الرياض في 27 ربيع الأول سنة 1337 للهجرة الموافق للأول من نوفمبر/تشرين الثاني 1918، ابنا أول لوالدته التي أنجبت بعده في عام 1926 شقيقيه الأمير مشعل بن عبدالعزيز (ت: 2017)، ثم في عام 1931 شقيقه الآخر الأمير متعب بن عبدالعزيز (ت: 2019)، فشقيقتهم الأميرة قماشة بنت عبدالعزيز (ت:2011). أما دراسته فقد كانت أولا على يد مشايخ أوكل لهم والده تدريسه القراءة والكتابة والحساب والتوحيد والتفسير والقرآن الكريم، ومنهم: الشيخ محمد السناري والشيخ الحسناوي والشيخ صالح الهلالي، قبل أن ينتقل إلى مكة المكرمة للدراسة في المعهد العلمي. وحينما اشتد عوده وكبر أشركه والده في معارك توحيد الجزيرة العربية، ومنها معركة جازان سنة 1931، كما أشركه ضمن المرافقين له في لقاءيه التاريخيين مع الزعيم البريطاني ونستون تشرتشل والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت اللذين عقدا في البحيرات المرة في فبراير/كانون الثاني 1945، فكان شاهدا على هاتين القمتين اللتين أسستا لعلاقات استراتيجية بين السعودية وكل من الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى. وهناك العديد من الصور الفوتوغرافية التي تؤكد أن الأمير منصور كان حاضرا ومرافقا لأخيه الملك سعود وبقية أخوته الأمراء في مناسبات مهمة مثل افتتاح مجلس الشورى القديم بمكة المكرمة في الأربعينات الميلادية، ومثل مناسبة تدشين الرحلة التجريبية للخط الحديدي الرابط بين العاصمة الرياض وميناء الدمام في أوائل سنة 1951، الذي بدأ العمل فيه في أكتوبر/تشرين الأول عام 1947.
ترك الأمير منصور رحمه الله وراءه وقت وفاته ابنته الأميرة موضي، وابنه البكر الأمير طلال بن منصور الذي كان قد أبصر النور قبل ذلك التاريخ بسنتين تقريبا في مكة المكرمة، فتولت والدته الأميرة حصة بنت محمد الشهري (ت: 2014) تنشئته ورعايته بمدينة الطائف وتهيئته للدراسة في مدارس الأمراء (الثغر لاحقا)، قبل أن ينتقل إلى جدة لمواصلة تعليمه النظامي هناك والذي انتهى بسفره إلى الولايات المتحدة للتخصص في إدارة الأعمال. والمعروف أن الأمير طلال، الذي يعتبر اليوم من رجال الأعمال والمستثمرين في المجال الطبي العام، ترأس إدارة نادي الاتحاد الرياضي بجدة مرتين: الأولى من عام 1974 إلى عام 1981، والثانية من عام 1983 إلى عام 1985. والجدير بالذكر أنه خلال فترة رئاسته الأولى لعميد الأندية السعودية أطلق على سموه لقب «عراب ومنقذ» النادي لأنه تولى إنقاذه من ديونه المتراكمة ومشاكله الإدارية والفنية الكثيرة، ما مهد عودته إلى منصات التتويج. وظل الأمير، حتى بعد خروجه من الإدارة بسبب ظروفه الصحية، وفيّاً للنادي.. يتابع شؤونه عن كثب ويقدم الدعم والنصيحة والمؤازرة.
أول من رحل من أبناء الملك عبدالعزيز كان ابنه البكر الأمير تركي الأول بن عبدالعزيز الذي ولد في الكويت سنة 1896 وتوفي في الرياض في عام 1919 عن عمر ناهز الثالثة والعشرين بسبب إصابته بالإنفلونزا الإسبانية التي حصدت أرواح الكثيرين من أبناء نجد آنذاك، وثالث من رحل مبكرا من أنجال جلالته كان ابنه السابع والعشرون الأمير ثامر بن عبدالعزيز المولود في الرياض في عام 1938 الذي توفي على إثر حادث مروري بمدينة سان فرانسيسكو الأمريكية في السابع والعشرين من يونيو 1958. أما ثاني أبناء جلالته من الذين انتقلوا إلى جوار ربهم مبكرا فهو الأمير منصور المولود في الرياض في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني سنة 1918 (وقيل في رواية أخرى أنه من مواليد عام 1920) والذي سافر في الثاني من مايو/أيار عام 1951 بمعية أخويه الأمير فيصل والأمير خالد (الملكين لاحقا) إلى فرنسا للعلاج من مرض عضال أصابه، لكنه فارق الحياة بمجرد وصوله إلى مطار باريس، فنقل جثمانه رحمه الله إلى مكة المكرمة حيث صلي عليه في المسجد الحرام وووري الثرى بمقبرة العدل.
وزير الدفاع
كان الأمير منصور وقت وفاته يشغل منصب وزير الدفاع، علماً أن وزارة الدفاع السعودية تأسست بموجب مرسوم ملكي في العاشر من نوفمبر/ تشرين الثاني 1943، حيث قضى المرسوم بإلغاء وكالة الدفاع التي كانت قد أنشئت في عام 1933 وعهدت مسؤولياتها إلى الشيخ عبدالله السليمان الحمدان (ت: 1965) كوكيل للدفاع يساعده العميد حسن تحسين العسكري. كما قضى المرسوم بتعيين الأمير منصور وزيرا للدفاع ومفتشا عاما للأمور العسكرية. وبهذا فإن وزارة الدفاع هي ثالث أقدم وزارة في السعودية من بعد وزارة الخارجية التي تأسست عام 1930، ووزارة المالية التي تأسست عام 1932. وقد تولى حمل حقيبة ومسؤوليات وزارة الدفاع مذاك وحتى الآن سبعة وزراء على النحو المتسلسل التالي: الأمير منصور(من 1943 إلى 1951)، فشقيقه الأمير مشعل بن عبدالعزيز (من 1951 إلى 1956)، فالأمير فهد بن سعود بن عبدالعزيز (من 1956 إلى 1960)، فالأمير محمد بن سعود بن عبدالعزيز (من 1960 إلى 1962)، فالأمير سلطان بن عبدالعزيز (من 1962 إلى 2011)، فالأمير (الملك) سلمان بن عبدالعزيز (من 2011 إلى 2015)، فولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز (من 2015 إلى الآن).
زيارة الإسكندرية
حينما أسندت حقيبة الدفاع إلى الأمير منصور، كانت هناك حاجة ماسة للاستفادة من تجارب الدول الأخرى في المجال العسكري بتفرعاته المختلفة، وبناء القدرات الدفاعية على أسس علمية حديثة، خصوصا أن فكرة تكوين جيش نظامي ذي ولاء للدولة السعودية الناشئة لم تلد إلا في عام 1926 أي بعد ضم الحجاز بسنة واحدة، وذلك حينما ظهرت الحاجة إلى تكوين جيش نظامي حديث يذود عن حمى حدود البلاد المترامية الأطراف ويسهر على سيادتها واستقرارها. ولهذا السبب استهل الأمير منصور عمله الوزاري بالقيام بزيارة رسمية إلى المملكة المصرية في عام 1943 للاطلاع عن كثب على عمل وزارة الدفاع المصرية وأقسامها وأسلحتها وتنظيمها من حيث التجنيد والتدريب والرتب والأفرع والمهام المتنوعة.
خلال تلك الزيارة غير المسبوقة انتهز الأمير الزائر الفرصة فزار ميناء الإسكندرية برفقة السفير السعودي بمصر آنذاك الشيخ العقيلي «فوزان بن عثمان بن فوزان السابق» (ت: 1954) لتفقد قطعات الأسطول الملكي البريطاني العامل في البحر الأبيض المتوسط، الذي كانت قيادته قد انتقلت في عام 1930 من مالطا إلى الإسكندرية. ومن الإسكندرية انتقل سموه إلى العلمين وجبهات القتال قرب مرسى مطروح حيث تفقد الدبابات والطائرات والعربات المدرعة والأسلحة الألمانية الأخرى التي غنمتها قوات الحلفاء في معركة العلمين الثانية التي دارت رحاها قبل عام من ذلك التاريخ تقريبا.
تأسيس الثكنات العسكرية
في أعقاب عودته إلى بلاده شرع الأمير الشاب في بناء الجيش السعودي على أسس علمية وخطط تطويرية حديثة، بدعم من والده الذي كان يثق في قدراته العسكرية والإدارية ونجابته وذكائه وحماسه، ومستعينا في ذلك بالكوادر العسكرية الحجازية التي عملت في ظل الحكم الهاشمي وأعلنت ولاءها المطلق للحكم السعودي الجديد. وهكذا شهدت وزارة الدفاع في عهده تأسيس الثكنات العسكرية في كل من نجد والحجاز وعسير، وتزويد الجيش بالأسلحة الحديثة ومنها المسدسات فرنسية الصنع من نوع MAP التي تعتبر من أفضل المسدسات وأجملها وأطولها عمرا إذا تمّت صيانتها بانتظام. واستقطاب الآلاف للعمل في المرافق العسكرية حتى وصل عددهم في غضون سنتين إلى عشرين ألف عنصر. علاوة على ذلك، قام سموه، بالاشتراك مع وزارة المالية التي كان يقودها آنذاك الشيخ عبدالله السليمان الحمدان، بوضع نظام للمكافآت والرواتب والإجازات لمنسوبي القوات المسلحة. هذا ناهيك عن ابتعاث العديد من أفراد الجيش إلى الخارج للدراسة والتأهيل ولا سيما دراسة الطيران في كلية الحرب بمدينة كاسيرتا الإيطالية Caserta (تخرجت منها في محرم عام 1355 للهجرة الموافق أبريل 1936 أول دفعة من نسور الجو السعوديين ممن تشرفوا في العام نفسه بمقابلة الملك عبدالعزيز الذي حياهم بعبارة «أهلا بنسورنا». وضمت الدفعة عشرة طيارين مقاتلين هم: صالح عالم وسعيد بخش وعبدالله منديلي وضياء الدين الحكيم وعبدالقادر بصراوي وكامل حلمي وأمين شاكر وحمزة طرابزوني وصدقة طرابزوني وصالح الخطيب).
الخدمة العسكرية
والحقيقة أن من يعود إلى تاريخ الجيش السعودي يجد أن مفهوم الخدمة العسكرية كان موجودا قبل تأسيس وزارة الدفاع. فعلى مدى أكثر من ثلاثين عاما شارك أبناء البلاد في معارك وحروب على أكثر من جبهة كان من ثمارها توحيد معظم أرجاء شبه الجزيرة العربية في دولة واحدة تحت قيادة الملك عبدالعزيز رحمه الله. وبطبيعة الحال كانت الشؤون العسكرية والقتالية في تلك الفترة غير منظمة في هياكل إدارية وقطاعات عسكرية متخصصة، بل كان التسليح والعتاد ضعيفا وبدائيا، والأزياء العسكرية غير موحدة. ومن هنا فإن وزارة الدفاع بقيادة الأمير منصور قامت بجهد جبار من أجل سد كل نقص.
مشاركة الجيش السعودي في حرب 48
شهدت فترة قيادة الأمير منصور لوزارة الدفاع أولى مشاركات الجيش العربي السعودي في معارك خارج الحدود، ونعني بذلك مشاركته في حرب فلسطين سنة 1948 بست سرايا مسلحة مكونة من 3200 عنصر بقيادة القائم مقام سعيد بن عبدالله كردي (ت: 1964) ونائبه القائد عبدالله بن نامي الغيثي الشمري. حيث باشرت هذه القوة القتال جنبا إلى جنب مع القوات المصرية، بدءا من يوم 25 مايو/ أيار 1948 أي في اليوم العاشر من اندلاع الحرب، وذلك تنفيذا لأوامر الملك عبدالعزيز وانطلاقا من واجبها العسكري وإيمانها الديني. وعلى الرغم من أن الجيش السعودي كان وقتذاك حديث التأسيس ومتواضع الإمكانات، إلا أنه أبلى بلاء حسنا بشهادة ضباط الجيش المصري، ودليلنا هو ما أورده الباحث السعودي محمد بن ناصر الأسمري في كتابه الموسوم بـ «الجيش السعودي في حرب فلسطين 1948» من أن القائد العام للقوات المصرية في حرب فلسطين اللواء أركان حرب أحمد علي المواوي رفع مذكرة (لا تزال محفوظة في «دار الوثائق المصرية») إلى رؤسائه تشيد ببسالة وشجاعة المشاركين السعوديين، بل تطالب بتكريمهم قائلا: «أرى أنه من باب المجاملة للدولة الوحيدة التي اشتركت معنا اشتراكا واقعيا بجيشها أن نكافئ رجالها الذين اشتركوا وامتازوا في الميدان أسوة برجالنا».
قاوم الضغوط المعيقة لتأسيس فرقة موسيقية للجيش
ومما يُذكر عن الأمير منصور أنه كان منفتح الفكر وصاحب اطلاع على متغيرات عصره، بدليل أنه قاوم كل الضغوط المعيقة لتأسيس فرقة موسيقية للجيش، في زمن كانت فيه الموسيقى من المحظورات. ومن آيات ذلك أنه حينما سمع بجمال صوت وأداء أحد ضباطه المتخرجين عام 1942 من الكلية الحربية بالطائف، وهو ضابط سلاح المدفعية طارق عبدالحكيم، استدعاه إلى مكتبه وطلب منه غناء ما عنده، وحينما تأكد من مواهبه كلفه بتكوين فرقة موسيقية للجيش. ولكي يضمن الأمير تأسيس الفرقة على أساس صلب ومتين، أوفد طارق عبدالحكيم إلى مصر لهذه الغاية في عام 1952. والمعروف أن عبدالحكيم سافر فعلا إلى مصر ودرس الموسيقى أكاديميا في معاهدها وحينما عاد أسس الفرق الموسيقية التابعة ليس للجيش وحده وإنما أيضا للشرطة والحرس الملكي.
وعن هذه الواقعة تحدث عبدالحكيم في حوارات صحفية وتلفزيونية عن رقي أخلاق الأمير منصور حينما قابله واستمع منه، وكيف أنه شجعه على السفر إلى مصر قائلا: «أنت روح واغتنم الفرصة وادرس موسيقى مصر، وتعال أسس لنا موسيقى الجيش لأنك في يوم من الأيام راح تنحال على التقاعد ومش راح تبيع مدافع.. راح تبيع موسيقى ويكون لك شأن في البلد إن شاء الله».
حاضراً في المناسبات الاجتماعية
ولد الأمير منصور بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن تركي الفيصل آل سعود بمدينة الرياض في 27 ربيع الأول سنة 1337 للهجرة الموافق للأول من نوفمبر/تشرين الثاني 1918، ابنا أول لوالدته التي أنجبت بعده في عام 1926 شقيقيه الأمير مشعل بن عبدالعزيز (ت: 2017)، ثم في عام 1931 شقيقه الآخر الأمير متعب بن عبدالعزيز (ت: 2019)، فشقيقتهم الأميرة قماشة بنت عبدالعزيز (ت:2011). أما دراسته فقد كانت أولا على يد مشايخ أوكل لهم والده تدريسه القراءة والكتابة والحساب والتوحيد والتفسير والقرآن الكريم، ومنهم: الشيخ محمد السناري والشيخ الحسناوي والشيخ صالح الهلالي، قبل أن ينتقل إلى مكة المكرمة للدراسة في المعهد العلمي. وحينما اشتد عوده وكبر أشركه والده في معارك توحيد الجزيرة العربية، ومنها معركة جازان سنة 1931، كما أشركه ضمن المرافقين له في لقاءيه التاريخيين مع الزعيم البريطاني ونستون تشرتشل والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت اللذين عقدا في البحيرات المرة في فبراير/كانون الثاني 1945، فكان شاهدا على هاتين القمتين اللتين أسستا لعلاقات استراتيجية بين السعودية وكل من الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى. وهناك العديد من الصور الفوتوغرافية التي تؤكد أن الأمير منصور كان حاضرا ومرافقا لأخيه الملك سعود وبقية أخوته الأمراء في مناسبات مهمة مثل افتتاح مجلس الشورى القديم بمكة المكرمة في الأربعينات الميلادية، ومثل مناسبة تدشين الرحلة التجريبية للخط الحديدي الرابط بين العاصمة الرياض وميناء الدمام في أوائل سنة 1951، الذي بدأ العمل فيه في أكتوبر/تشرين الأول عام 1947.
ترك الأمير منصور رحمه الله وراءه وقت وفاته ابنته الأميرة موضي، وابنه البكر الأمير طلال بن منصور الذي كان قد أبصر النور قبل ذلك التاريخ بسنتين تقريبا في مكة المكرمة، فتولت والدته الأميرة حصة بنت محمد الشهري (ت: 2014) تنشئته ورعايته بمدينة الطائف وتهيئته للدراسة في مدارس الأمراء (الثغر لاحقا)، قبل أن ينتقل إلى جدة لمواصلة تعليمه النظامي هناك والذي انتهى بسفره إلى الولايات المتحدة للتخصص في إدارة الأعمال. والمعروف أن الأمير طلال، الذي يعتبر اليوم من رجال الأعمال والمستثمرين في المجال الطبي العام، ترأس إدارة نادي الاتحاد الرياضي بجدة مرتين: الأولى من عام 1974 إلى عام 1981، والثانية من عام 1983 إلى عام 1985. والجدير بالذكر أنه خلال فترة رئاسته الأولى لعميد الأندية السعودية أطلق على سموه لقب «عراب ومنقذ» النادي لأنه تولى إنقاذه من ديونه المتراكمة ومشاكله الإدارية والفنية الكثيرة، ما مهد عودته إلى منصات التتويج. وظل الأمير، حتى بعد خروجه من الإدارة بسبب ظروفه الصحية، وفيّاً للنادي.. يتابع شؤونه عن كثب ويقدم الدعم والنصيحة والمؤازرة.