كتاب ومقالات

انتصار الحمادي

أريج الجهني

كم هي مفزعة ازدواجية معايير حقوق الإنسان وصمتها حينما تتعامى عن قصة هذه الفتاة اليمنية التي اختطفتها جماعة الحوثي الإرهابية وأجبرتها على التوقيع على اعترافات وهي مغمضة العينين، بل أفاد محاميها بأنها تعرضت للعنف والتحرش في سجون الحوثيين وحاكموها بالسجن لمدة خمس سنوات دون سماع أي حراك إعلامي دولي بل مرت القصة بخجل وكأنها مجرد شيء عارض. وبالتأكيد وكمواطنة سعودية أنزعج من هذا الصمت المطبق عن الإجرام في حق النساء والذي يواجهه تهويل وتصعيد أمام خروج أي مواطنة وتضخيم قصتها إعلاميا وكأن جنسية الضحية هي المحرك وفاتح الشهية للحديث والكتابة عنها.

أتذكر في سنوات الغربة كيف يتم تنميط النساء السعوديات بل يتم التعاطف مع القصص المحزنة فقط والتي قد تكون محزنة بالفعل بعض الأحيان ومفتعلة في أحيان أخرى. الوعي النسوي لا يتجزأ وحين نقول «وجع النساء وجعي» فلا ينبغي أن ننظر للجوازات والمذاهب والتصنيفات الرسمية. تألمت لقصة انتصار وسجنها وهي مجرد فنانة وفتاة يافعة لم يكن لها ذنب سوى أنها واجهت هؤلاء المتطرفين أعداء المرأة، هم أعداء الحياة وكارهو الحب، هم صانعو الحرب، فالمشاعر الإنسانية تكاد تكون مستحيلة أمام البطش الإرهابي الذي يمارسه الحوثيون في حق المجتمع اليمني نساء وأطفالا ومستضعفين.

تطالعنا القنوات العربية يوميا بفجائع ومصائب جرّاء بطش هذه الفئة الإرهابية التي تدمر وتقتل وتهاجم المملكة وفي كل مرة ترد مدحورة وصاغرة؛ لكن يستمر معها الصمت الدولي والاستنكارات تأتي خجولة؛ أتذكر كيف تم تصعيد حكاية الفتاة ملالة التي كانت ضحية لطالبان وتمت مساعدتها بالفعل وخرجت من بؤرة التطرف، وأتساءل كم من (ملالة) بقيت هناك؟ ولماذا لم تعامل انتصار ذات المعاملة؟ ولماذا كان خبر سجنها هامشيا ومقبولا!.

محزن جدا ما حدث لها ومحزن أكثر أن تستوعب أن الحراك الإعلامي المزيف لا ينطلق من وعي نسوي حقيقي بل هم يستخدمون الصوت النسوي فقط في ما يخدم أجنداتهم، وبالتالي يستمر هذا المفهوم بالتشوه والاستلاب كما تم تشويه مفاهيم إنسانية عديدة لا مجال لحصرها. حتى ينتصر القدر لانتصار وتنال من اسمها نصيب فإنه من المهم إعادة تعريف الحقوق وإعادة تصحيح الوجهة بل تسليم المنصة لنا، فنحن أحق بالمحاضرة عن حقوق الإنسان من غيرنا، فما نلناه نحن كنساء يفوق ما نالته نساء العالم في العامين الأخيرين مع عمل مؤسسي واضح توج في تدشين مركز تكافؤ الفرص الذي سيدقق ويعيد هيكلة مفاهيم المساواة ويعزز منها.

أخيرا؛ فإن النساء في اليمن والدول المنكوبة يعانين أشد المعاناة من العنف والاغتصاب والجوع والفقر ولا ترى أي اهتمام لحالهن، وهذا يكرّس أن تنميط الإعلام الدولي ضد النساء السعوديات بات أداة محترقة وأخبارا بائتة لا تفتح شهية أحد إلا الفئران.