كتاب ومقالات

تجارة التخفيضات

بدر بن سعود

الجمعة القادمة ستكون الأخيرة في نوفمبر الحالي، ما يعني أنها ستوافق أكبر موسم تخفيضات في العالم، الذي اعتاد الأمريكان على تسميته بـ(البلاك فرايدي)، وتاريخه يعود لأزمة مالية حدثت بسبب انهيار أسعار الذهب في أمريكا القرن التاسع عشر الميلادي، وفي ذلك الوقت تم اعتماد مجموعة من الإجراءات لضبط إيقاع الاقتصاد الأمريكي، لعل أبرزها، عمل تخفيضات ضخمة على السلع والمنتجات، وبما يضمن بيعها بالكامل وبأقل الخسائر الممكنة وفي يوم واحد، والتوقيت كان مقصوداً في سياقه الغربي، فهو يأتي مباشرة بعد عيد الفصح المسيحي، وقبل احتفالات الكريسمس ورأس السنة الميلادية، وكلها مناسبات ترتفع فيها معدلات إنفاق الناس وإقبالهم على التسوق والاستهلاك، والأرجح أن تسميتها بـ(السوداء) تعود إلى رجال الشرطة في فيلادلفيا قبل ما يزيد على ستين عاما، وفيها وصف لمعاناتهم مع الزحام والفوضى وحالات العنف في هذا اليوم.

هذه الموضة التسويقية لم تعرفها المنطقة العربية إلا في 2014، وجاءت كردة فعل اقتصادية على تحقيقها لأرباح وصلت إلى 25 مليار دولار في 24 ساعة، ولظروف كورونا الصحية والاقتصادية تم تمديدها لفترة أطول في العامين الماضيين، وأصبحت حاضرة بصورة أكبر في الإنترنت ومواقع التسوق الإلكتروني، ونصيب العرب من مبيعات التخفيضات والخصومات والأكواد يصل إلى 88 مليار دولار في العام، من أصل تريليونين ومئتي مليار دولار تنفقها دول العالم مجتمعة، والمعنى أنها تتفوق في عوائدها على مبيعات التجارة العادية.

في الحقيقة السلع والمنتجات تباع بأسعار تفوق قيمتها الفعلية، فهامش الربح يوضع من أول تسعيرة لأي منتج، وبحسب دراسة أجرتها المؤسسة البريطانية لأبحاث المستهلك، على 83 منتجا مخفضا عرض في البلاك فرايدي عام 2018، فإن 95% من هذه المنتجات بيعت بنفس السعر، أو بأسعار أقل في الأشهر الستة التالية.

المشكلة الأهم أن التسوق الإلكتروني في (البلاك فرايدي) وفي غيره ليس مضموناً تماماً، والأفضل أن يكون عن طريق الزيارة الشخصية لمعاينة المنتج على الطبيعة، فالثابت أنه ورغم التخفيضات العالية في شكلها الخارجي، إلا أن هناك واحدا من كل أربعة أشخاص تصله بضاعة رديئة أو تالفة جزئياً أو مقلدة أو ناقصة، وبعض العلامات التجارية المعروفة تعمل على صناعة منتجات أقل جودة وتكلفة، وذلك لبيعها في مواسم التخفيضات وحدها. وأشارت إحصاءات وزارة التجارة السعودية في 2017 إلى وجود بلاغات غش تجاري في إعلانات التخفيضات المحلية، وفي العلامات التجارية على الإنترنت.

المستهلكون السعوديون مسؤولون عن حماية أنفسهم من حيل التسويق وعبارات المسوقين وعناوينهم الرشيقة، والتي قد تحفزهم على شراء الأخضر واليابس، فالمفروض أن لا يتجاوز إنفاق الشخص المتوازن على الكماليات ما نسبته 8% من إجمالي دخله، وأن يستوعب بأن التخفيضات الشتوية والصيفية باختلاف مسمياتها ليست إلا عمليات تصفية ذكية لبضائع مكدسة لم يشترها أحد.