كتاب ومقالات

رقم غريب

أريج الجهني

تجلس مع أسرتك (أولويتك القصوى في الوجود) لتجد رقما غريبا يتصل بك تظن أنه أحد مناديب التوصيل العصبيين والمزعجين والذين يمتلكون سلطة مطلقة على مشترياتك إما بحرمانك من توصيلها إن لم ترد عليهم أو حتى بتأخيرها لأسابيع؛ وهم بلا شك غير مستعدين لاستخدام العنوان الوطني الذي لا أعلم ما الفائدة منه بعد، حيث لم يصلني أي بريد بعد دون أن يتم (صرقعتي) و(الصراخ) في وجهي من السادة المناديب الذين بالغالب لا يتقنون لا العربية ولا الإنجليزية ولا أي لغة متاحة. بكل حال قضية تعطيل تفعيل العنوان الوطني أصبحت مزعجة، والمزعج أكثر أن يصبح رقمك مشاعا في أيدي أشخاص غرباء أنت لا تعرفهم!

نعم وبعد أن قضينا سنوات في الأعمال الروتينية قبل ثلاثين عاما كان نمط التواصل محدودا جدا اليوم ومع «جنون التواصل» هكذا أراه؛ ظهرت لنا ممارسات اتصالية مقيتة ومتعبة، ولا أظن أن شخصا مهنيا يختلف معي بخطورة هذا الضغط والاحتراق. بل من أشنع صور الاتصالات الغريبة تلك التي تأتيك خارج ساعات العمل، وليست المشكلة أن تأتي من رئيسك المباشر بل الكارثة حينما تمنح رقمك للمستفيدين أو تتواضع في الرد وتجد من يعاملك وكأنه فرض عين أن ترد في ليلة الجمعة! لدرجة تفقدك لياقتك النفسية وتتألم متى تصبح ثقافة الامتناع عن التواصل في الإجازات شيئا تلقائيا ولا يحتاج للتبرير والتذكير!

نعم الاتصالات العشوائية مزعجة؛ والمهاتفة في خارج وقت العمل متلفة للنفس والمخ والخلايا وإجهاد لا معنى له. ووجدت أن الكثير من المهنيين يظهرون تذمرهم لذات القضية دون أن تعالج. ولا أعلم ما الجذور الاجتماعية التي قادتنا لهنا! هل هي اللامبالاة؟ أم عدم الانفكاك من الآخر؟ هل عدم إدراك الإنسان لدوره المجتمعي يجعله لا يفهم دور الآخرين؟ لعل هذا السؤال الأخير يقودنا لنتيجة قد تكون مقبولة؛ نعم الكثير ممن نراهم اليوم يفرطون التعلق بمن حولهم وكأنهم كائنات طفيلية تتغذى على شحذ الاهتمام تارة والاتهام تارة أخرى. لن أذهب بعيدا وأقول لنتوقف جميعنا عن ممارسة هذا السلوك الاجتماعي ولتبدأ المؤسسات والجامعات بتكريس هذا كممارسة مؤسساتية لا تخضع للأمزجة.

اليوم وأنت تقرأ المقال في الثاني من ديسمبر أعد النظر في هاتفك؛ احذف كافة المحادثات والأرقام المزعجة. لا تتوقف عند المحادثات القديمة لا تتأمل في رجوع أحدهم. نعم هذا مؤلم لكن يجب أن تتحرك للأمام، يجب أن تنتزع السهام بيديك وأن تقف بوجه من لا يفهمك وتقول بوضوح ما تريد. العمر يمضي والحياة مجرد أيام معدودة، خسرنا الكثير بسبب المجاملات، وكما يقول الفرنجة «لقد كنت كثيرا» كل هذه الأرقام وهذه الاستقطاعات لن تغنيك عن النظر في وجوه أسرتك، ولن تدرك أن هذه الأوقات المستقطعة (استقطعت) محبتك من قلوبهم وإن تظاهروا بخلاف ذلك! أعتذر عن قسوة العبارة لكن طبيعة الحقيقة ألا تتجمل.