كتاب ومقالات

لا للتجديد

أسامة يماني

التجديد المقصود به في هذا المقال هو «إدخال شيء جديد على شيءٍ قائم». والتجديد مصدر جدد. والتجديد في الآداب له معنى ومفهومه مغاير عن غيره من المجالات، فهو يعني «إتيان بما ليس مألوفاً أو شائعاً»، وفي القانون «إبدال التزام قديم بآخر جديد»، وفي السياسة «إعادة انتخاب المسؤول المنتهية مدته، كالتجديد لرئيس الجمهوريّة أو عضو مجلس الشورى. ويتضح مما سبق أن مفهوم التجديد من أكثر المفاهيم التي تشتبك مع غيرها من التيارات الثقافية والفكرية المختلفة، مما أثر هذا التنازع والاشتباك على المفهوم سواءً من حيث معناه ودلالاته، وواقعياً نجد أن عدم وضوح التأصيل الفكري ينعكس سلبا على عملية التجديد على أرض الواقع.

وفي الواقع يشتبك مفهوم التجديد مع مفهوم الأصالة والتراث التي يقصد بها تأكيد الهوية والوعي بالتراث، ويتداخل مفهوم التجديد بمفهوم التغريب وهو النقل الفكري من الغرب. ولا يقف هذا التنازع والاشتباك بل يمتد إلى المفاهيم الحركية، مثل التقدم والتحديث والتطور والتقنية.

لذا نجد أن حركة الإصلاح الديني والتجديد التي ظهرت مع مطلع العصور العربية الحديثة، بقوة بفعل مجهود جمال الدين الأفغاني ومن جاء بعده، كمحمد عبده وعبدالرحمن الكواكبي وشهاب الدين محمود ومحمود شكري لم تنتج علوماً جديدة ولا واقعاً جديداً، بل استعادت عصور الشقاق وحروب الفرق العقائدية والسياسية التي ضربت الأمة بعد مقتل عثمان رضي الله عنه.

وكما سبق وأن أشرنا سابقاً أن مصطلح تجديد غير دقيق ومتشابك. لهذا يجب أن ننطلق من منطلقات لا تقودنا إلى نفس الإشكاليات التي قادت المتقدمين من الإصلاحيين.

نحن في أمس الحاجة لأعمال الفكر والنقد وعدم التوقف أمام القواعد والأصول الفقهية، لأنها تقودنا إلى وجوب الاجتهاد المبني على القياس متى توفرت العلة، وكذلك على مفهوم النص القائم على التفاسير والنقل وليس على العقل والغاية والمصلحة والمعقولية.

والواقع أن المشكلة تكمن في الأصولية التراثية وليس في الشريعة، حيث إن الأصولية التراثية منذ نشأتها ارتكزت على النقل والقياس والرواية والفرقة والفرق. فالدين يوحد ويقرب قال تعالى: وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَٰناً.

أصحاب الأصولية التراثية لا يروق لهم أعمال الفكر والخروج على القواعد والأصول الفقهية، وهم يَرَوْن وجوب الاجتهاد المبني على القياس متى توفرت العلة، وكذلك على مفهوم النص لديهم القائم على التفاسير والنقل وليس على العقل والغاية والمصلحة والمعقولية.

لهذا فإن موقفهم التشكيك في كل محاولات أعمال الفكر، ورفض أي محاولة لتغيير الأصولية التراثية، نظراً لقناعتهم بآلياتها القديمة، وبالقواعد والمعايير التي تأسست عليها، وما سُجل من سوابق، ودوّن من مرويات وأحداث.

نحن لسنا بحاجة إلى تجديد أصولية تراثية وإنما إلى أصولية معاصرة تُحدث قطيعة مع أصولية التراث وآلياته ومنطلقاته وطريقته في اختزال الدين في الشكل أكثر من الموضوع.

إذا فإنني أقترح أن تقوم رابطة العالم الإسلامي بدعوة المفكرين والفلاسفة العرب والمسلمين إلى حوار حول أصولية معاصرة. كما أن وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد معنية بهذا الجانب وجميع الجامعات الإسلامية في السعودية. فالسعودية هي القائد الحقيقي للأمة الإسلامية.