كتاب ومقالات

كن صديقي

منى العتيبي

بعد خطبة يوم الجمعة بالحرم المكي الشريف التي تناولت موضوع الصداقة وعلاقات المصلحة؛ ضجت منصات التواصل الاجتماعي بتداول مقاطع ومقتطفات عن الصداقة، وامتلأت حالات الواتس آب وهواتفنا كلها بالعتاب وبالضرب من تحت حزام الأصدقاء، والكل أصبح ضحية صداقة المصلحة! حينها سألت نفسي يا ترى طالما هذا الكم الهائل من الناس يشتكون من طعنة الأصدقاء، ويصفون أنفسهم بالأوفياء، فأين هم الأصدقاء المقصودون من خطبة الجمعة؟!

في قراءة سريعة لأنماط التلقي الذي حدث بعد خطبة الجمعة والتعليقات التي تناثرت في وسائل التواصل الاجتماعي، يتضح بأن الأغلب لديه مفهوم شائع ومغلوط عن معنى «الصداقة»؛ حيث تناول سياق التلقي الصداقة من منظور العتب وقرار التخلي عن الأصدقاء، والتهم حملوا الصديق وزرها، ومعظم الأسباب كانت لا علاقة لها بمفهوم الصداقة.

في الحقيقة مفهوم الصداقة أعمق من التصورات السطحية التي يتناولها البعض؛ فالصداقة لا تعني أن تلغي الآخر وتجرده من حياته الخاصة ومهامه اليومية ليكون ظلك الظليل أو تحمله همومك كلها وتكون عبئاً ثقيلاً عليه ثم تتهمه بالتقصير! الصديق ليس ملزماً أن يحكي لك عن كل شاردة وواردة في حياته الخاصة، وليس ملزماً أن يعطيك خارطة أحلامه ومستقبله، وليس ملزماً أن يبوح لك بأسراره، وليس ملزماً بتحمّل أعبائك كلها، وأن يكون متاحاً ومباحاً لك في كل الأحوال.

الصديق هو مَن يصدقك القول والمشورة حين تلجأ إليه، يدلك إلى الطريق حين تقف عاجزاً عند المفترق تحديداً، الصديق مَن تغيب عنه وتأخذك الدنيا إلى حيث ترغب ومن ثم تعود إليه تجده كما هو.. يستقبلك بلا عتاب ولا «تكشيرة»؛ بل بجملة «تحتاج شيء؟» تصوراً منه بأن الدنيا قد أوجعتك، الصديق يهمه فقط أن تكون بخير سعيداً مطمئناً مستقراً؛ لأنه يعدّك منه وما يؤذيك يؤذيه، الصديق مَن يعرف بالضبط أن هناك حدوداً للخصوصية الإنسانية ولا يتجاوزها ويثقف جيداً معنى أنك لست ملاكاً محاطاً بالأجنحة المثالية، فقد تغضب يوماً وتكسر الألواح على رأسه ثم تعود معتذراً وكأن شيئاً لم يكن، الصديق مَن لا ينتظر الاعتذار ولا التبرير منك ولا يهتم لذلك؛ لأنه ببساطة يعرفك، الصديق باختصار المعرفة والفكر والنفس هو: ميناء السلام، كما تغنت ماجدة الرومي:

كن صديقي

أنا محتاجة جداً لميناء سلام..