كتاب ومقالات

السعودية.. جاذبية النموذج وكفاءة الاستقطاب

وفاء الرشيد

ينشر مقالي اليوم (الأحد) في أول استضافة لسباق «الفورمولا ون» بمدينة جدة السعودية، وتأتي هذه الدعوة كجزء من التحول المذهل الذي تعيشه البلاد لتعزيز التطورات الإيجابية في المجتمع وتوفير المزيد من الخيارات لإثراء حياة مجتمعية بتجارب جديدة وعناصر معززة لمجتمع جديد.

كان قرار القيادة منح الجنسية السعودية لعدد من كبار الأعلام والخبراء والعلماء قرارا صائبا، يندرج في سياق الجهود الإصلاحية الكبرى وترسيخ حقيقي لصورة المملكة الحقيقية في الوعي العربي والتي تعاني في غالب الأحيان من اختلالات لا أحد يجهلها.

العلاقة بين قرار التجنيس وموضوع صورة السعودية عربيا، تتمثل في جهل وتكاسل قطاع واسع من المثقفين العرب في احتضان هذه الدولة منذ نشأتها... نعم النخب الفكرية والنخب الثقافية العربية تكاسلت أو تنكرت لهذه البلاد واليوم تحتاج هذه النخب بأن تقر بأن السعودية هي منبع العرب والعروبة بشريا ولغويا وتاريخيا، بيد أن الدعايات الأيديولوجية المناوئة لها أثرت بالسلب على هذه الصورة الناصعة.

صحيح أن القادة المؤسسين للدولة السعودية لم ينساقوا وراء الدعوات القومية المتعصبة في صيغها الحزبية الأيديولوجية التي اجتاحت العالم العربي بقوة في الأربعينيات والخمسينيات، بيد أنهم تبنوا العروبة الحضارية الجامعة ودافعوا بشجاعة عن القضايا العربية المصيرية.

أتذكرون كيف استقبل الملك المؤسس عبدالعزيز رموزا كبرى من أعلام الثقافة العربية، من بينهم المفكر والكاتب اللبناني أمين الريحاني الذي انبهر بشخصية هذا الملك وكتب عنه صفحات مشرقة في كتابه «ملوك العرب». ومن بين هؤلاء أيضا الشيخ حافظ وهبة المصري الذي اتخذه الملك عبدالعزيز مستشارا سياسيا وسفيرا في بريطانيا، والصحافي والباحث الفلسطيني البارز رشدي ملحس.

ولا يمكنني أن أستوفي ذكر الأدباء والكتاب وعلماء الدين الذين اتصلوا بالملك عبدالعزيز وبأولاده من ملوك هذه البلاد، فالحقيقة البديهية هي أن السعودية شكلت بالفعل حضنا حنونا للنخب العربية على اختلاف أصولها وتوجهاتها. أما دور السعودية في دعم تحرير وتنمية البلدان العربية الأخرى، فمعروف لا يحتاج لبيان.

إن السؤال المطروح هنا هو إذن لِمَ كانت صورة السعودية لدى جانب كبير من هذه النخبة مختلة ومشوهة؟

من له اطلاع على الكتابات العربية الرائجة يدرك أن مصدر هذا الاختلال يرجع إلى عاملين أساسيين هما: تحكم اليسار الراديكالي في الساحة الثقافية العربية وهو اتجاه لديه أحكام مسبقة خاطئة حول النموذج الاجتماعي السعودي، والتأثير المباشر لصراع المحاور في النظام العربي.

اليسار الراديكالي لم يدرك دوما دور الدولة السعودية في تحديث المجتمع وتطوير نظام حياته، ولم يستوعب طبيعة النظام السياسي السعودي القائم على الانفتاح المباشر على المواطن وتدعيم قنوات التشاور والمشاركة مع المجتمع، بما حفظ للبلاد مستوى نادرا من الاستقرار السياسي والاجتماعي والتفاعل الحي بين الحكام والمواطنين.

أما العامل الثاني فيبرز من خلال الدعاية المغرضة التي كانت تسلطها الأنظمة الراديكالية العربية ضد السعودية وحلفائها من كتلة الاعتدال العربي، منذ الحقبة الناصرية في الخمسينيات والستينيات إلى النظام البعثي في العراق وجماهيرية القذافي.. ولقد أثبتت التجربة العملية أن السعودية كانت على حق وصواب في مواقفها القومية الرائدة والملتزمة، في حين لم تفض المغامرات الثورية الطائشة إلى نتيجة إيجابية.

خاتمة هذا الحديث هي أن قرار تجنيس عدد من الكفاءات العربية (والأجنبية) المتميزة هو الدليل الملموس لما تتمتع به بلادنا من جاذبية وقدرة استقطاب، وهي التعبير عن العمق العربي الثابت والمكين للدولة السعودية.