كتاب ومقالات

أمل جديد في كُلية الخنزير

نجيب يماني

كتب الأستاذ مشعل السديري (الشرق الأوسط): «إنه ولأول مرة زرع جراحون كلية خنزير في جسم إنسان دون أن يرفض جهاز المناعة في جسم المتلقي، وهو تقدم كبير يمكن أن يؤدي في نهاية المطاف للتخفيف من النقص الحاد في الأعضاء البشرية الجاهزة للزراعة.

وتضمنت الجراحة التي أجريت في جامعة نيويورك استخدام خنزير تم تعديل جيناته، ونجحت العملية 100 في المائة.

والغريب يا سبحان الله أن كلية الخنزير مطابقة تماماً لكلية الإنسان شكلاً وموضوعاً وحجماً، وأنهم بصدد زراعة أكبر أعداد منها، لمن يحتاجونها ويتقبلونها». ويضيف الأستاذ السديري قائلاً: «ولا أدري ما رأي مشايخنا الفضلاء في ذلك، إذا كانت حياة مريض متوقفة على مثل هذا الزرع».

ومن باب (من كتم علماً ألجمه الله بلجام من نار)، أقول إن الأصل الذي عليه تصرفات الناس وعاداتهم وأخلاقهم ما شرعه الله لهم في كتابه العزيز وبينه الرسول عليه الصلاة والسلام بأقواله وأفعاله فكُلية الخنزير إذا استطاعت أن تحافظ على مقصود الشرع بحفظ الإنسان من الهلاك فلا يمنع من زرعها في جسمه بدلاً من كُليته النافقة.

يقول الإمام القرافي ويقدم صون النفس والأعضاء والمنافع على العبادات فيقدم إنقاذ النفس البشرية على الصلاة والصيام مثلاً.

قال تعالى: «إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه». فالله حرم أكل لحم الخنزير في أربع آيات وزرع الكُلى في جسم الإنسان ليس كأكلها، فالتحريم بموجب النص هو الأكل وتدخل الزراعة في باب (الانتفاع)، وهي ليست حراماً، فيجوز انتفاع الإنسان بكلية الخنزير كما أجاز رسول الله الانتفاع ببعض الميتة، كما في حديث ميمونة إن الله حرم أكل الميتة ولكن أجاز الانتفاع بجلدها، والميتة في الآية مقرونة في التحريم بلحم الخنزير ومع ذلك أجاز رسول الله الانتفاع ببعض منها، وعليه يجوز أيضاً الانتفاع بكُلية الخنزير لإنقاذ إنسان مشرف على الهلاك.

كما أن الممنوع شرعاً هو حمل النجاسة في الظاهر على الثوب أو البدن ولا دليل على منعها في داخل الإنسان مثل البول والبراز وباقي الإفرازات الأخرى وهو يصلي ويصوم ويذهب للمساجد ويؤدي عباداته بها فأحكام النجاسة في الشرع لا تتعلق بما في داخل جسم الإنسان.

ولقد تكرر معنى إباحة المحرمات عند الاضطرار في خمسة مواقع في القرآن في ما يتعلق بما يحرم على المرء أكله. بل جاءت آية على إطلاقها بإباحة المحرمات أياً كانت في حالة الاضطرار، كما قال تعالى: «وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه».

أي من جميع ما حرمه عليكم فإن الضرورة تحلل الحرام، والشريعة مبنية على إزالة الضرر عن الناس وكلها مصالح للبشر، وهذه المصالح موزونة بميزان الله، وميزانه مبني على القسط، ويؤكد الغزالي أن المصلحة تعني المحافظة على مقصود الشرع من الخلق وهي خمس: أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم، فالنفس تأتي في مرتبة بعد الدين وقد قدمها بعض الفقهاء حتى على الدين.

أباح الله أكل الأنعام التي تذبح على النصب أي الأصنام وما أهل به لغير الله، وهي قمة الشرك ومع ذلك أباح الله أكلها في حالة الاضطرار، بل من تلفظ بألفاظ الكفر وهو مؤمن فلا إثم عليه في حال الاضطرار لقوله تعالى: «من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان»، فالحاجة تنزل منزلة الضرورة، والضرورات لها أحكامها الخاصة. وزراعة الكُلى للإنسان المريض أصبحت ضرورة ملحة للحفاظ على النفس البشرية، وأثبتت نسب عالية النجاح.

نعيش اليوم ثورة زراعة الأعضاء البشرية التي تقودها مؤسسة الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث فلها أن تأخذ زمام المبادرة، وهى تملك القدرة بعلمائها ومركز أبحاثها وخبراتها في إصلاح الخلل الجيني لتفعيل هذه التجربة وتكون كُلية الخنزير أملا جديدا لآلاف المرضى على قائمة الانتظار؛ للحفاظ على أنفسهم، فالضرر يزال ومنه إنقاذ كل مشرف على هلاك في النفس أو ما دونها، ولا يجوز لمسلم أن يرى ضرراً ينزل به أو بغيره ويقدر على إزالته ولا يزيله.