معضلة التحليل السياسي
الاثنين / 10 / جمادى الأولى / 1443 هـ الثلاثاء 14 ديسمبر 2021 00:00
طلال صالح بنان
هل هناك ما يمكن أن يطلق عليه تحليل سياسي موضوعي، مجرد أو محايد. لتوسيع الموضوع أكثر: هل هناك في الخطاب الاجتماعي، أو ما يسمى بالعلوم الاجتماعية، ما يمكن أن تُطبق عليه أساليب البحث العلمي المجردة، كتلك السائدة في العلوم الطبيعية.
مشكلة العلوم الاجتماعية، ومنها علم السياسة، هو تدخل أو تداخل العنصر البشري في مواضيع اهتماماتها. هناك ما يطلق عليه، متغير «الشخصنة» في العلوم الاجتماعية، التي تغلب فيه أفكار ومعتقدات وتوجهات وأيديولوجيات الباحث، التي تصطبغ بها دراسته وأطروحاته وآراؤه، بحيث لا يمكنه الفكاك منها، مهما حاول الاجتهاد أن يبقى موضوعياً ومحايداً، وإن لجأ في بعض الأحيان، لأدوات البحث العلمي الرقمية، وتشبثه بمنهج وصفي للظاهرة موضع الدراسة، في محاولة الابتعاد عن شبهة الشخصنة في دراساته.
من هنا لا ننتظر من الباحث أو المحلل السياسي، أن يكون موضوعياً ومحايداً، على إطلاق مفهومي الموضوعية والحياد، مهما بلغت براعته في الكتابة.. وسلاسة أسلوبه.. وبلاغة لغته.. وكثرة استخدامه للأرقام والإحصاءات، وحرصه على استخدام المعلومات الموثقة والدقيقة. الباحث أو المحلل السياسي الرصين، في النهاية: لا يكذب، وإن أظهر فقط نصف الحقيقة، محاولاً إخفاء النصف أو الجزء الآخر، الذي لا يروق لتوجهاته ومعتقداته وميوله السياسية. وإن حدث وقدم الحقيقة كاملة، فإنه يعطي تحليلاً وتفسيراً يتماهى مع توجهاته ومعتقداته وميوله السياسية والأخلاقية، وإن اجتهد في إخفاء ذلك.
هذه هي آفة الإعلام، حتى في المجتمعات التي تتحرى من الناحية الأخلاقية والقانونية الالتزام بما يسمى (المهنية الصحافية والمسؤولية الأدبية). في المجتمعات الليبرالية المتقدمة، يمكن القول بأن بها صحافة أو إعلاماً حُرّيين، إلا أنه لا يمكن الزعم أن بها صحافة أو إعلاماً محايدين أو موضوعيين. كما تنقسم تلك المجتمعات، وفقاً لخريطة التعددية السياسية والاجتماعية والطبقية والثقافية السائدة بها، التي يمكن إيجازها في تيارين فكريين رئيسيين (ليبرالي ومحافظ)... وأحياناً يبرز بينهما تيار (وسطي)، إلا أن هذا الأخير لا يصل إلى قوة التيارين الرئيسيين، اللذَين يشكلان قطبية التوازن السياسي والمجتمعي في تلك المجتمعات.
في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، تجد هذه الازدواجية السياسية. إعلامياً: في المحطات الفضائية التي تسمى ليبرالية، مثل سي إن إن، إن بي سي وأي بي سي، وتلك التي تسمى محافظة أو يمينية، مثل: فوكس نيوز وماكس نيوز. نفس هذه الثنائية تجدها في أكبر الصحف الأمريكية. في الجانب الليبرالي، نجد: واشنطن بوست ونيويورك تايمز. يقابلهما من الصحف اليمينية المحافظة: نيويورك بوست وواشنطن تايمز.
كل وسائط الصحافة والإعلام، في الولايات المتحدة لها صحافيوها المهنيون، ولها جمهورها العريض المتابع لها، إلا أنه يجمعها قاسم مشترك واحد: خلفيتها السياسية والأيديولوجية المتضادة، رغم حرصها على المعلومة الصحيحة الموثقة.. وتحريها المصداقية والشفافية.. وبمهنيتها الاحترافية العالية، فهي جميعاً مؤدلجة وبالتالي: غير محايدة، وكثيراً ما تجنح عن الموضوعية، مواكبةً لخلفية جمهورها السياسية والأيديولوجية، وكذا مصالح من تمثلهم في صناعة الصحافة والإعلام الأمريكية.
يبقى على متلقي الرسالة الإعلامية، اعتماداً على وعيه ونظامه القيمي الخاص به، لكشف الحقيقة وبناء تصوره السياسي والأخلاقي الخاص به، مع تمسكه بقناعة قوية أنه ليس هناك رسالة إعلامية محايدة أو موضوعية، بصورة مطلقة قطعية.
مشكلة العلوم الاجتماعية، ومنها علم السياسة، هو تدخل أو تداخل العنصر البشري في مواضيع اهتماماتها. هناك ما يطلق عليه، متغير «الشخصنة» في العلوم الاجتماعية، التي تغلب فيه أفكار ومعتقدات وتوجهات وأيديولوجيات الباحث، التي تصطبغ بها دراسته وأطروحاته وآراؤه، بحيث لا يمكنه الفكاك منها، مهما حاول الاجتهاد أن يبقى موضوعياً ومحايداً، وإن لجأ في بعض الأحيان، لأدوات البحث العلمي الرقمية، وتشبثه بمنهج وصفي للظاهرة موضع الدراسة، في محاولة الابتعاد عن شبهة الشخصنة في دراساته.
من هنا لا ننتظر من الباحث أو المحلل السياسي، أن يكون موضوعياً ومحايداً، على إطلاق مفهومي الموضوعية والحياد، مهما بلغت براعته في الكتابة.. وسلاسة أسلوبه.. وبلاغة لغته.. وكثرة استخدامه للأرقام والإحصاءات، وحرصه على استخدام المعلومات الموثقة والدقيقة. الباحث أو المحلل السياسي الرصين، في النهاية: لا يكذب، وإن أظهر فقط نصف الحقيقة، محاولاً إخفاء النصف أو الجزء الآخر، الذي لا يروق لتوجهاته ومعتقداته وميوله السياسية. وإن حدث وقدم الحقيقة كاملة، فإنه يعطي تحليلاً وتفسيراً يتماهى مع توجهاته ومعتقداته وميوله السياسية والأخلاقية، وإن اجتهد في إخفاء ذلك.
هذه هي آفة الإعلام، حتى في المجتمعات التي تتحرى من الناحية الأخلاقية والقانونية الالتزام بما يسمى (المهنية الصحافية والمسؤولية الأدبية). في المجتمعات الليبرالية المتقدمة، يمكن القول بأن بها صحافة أو إعلاماً حُرّيين، إلا أنه لا يمكن الزعم أن بها صحافة أو إعلاماً محايدين أو موضوعيين. كما تنقسم تلك المجتمعات، وفقاً لخريطة التعددية السياسية والاجتماعية والطبقية والثقافية السائدة بها، التي يمكن إيجازها في تيارين فكريين رئيسيين (ليبرالي ومحافظ)... وأحياناً يبرز بينهما تيار (وسطي)، إلا أن هذا الأخير لا يصل إلى قوة التيارين الرئيسيين، اللذَين يشكلان قطبية التوازن السياسي والمجتمعي في تلك المجتمعات.
في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، تجد هذه الازدواجية السياسية. إعلامياً: في المحطات الفضائية التي تسمى ليبرالية، مثل سي إن إن، إن بي سي وأي بي سي، وتلك التي تسمى محافظة أو يمينية، مثل: فوكس نيوز وماكس نيوز. نفس هذه الثنائية تجدها في أكبر الصحف الأمريكية. في الجانب الليبرالي، نجد: واشنطن بوست ونيويورك تايمز. يقابلهما من الصحف اليمينية المحافظة: نيويورك بوست وواشنطن تايمز.
كل وسائط الصحافة والإعلام، في الولايات المتحدة لها صحافيوها المهنيون، ولها جمهورها العريض المتابع لها، إلا أنه يجمعها قاسم مشترك واحد: خلفيتها السياسية والأيديولوجية المتضادة، رغم حرصها على المعلومة الصحيحة الموثقة.. وتحريها المصداقية والشفافية.. وبمهنيتها الاحترافية العالية، فهي جميعاً مؤدلجة وبالتالي: غير محايدة، وكثيراً ما تجنح عن الموضوعية، مواكبةً لخلفية جمهورها السياسية والأيديولوجية، وكذا مصالح من تمثلهم في صناعة الصحافة والإعلام الأمريكية.
يبقى على متلقي الرسالة الإعلامية، اعتماداً على وعيه ونظامه القيمي الخاص به، لكشف الحقيقة وبناء تصوره السياسي والأخلاقي الخاص به، مع تمسكه بقناعة قوية أنه ليس هناك رسالة إعلامية محايدة أو موضوعية، بصورة مطلقة قطعية.