كتاب ومقالات

كابوسية فيلم «ريش» وانغلاقه

عبده خال

محظوظ فيلم (ريش) بالصخب الذي أحدثه.. ربما كان المكان الرث هو الذي ساعد في تهيج المشاعر وخلق حالتين من السخط والتعاطف، ومصدر تلكما الحالتين من جهات مختلفة، فسخط المصريين جاء من تعرية الواقع، بكل مكونات الفقر المدقع، مما جعل النقاد الفنيين يلومون على الفيلم أنه اتجه إلى تعميم حالة الفقر، والتركيز عليه كوجود حقيقي من غير تكبير الصورة لإظهار تنوع الحياة لدى المصريين، واعتبار الفيلم إساءة واضحة لمصر، وهذا اللوم جاء من خارج الفيلم لا يحمل أي رؤية فنية سينمائية، سواء كانت الملاحظات على السيناريو أو الإخراج أو التصوير، أو الممثلين، ولم يكن ذلك السخط إلا محفزا للجمهور لمشاهدة الفيلم.

وأعتبر فوز فيلم (ريش) بالجائزة الكبرى للنقاد في مهرجان كان، هو ما يمثل تعاطف النقاد مع الحالة الرثة التي جسدها الفيلم، ولا أغيب الجانب السياسي في ذلك التعاطف، ولكي لا أدخل في زمرة الساخطين أو المتعاطفين لأسباب غير فنية، أجدني أتجرد من الحالتين، وأنطلق من فكرة الفيلم التي قامت على المدرسة الكافكاوية نسبة للروائي الفذ التشيكي فرانز كافكا رائد الكتابة الكابوسية، التي دُشنت برواية المسخ، ففيلم (ريش) انطلقت الفكرة من باب المسخ حين يتحول الزوج إلى دجاجة (وإن ظهرت في الفيلم أوزة)، هذا العالم الممسوخ يعطي الفيلم دفعة قوية في قراءة الرسائل المبثوثة، فكل مشاهد للفيلم يقرأ الرسالة وفق ما يعتمل في داخله، وتلك التعددية تضيف جانبا مهما في مستويات التلقي، هذه المستويات لا تقف عند مركزية موحدة في الرؤية، وإن كان قول مخرج الفيلم والمشارك في كتابة السيناريو (عمر الزهيري) إن فيلمه «إعادة اكتشاف الطبيعة الإنسانية، التي تراجعت في زمن طغت عليه المادية».

وهو رأي لا يتسق مع معطيات الفيلم، فالفكرة الجوهرية للفيلم هي مسخ الواقع، وليس تقديم الواقع، والمسخ حالة ضد الطبيعة.

الفيلم ذهب عميقا ضد الإنسانية.

وإن كانت ثمة ملاحظة فالترميز لم يحمل مفاتيح لفك انغلاق المشاهد وتراكمها، وهذا أدى لتشتت المشاهد، وحمله على بناء فهم خاص بعيد عما فكر به مخرج العمل (إخراجيا وكتابيا).. الفيلم حمل رثاثة الواقع، وانغلاق فهم المشاهد عما أراد الفيلم قوله، فقط بقي المشاهد عالقا بين كابوسية المشاهد، والبحث عن مفاتيح توصله إلى فهم الرسالة الحقيقية التي عليه أن ينافح عنها، فالتعاطف وسيلة كسيحة لتغيير الواقع الرث الذي جسده الفيلم.