كتاب ومقالات

الإسلام الحركي الشيعي يطل على القطيف مرة أخرى

كامل الخطي

طالعتنا الأخبار المحلية المتداولة على مستوى محافظة القطيف ونواحيها بزيارة قام بها رجل دين مقيم في العراق اسمه عبدالكريم الحائري، ولي على زيارته بعض الملاحظات أضعها برسم من رَتّبَ زيارته ومن استقبله واحتفى به؛ إذ أظن ببعضهم خيرًا، وأعلم أن بعضهم يتمتع بقدر من الحكمة وبعد النظر تراكمتا لديه نتيجة خبرات حياتية وتجارب ذات طابع فريد خاضها في ماضيه وتعلم منها بعض الدروس، أو هكذا أحسب بعضهم!

يُحْسَب عبدالكريم الحائري على الإسلام الحركي في المجمل، ويُحْسَب على منظمة العمل الإسلامي على وجه التحديد، ومنظمة العمل الإسلامي كما يعلم المتابعون، هي الذراع الحركية العراقية لحركة الطلائع الرساليين، أو كما يطلق عليهم في الأوساط الشعبية «التيار الشيرازي». ربما اعترض أحدٌ على هذا الوصف على اعتبار أن ما عُرِفَ بـ«التيار الشيرازي» لم يعد له ذلك الوجود الذي كان له حين أطلقت الأوساط الشعبية على مجموعة تنظيمات حركية إسلامية شيعية هذا الاسم الجامع لأن تلك التنظيمات كانت تتخذ من محمد مهدي الشيرازي مرجع تقليد لها، وبعد وفاته حدث داخل البيت الشيرازي انقسام بين أخ المرجع الراحل وأبناء أخته آل المدرسي، فتأثرت، نتيجة الانقسام، مجاميع المنضوين تحت مرجعية محمد مهدي الشيرازي، فرجع بعضهم لأخِ المرجع الراحل، ورجع بعضهم إلى ابن أخت المرجع الراحل، وأعلن بعضهم اختيار مرجع تقليد من خارج الأطر الحزبية للتيار. إلا أن زيارة عبدالكريم الحائري محافظة القطيف أظهرت أن رفاق الأمس يحتفظون بروابطهم البينية إلى اليوم وإن أظهروا خلاف ذلك! وفي هذا المقام، ومن منطلق الحرص على حالة الاستقرار والطمأنينة التي تشهدها المحافظة منذ الهزيمة الساحقة التي أنزلتها القوات الأمنية بالعصابات المسلحة، أناشد أصحاب العقول للعمل على الحفاظ على ما تحقق من المكتسبات والعمل على زيادة تلك المكتسبات بالاستمرار في ترسيخ الثقة والتعامل الشفاف، وحث الكفاءات على الانخراط الكلي في مسيرة التغيير الوطني الشامل التي نعيش مفاعيلها ونلمس نتائجها الإيجابية بشكل يومي؛ لا أن يفتحوا دواوينهم ومجالسهم لمن يقوم بحملة تسويق يحاول بها الترويج لآماله المستقبلية، ويطمح لأن تكون المنطقة من مواقع الجباية المحتملة لتمويل مشروع بناء المجد الشخصي لأحد المنشقين عن التيار الأم؛ إذ يكفي ما دفعته المنطقة من ثمن كان مرتفعًا جدا بسبب التسييس المذهبي.

ملاحظاتي هي:

- جلّ محتضني الزيارة ورعاتها هم من الكوادر الحركية السابقة الذين نفترض فيهم قيامهم بقلب صفحة الماضي بعد نيلهم عفوا ملكيا كريما عادت غالبيتهم إثره إلى المملكة بين عامي ١٩٩٣ و١٩٩٤، ومنحتهم قيادة المملكة ما فاق توقعات أكثرهم تفاؤلًا؛ كما بذلت كوادر النخبة من العائدين كل جهد ممكن لإقناع القيادة والمجتمع بأن صفحة الماضي انطوت، وأنهم شركاء في بناء مستقبل يتعايش فيه الجميع بالتساوي وفي أمن وأمان، وأن مسطرة الوطن هي المقياس، ولكن استقبال الحائري ومستوى الحفاوة به، أظهرا أن مفهوم «الجماعة» لا يزال هو المفهوم السائد، وأن مفهوم «الوطن» لم يزل في الطور اللفظي، ولَم يرقَ بعد إلى مستوى التمثل العملي عند هذه الفئة من الناس.

- رغم أني لا أدّعي القدرة على تحديد المستوى العلمي لطلاب الحوزات العلمية الشيعية، فليس هذا تخصصي، وليس هذا من الأمور التي أتقنها، لكني لم أقف على إنتاج علمي أو معرفي لعبدالكريم الحائري يجعل منه مستحقاً لأن يغامر من أجله وفي سبيله، وأجزم أن كثيرا من طلبة الحوزات الشيعية من السعوديين الموجودين داخل البلاد وخارجها، تتعدى مستوياتهم العلمية، مستوى عبدالكريم الحائري بمراحل، مما يفرض سؤالا حول السر الذي يقف خلف الحفاوة والتكريم اللذين حظي بهما هذا الزائر الذي لا يعرف له إسهام يسعى لتحسين حياة الناس، ولا أجد إلا جوابا واحدا يكمن في العلاقة الحزبية التي تربط بين المحتفين والمحتفى به.

إن الحالة الشيعية في المملكة موضع اهتمام بالغ من قبل القيادة الرشيدة -أيدها الله-، وسعي القيادة إلى بناء جسور مع من تتوسم فيهم العقلانية وحسن تقدير الواجبات الوطنية، سعي لا يتوقف؛ لكن إذا استمرت فئة من معممي الشيعة في التصرف بما من شأنه إرسال رسائل سلبية تحمل في طياتها مؤشرات احتضان التطرف القادم من وراء الحدود، والذي قد يؤدي إلى فقدان ميزتي الاستقرار والطمأنينة، فإن حكومة المملكة قادرة على اجتراح الحلول التي من شأنها تحييد الأنشطة المتطرفة واستبعاد خطرها، وإحلال كل ما من شأنه ترسيخ القيم الإيجابية التي تتراكم تباعًا نتيجة لمجمل النشاط الرسمي الذي يتنوع بين الرعاية والتنمية والقدرة الأمنية الفائقة. إن حزمة الحلول والأنشطة الرسمية قد مهدت الدرب الذي يقود نحو انسجام الكتلة البشرية من المواطنين الشيعة في النسيج الوطني بشكل سلس وآمن، والمكتسبات التي تحققت على هذا الصعيد كثيرة، وإذا قررت القيادة تبني أي إجراء لحماية المكتسبات المتحققة، فستواجه تلك الإجراءات بحالة احتضان وتبنٍّ من قبل مجاميع من النخب الشيعية الوطنية التي تسعى للانعتاق من هيمنة الخطاب المذهبي الذي يعمل على عزل الشيعة عن محيطهم الوطني عبر ترويج الشك والريبة المؤديين إلى الكراهية المتبادلة واستدامة قلق ازدواج الهوية.

أفيقوا يرحمكم الله، فألسنة ذوي العقول تلهج صادقة، آناء الليل وأطراف النهار بالدعاء الذي يقول: اللهم آمنّا في أوطاننا وأدم علينا نعمة الأمن والاستقرار في بلادنا وسائر بلاد المسلمين، اللهم من أرادنا وبلادنا بسوء فأشغله بنفسه ورُدّ كيده في نحره واجعل تدبيره تدميرًا عليه يا رب العالمين.