كتاب ومقالات

أصحاب ولا أعز

عبدالله بن بخيت

يجدر أن أشير أن هذا الفيلم (أصحاب ولا أعز) مأخوذ (نسخ لصق) من فيلم إيطالي بعنوان perfect strangers

العنوان العربي ينطوي على إشارة مباشرة تعبّر عن الصورة العامة دون التفاصيل التي يرمي إليها الفيلم بينما العنوان الأصلي يقودنا إلى جوهر النص المكتوب. فهؤلاء رغم أنهم أصدقاء تبقى بينهم مناطق مجهولة ومخفية بإصرار لا يعرفونها عن بعضهم البعض. منذ الأزل والإنسان يخفي الجزء الأسود أو المشين من أسراره عن الآخرين. في الماضي قبل الجوال كان السر يبقى في النفوس وفي أماكن ممارسته البعيدة، لا يقتحم حياتك في عقر دارك. قضية الفيلم ترتكز على الجوال الذي أصبح مستودع حياتنا وأسرارنا وأعمالنا بل وخساسات كثير من الناس. اللعبة الجهنمية التي تورط فيها شخوص الفيلم تكشف لنا هذه الحقيقة البشرية. فكل إنسان يخفي في داخله بعض المتعلقات من حياته حتى عن أقرب الناس إليه. مسألة الميول الجنسية الشاذة التي سببت هذا الإزعاج والنقد للفيلم ورفعت درجة مشاهداته تأتي صدمة لما تنطوي عليه من مخالفة للفطرة السوية وتتصادم مع ثقافتنا ومفاهيمنا. لكن هذه الميول الشاذة مهما أخفاها صاحبها لا بد أن تتوفر في مستودع الأسرار الجديد. فبقدر ما يحتفظ الجوال بالأفراح والمسرات والتسالي والأعمال والمواعيد يحتفظ أيضا بالخساسات التي تنطوي عليها نفوس بعض النفوس. لا يمكن أن يفلت سر من أسرار الإنسان من التموضع داخل جهاز الجوال.

قامت دراما الفيلم على لعبة مدمرة لا يمكن قبولها. أن يترك كل واحد من الضيوف رجالاً ونساءً جوالتهم عرضة لاطلاع الآخرين. كل ما يرد إلى الجوال يحق للآخرين الاطلاع عليه. الرسائل والمكالمات ورسائل الواتس اب وأي شيء آخر. بدأت المسألة بتسلية وأصبحت مأساة. صدف أن كان بين المدعوين رجل أعزب شاذ جنسياً تبادل مع شخصية أخرى متزوج الجوالات فلبست تهمة الشذوذ الشخص المتزوج. ونظراً لشهامة هذا الرجل العجيبة أصر على الدفاع عن نفسه بطرق ملتوية لكي لا يبوح بالحقيقة احتراماً لخصوصية صديقه الشاذ. من هنا يأتي التصعيد ويصل الفيلم إلى ذروته.

العمل لم يصار إلى تعريبه أي لم يتدخل أحد في تكييف النص لكي يتفق مع الذائقة والثقافة العربية. فكرة العمل لا يمكن أن تتوفر في المجتمعات العربية. لا يمكن أن يجتمع رجال ونساء عرب على مائدة شبيهة بالمائدة التي جلس عليها أبطال الفيلم لاختلاف السياق الثقافي وخاصة النظرة للعائلة. لا يمكن لأب عربي أن يستقبل مكالمة من ابنته المراهقة تخبره فيها أنها سوف تنام مع صديقها الليلة وأن تكتشف الأم الواقي الذكري في حقيبة ابنتها، وحتى لعبة فضح محتوى الجوالات لا يمكن أن يلعبها الرجال مع نسائهم ولا حتى الأصدقاء الرجال مع بعضهم.

الفكرة جريئة وقوية إذا نظرنا إليها من وجهة نظر غربية ومستهجنه من وجهة النظر العربية. في الحقيقة ما جرى تعريب ما لا يعرب. ترجمة أمينة كما نترجم الروايات. مع الحذر أن الفيلم يبقى فلماً وليس بالضرورة أن يعكس المجتمع الذي يدعي انتسابه له. غالبية الأعمال الفنية وخاصة التجارية تنشد الإدهاش. تبتعد وتقترب من الواقع بقدر ما تحقق أكبر كمية من الإدهاش والتوتر. علينا ألا نتلقى الأعمال كموعظة. فالفنانون والمنتجون ليسوا رجال دين أو مصلحين.

كانت اللعبة التي خاض فيها الأصحاب في غاية السوء. أن ينكشف كل واحد أمام الآخر. جميعنا اليوم ندرك أن الجوال يمثل المستودع الذي يوجد فيه الإنسان وحيداً مع نفسه. هو المكان الذي لا يسمح كثير من الناس للآخرين أن يطأه مهما كلف الأمر. هذا الفيلم يكشف مستودع كل إنسان ذكراً كان أو أنثى، هذا ليس غريباً علينا إذا تذكرنا كثيراً من التعليقات والنكت التي تجوب الواتس اب. تلك الطرائف التي تتحدث عن اكتشاف الزوجة محتويات جوال زوجها. هذا الفيلم ربما يوقظنا على هذه الحقيقة. ربما يأتي يوم يتحول فيه المزح والنكت وصور (هلا بالخميس) إلى حقيقة قائمة تقف عليها الزوجة أو رقيبك الأخلاقي كأمك أو أبوك.

في الدراما يجب إلا توجد ثغرة تتيح للمشاهد العادي أن ينفذ منها لأفشال التصعيد الدرامي أي أن يتنبأ بالحل أو بالمنفذ كما في هذا النص. إصرار الزوج على ترك غموض وضعه الجنسي حتى بعد انهيار زوجته لا مبرر له. كان بإمكانه أن يأخذ زوجته على جنب ويخبرها بأن الجوال الذي خاطب فيه الشاذ على الطرف الآخر ليس جواله دون أن يعلم الآخرون. لكن هذا الأجراء كان سيكلف الفيلم أقوى ما فيه، فضحى مخرج العمل بذكاء المشاهد ودفع بالصراع والتصعيد إلى قضية أخرى لا تقل عنها خطورة بأن اكتشف الزوج أن زوجته أيضا تشوبها تهمة الخيانة. نقل الصراع الدرامي من نقطة صراع إلى نقطة صراع أخرى لا تنطلي إلا على المشاهد الذي غرق في القضية الأولى (الشذوذ) واستحوذت عليه الأخلاق الحميدة. ففقد السيطرة على مشاعره بسبب الاندماج في القضية الأخلاقية الكبرى رغم أن المشاهد يعرف أصلاً أن الزوج بريء من تهمة الشذوذ. كان للفنانة منى زكي دور كبير عندما سيطرت بجدارة على المشهد بالكامل. جعلت التصعيد يدخل مراحل متقدمة من التوتر. هذا ما جعل كثيراً ممن علقوا على الفيلم بوصفه حالة شذوذ جنسي يقعون في الفخ، فابتعد ذهن المشاهد عن جوهر العمل. التعليق على خطورة الجوال في حياتنا وما يشكله من تهديد وابتعدت أذهانهم أكثر عن ضعف الحبكة الأصلية من الناحية الدرامية.