كتاب ومقالات

مصر بمن حضر

وفاء الرشيد

قبل سبع وأربعين سنة رحلت «الست»..الفنانة التي طبعت عصرها وصدح صوتها في كل مكان، وكانت من أهم رموز الثقافة العربية في القرن العشرين.

كانت أم كلثوم من ثلاث ظواهر كبرى تبرز نهضة مصر الحديثة في المجال الثقافي، بالإضافة إلى عميد الأدب العربي ورائد التنوير الكبير طه حسين، ومؤسس التقاليد السينمائية والمسرحية المعاصرة يوسف وهبي.

طه حسين هو الذي طرح مشروعا طموحا لتحديث الثقافة في مصر من خلال كتابه المعروف «مستقبل الثقافة في مصر»، وقد اعتبر فيه أن مصر جزء من الحضارة الأوروبية وعليها أن تسلك نفس المسلك الذي سلكه الأوروبيون في المدنية والثقافة والسلوك الاجتماعي والحضاري. كما أنه بلور حقل الإسلاميات الحديثة، وصاغ التوجهات الجديدة في النقد الأدبي من خلال كتبه في الشعر الجاهلي التي أثارت جدلا واسعا، والأدبين الأموي والعباسي، وقراءته غير المسبوقة لأبي العلاء المعري والمتنبي.

كان طه حسين مكملا لمشروع تحديث الدولة في مرحلة ما بعد الخلافة، الذي طرحه علي عبدالرازق في كتابه الشهير «الإسلام وأصول الحكم»، ولمشروع التحرر الاجتماعي والنهوض بالمرأة الذي طرحه قاسم أمين، وحامل مشروع التجديد والإصلاح الذي وضعه الإصلاحي الكبير الإمام محمد عبده.

أما أم كلثوم فهي أيقونة الموسيقى العربية الحديثة، من حيث الألحان والكلمات والأداء، صاغت في تأليف رائع التراث الفني والشعري العربي بما فيه عيونه الجمالية الكبرى والآلات الموسيقية الجديدة، في تناغم مع الأدوات الأصيلة، مبتكرة لأول مرة أسلوب الفرقة الموسعة المتناسقة والحفل الجماعي الموسمي. لم تكن ظاهرة أم كلثوم معزولة عن الوسط الثقافي والاجتماعي العام، بل كانت من الرموز الكبرى المؤثرة في مصر منذ مرحلة ما بعد الحربين إلى وفاتها.. كانت عنصرا فاعلا من عناصر الهوية الوطنية المصرية، ورمزا بارزا من رموز الوحدة العربية الشاملة في عصر المد القومي الواسع.

أما يوسف وهبي فهو الذي أدخل تقاليد الفن المسرحي والتمثيل السينمائي إلى مصر والعالم العربي، فكان له إسهام كبير في بلورة إحدى أهم قنوات التحديث الاجتماعي والثقافي في العالم العربي. السينما المصرية المعاصرة عكست في آن واحد الواقع الاجتماعي ورهاناته وكانت عاملا دافعا للتغيير والتقدم.

لا مناص من الاعتراف أن ثقافتنا العربية تعيش حاليا مرحلة جمود وانحطاط عميقة في المستويات الثلاثة: الفكر والأدب، الفن والموسيقى، التمثيل والمسرح، في الوقت الذي ترتفع أصوات التطرف والانغلاق والتعصب، ونزعات التكفير والتشدد الديني.

ولا شك أن السعودية التي دفعت في الماضي ثمنا باهظا لهذه المظاهر والظواهر، تعيش اليوم أهم تجربة إصلاح وتحديث في محيطها العربي، من أهم سماتها إستراتيجية الترفيه التي اعتمدتها الدولة في السنوات الأخيرة.

لن يضر السعودية إسقاطات محمد صبحي، فالمملكة استقطبت بنجاح رموز الفن والمسرح والسينما عربيا ودوليا.

السعودية اليوم تعيش العصر الذهبي للتجديد الثقافي، وتواصل الثورة الحضارية الكبرى التي بدأت في مصر مع رموز الفكر والإبداع الثلاثة.