المُعارضة المُتديّنة.. خُلِقت لتعترض!
الخميس / 09 / رجب / 1443 هـ الخميس 10 فبراير 2022 23:48
علي بن محمد الرباعي
في أحد معارض الكُتب، سألتُ الناشر السوري الصديق مجد حيدر، كتاباً للشاعر الراحل علي الجندي، فقال: سأبحثُ عنه في الدور السورية، وأنت اِنتظرني هنا، فوقفتُ في الجناح، وإذا بسيدة خمسينية، ومعها ابنها، (ربما لم يبلغ العاشرة)، تسألني: بالله عندك كتاب (خُلِقنا لنعترض)؟ فغلبتني روح الدُعابة، وقلت: عندي كتاب؛ خُلقنا لنقترض! فصمتنا لبُرهة، وقالت: بتمزح؟ فأجبتُها: عفواً منك لماذا يُفترض أن نعترض؟ ودخلنا في حوار جدلي، توقّف عندما سألتُها: هل أنتِ مع الفوضى، ضدّ النظام؟
ومن ذكريات الحقبة الصحوية، وإثر فراغي من إمامة المصلين في صلاة عِشاء، داهم المحراب شخص دون استئذان، وقابل بوجهه المصلين المحدودين، وانبرى لإلقاء موعظة ناقمة وشاجبة، ومستنكرة لأمور لم أسمع بها لا أنا ولا الحضور، وأفاض في حديثه المكرور المُمِل في مساحة زمنية ومكانية لا تحتمل الإفاضة، وانتهى من طرحه الساخن، وتريثتُ لأداء السُّنة والوتر، ونحن خارجون من باب الجامع، ألفيتُه ينتظرني، فاعتذر مني، وقال: ربما أطلتُ عليكم، ولكن للضرورة أحكام! فسألته وأنا أعلم: هل تتقاضى راتبك من الدولة؟ فقال: نعم فأنا مُدرّس. فقلت: معارضتك يشوبها خلل. فسأل: ماذا تعني؟ فقلتُ: لكي يكتسب المُعارض مصداقيةً ينبغي ألّا يتقاضى رواتبه ومخصصاته من الحكومة، ولا يستمتع بما جمع أهله من أموال الدولة! فقال: الراتب حق من حقوقي. قلت: الواجبات مقدمة على الحقوق، إلا إذا كان المواطن طماعاً لئيماً. فسكت، ثم (فرّقتنا النوى زمناً، ثم لمّت شتات نوانا في منزل صديق مشترك)، وكان في تلك الليلة وديعاً ومسالماً ومحتفلاً بالدنيا، وعبّر عن امتنانه، لقناعته لاحقاً بما سبق وقلته عن اللؤم، والتنكّر للمعروف.
نَزَعتْ الأدلجةُ (القداسةَ) عن الدِّين، وأقحمته على السياسة، وأحالت سمتَ المتديّن الراجي عفو ربه، والطامع بستره في الدنيا والآخرة، إلى توتّر ثائر هاجسه التحشيد وتجييش المواطنين ضد الأوطان، ولا أشك أن بعض الثورات مصنوعة، وبعضها مصطنع، وبعضها مربحة لأطراف، ومخسّرة لآخرين ممن يدفعون ثمن حماقات، ولو أنصفوا يوماً لأقرّوا بأنها من المتاجرة بالدِّين؛ لنيل مكاسب ومغانم عاجلة.
يُفترضُ في المتديّن أنه يحترم الله جل وعلا، ويحترم رسوله عليه الصلاة والسلام، ويحترم طمأنينة المجتمع وأمن الناس، ويحترم حياة الإنسان، فكيف قَبِلَ أو تقبّل أن يتخلى عن كل الاحترامات، ليعتنق مبدأ العِداء، والخصام والشحناء والمكر والنذالة مع دولته، ومعارضتها، متخذاً من التديّن مسوّغاً لثورته العمياء، علماً بأن الأديان نادت بالسلام، والتسليم، والمحبة وعدم إثارة الفتنة.
لا ريب أن سجايانا توجّه سلوكنا، وتكشف معدن أخلاقنا، وبالمخالطة غير الواعية تتأثر الميول، وتنحرف التصورات، ولو عُدنا إلى الستينات الميلادية، ورصدنا وتتبعنا نشوء الأحزاب اليسارية في بلادنا، لوجدناها وافدة، صادفت هوىً في نفوس البعض، واستعداداً فطرياً لدى طائفة أو مجموعة، استهوتها الشعارات الواهمة، واغتواها الخطاب الأجوف، لينكشف الزيف، ويتوقف انطلاء الخدعة بما ظهر من سوم اليساريين شعوبهم، ويلات لا تزال تداعياتها حتى اليوم.
اقتدى اليمين واليسار الإسلاموي، باليسار الديني واللاديني، ولم يُفلح في تحقيق أي مكتسبات أو منجزات، وداعب أحاسيس المحسوبين على الطبقات المحرومة، ليوظف طاقاتهم الانفعالية في فاشية تطمح لإعادة الإنسان لأزمنة القبائل المتوحشة في عصر التكنولوجيا وعلوم الفضاء ومخترعات النانو.
المتاعب الفردية نفسياً واقتصادياً واجتماعياً تورّط المُصابين بها، بتحولهم لوقود مجاني، ولحشود فوضوية، تتحكم فيها الهستيرية، المتجذرة في ذوات تريد تغليب وإعلاء شأن الساحر والمشعوذ على حساب المبدع والمخترع، وتكبيل الدساتير الوطنية التي تصون حق المواطنة، بأحبولة التاريخ المخبوص.
لم يخلق الله البشر ليعترضوا، وعندما رفع الشيطان راية الرفض، واعترض على السجود لآدم عليه السلام، استحق اللعنة، والطرد، فسعى لإخراج أبوينا من الجنة، ونجح، ولا يزال يمارس الدور إلى أن يورد الإنسان الهلاك، فيتبرأ ويردد: نفسي نفسي إني بريء منك، ولم يكن لي عليكم من سلطان، إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي.
دعاة ورموز المعارضات المتشحة بالدِّين شيطانيون، وكما فعل الشيطان الأول يفعلون، فحُرموا من نعمة الاستقرار في الوطن، وحلّت عليهم اللعنة، وتشردوا، وجعلوا من سعارهم طُعماً للسذج والصغار، فوجدوهم أوّل من يتخلى عنهم ويتركونهم رماداً للريح، وقشاشاً للنار.
طالب القرآن الكريم المؤمنين بإعمال العقل، والتدبر، والاعتبار بمصير السالفين والمعاصرين، فالأبصار والأفئدة والعقول وسائل تعلّم، نميّز بها الصدق من الكذب، ونفرّق بها بين أصيل ودخيل، وبين مُحب للخير، ومتبنٍ للشرّ، ولا وجود لحتميات مورّطة، طالما خيارات السلامة متاحة.
للتديّن الخاطئ أثر سلبي في إشغال الإنسان بما ليس من شغله، ومن أعجب المُفارقات، أن بعض المتدينين، وبرغم تعلّقه الوجداني والشعوري بالقرآن الكريم، واستشهاداته الدائمة بالآيات (ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى) إلا أنهم للشِقوةِ أَمْيَل، بجنوحهم لصف معارضة ظاهراً أو ضمناً، علماً بأن صريح الآيات ينهى عن التنازع والاختلاف، ويأمر بطاعة ولي الأمر.
التديّن الخاطئ المريض ينتج قناعات خاطئة مريضة، فتتلبس صاحبها حالة عداء ومعارضة للوطن، كونه يرى الكمالَ نقصاً، والعطاء بخساً، والجمال قُبحاً، ويتصور أنه القادر على تجميل الكون بالأحمر القاني لا الوردي.
تفعل الأدلجة فعلها، وتصيب المؤدلج بحالة فصام بين نفسه وعقله، وبين الذاتي والموضوعي، فيتصور أنه بكراهيته لوطن ربّاه وحماه يتقرّب لله.
ربما نحتاج هنا للطب النفسي لدراسة التناقضات والازدواجية التي يعيشها البعض ممن يفترض أنه أرقى الناس أخلاقاً بالتديّن، فكيف ساغ لهذا المتديّن، المتمسّك شكلياً بأدبيات الإسلام، أن يقع في الشتم والتطاول والغيبة والنميمة والحقد والحسد لقيادته، ويخون وطنه، مع علمه أن هذه الأخلاق المرذولة مذمومة ومحرّمة شرعاً.
وهل من لوازم التديّن أن تُعارض؟.. بحثتُ في كتب الأصول، والقواعد الفقهية، والمقاصد؛ لرصد واستجلاء تفاصيل مسؤولية الفرد المسلم في الحياة فوجدتها لا تتجاوز (عبادة الله وحده، وعدم أذية خلقه)، دون أي حمولات ثورية إضافية يرى الإسلام الأيديولوجي أنها من مقتضيات «لا إله إلا الله محمد رسول الله».
ومن ذكريات الحقبة الصحوية، وإثر فراغي من إمامة المصلين في صلاة عِشاء، داهم المحراب شخص دون استئذان، وقابل بوجهه المصلين المحدودين، وانبرى لإلقاء موعظة ناقمة وشاجبة، ومستنكرة لأمور لم أسمع بها لا أنا ولا الحضور، وأفاض في حديثه المكرور المُمِل في مساحة زمنية ومكانية لا تحتمل الإفاضة، وانتهى من طرحه الساخن، وتريثتُ لأداء السُّنة والوتر، ونحن خارجون من باب الجامع، ألفيتُه ينتظرني، فاعتذر مني، وقال: ربما أطلتُ عليكم، ولكن للضرورة أحكام! فسألته وأنا أعلم: هل تتقاضى راتبك من الدولة؟ فقال: نعم فأنا مُدرّس. فقلت: معارضتك يشوبها خلل. فسأل: ماذا تعني؟ فقلتُ: لكي يكتسب المُعارض مصداقيةً ينبغي ألّا يتقاضى رواتبه ومخصصاته من الحكومة، ولا يستمتع بما جمع أهله من أموال الدولة! فقال: الراتب حق من حقوقي. قلت: الواجبات مقدمة على الحقوق، إلا إذا كان المواطن طماعاً لئيماً. فسكت، ثم (فرّقتنا النوى زمناً، ثم لمّت شتات نوانا في منزل صديق مشترك)، وكان في تلك الليلة وديعاً ومسالماً ومحتفلاً بالدنيا، وعبّر عن امتنانه، لقناعته لاحقاً بما سبق وقلته عن اللؤم، والتنكّر للمعروف.
نَزَعتْ الأدلجةُ (القداسةَ) عن الدِّين، وأقحمته على السياسة، وأحالت سمتَ المتديّن الراجي عفو ربه، والطامع بستره في الدنيا والآخرة، إلى توتّر ثائر هاجسه التحشيد وتجييش المواطنين ضد الأوطان، ولا أشك أن بعض الثورات مصنوعة، وبعضها مصطنع، وبعضها مربحة لأطراف، ومخسّرة لآخرين ممن يدفعون ثمن حماقات، ولو أنصفوا يوماً لأقرّوا بأنها من المتاجرة بالدِّين؛ لنيل مكاسب ومغانم عاجلة.
يُفترضُ في المتديّن أنه يحترم الله جل وعلا، ويحترم رسوله عليه الصلاة والسلام، ويحترم طمأنينة المجتمع وأمن الناس، ويحترم حياة الإنسان، فكيف قَبِلَ أو تقبّل أن يتخلى عن كل الاحترامات، ليعتنق مبدأ العِداء، والخصام والشحناء والمكر والنذالة مع دولته، ومعارضتها، متخذاً من التديّن مسوّغاً لثورته العمياء، علماً بأن الأديان نادت بالسلام، والتسليم، والمحبة وعدم إثارة الفتنة.
لا ريب أن سجايانا توجّه سلوكنا، وتكشف معدن أخلاقنا، وبالمخالطة غير الواعية تتأثر الميول، وتنحرف التصورات، ولو عُدنا إلى الستينات الميلادية، ورصدنا وتتبعنا نشوء الأحزاب اليسارية في بلادنا، لوجدناها وافدة، صادفت هوىً في نفوس البعض، واستعداداً فطرياً لدى طائفة أو مجموعة، استهوتها الشعارات الواهمة، واغتواها الخطاب الأجوف، لينكشف الزيف، ويتوقف انطلاء الخدعة بما ظهر من سوم اليساريين شعوبهم، ويلات لا تزال تداعياتها حتى اليوم.
اقتدى اليمين واليسار الإسلاموي، باليسار الديني واللاديني، ولم يُفلح في تحقيق أي مكتسبات أو منجزات، وداعب أحاسيس المحسوبين على الطبقات المحرومة، ليوظف طاقاتهم الانفعالية في فاشية تطمح لإعادة الإنسان لأزمنة القبائل المتوحشة في عصر التكنولوجيا وعلوم الفضاء ومخترعات النانو.
المتاعب الفردية نفسياً واقتصادياً واجتماعياً تورّط المُصابين بها، بتحولهم لوقود مجاني، ولحشود فوضوية، تتحكم فيها الهستيرية، المتجذرة في ذوات تريد تغليب وإعلاء شأن الساحر والمشعوذ على حساب المبدع والمخترع، وتكبيل الدساتير الوطنية التي تصون حق المواطنة، بأحبولة التاريخ المخبوص.
لم يخلق الله البشر ليعترضوا، وعندما رفع الشيطان راية الرفض، واعترض على السجود لآدم عليه السلام، استحق اللعنة، والطرد، فسعى لإخراج أبوينا من الجنة، ونجح، ولا يزال يمارس الدور إلى أن يورد الإنسان الهلاك، فيتبرأ ويردد: نفسي نفسي إني بريء منك، ولم يكن لي عليكم من سلطان، إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي.
دعاة ورموز المعارضات المتشحة بالدِّين شيطانيون، وكما فعل الشيطان الأول يفعلون، فحُرموا من نعمة الاستقرار في الوطن، وحلّت عليهم اللعنة، وتشردوا، وجعلوا من سعارهم طُعماً للسذج والصغار، فوجدوهم أوّل من يتخلى عنهم ويتركونهم رماداً للريح، وقشاشاً للنار.
طالب القرآن الكريم المؤمنين بإعمال العقل، والتدبر، والاعتبار بمصير السالفين والمعاصرين، فالأبصار والأفئدة والعقول وسائل تعلّم، نميّز بها الصدق من الكذب، ونفرّق بها بين أصيل ودخيل، وبين مُحب للخير، ومتبنٍ للشرّ، ولا وجود لحتميات مورّطة، طالما خيارات السلامة متاحة.
للتديّن الخاطئ أثر سلبي في إشغال الإنسان بما ليس من شغله، ومن أعجب المُفارقات، أن بعض المتدينين، وبرغم تعلّقه الوجداني والشعوري بالقرآن الكريم، واستشهاداته الدائمة بالآيات (ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى) إلا أنهم للشِقوةِ أَمْيَل، بجنوحهم لصف معارضة ظاهراً أو ضمناً، علماً بأن صريح الآيات ينهى عن التنازع والاختلاف، ويأمر بطاعة ولي الأمر.
التديّن الخاطئ المريض ينتج قناعات خاطئة مريضة، فتتلبس صاحبها حالة عداء ومعارضة للوطن، كونه يرى الكمالَ نقصاً، والعطاء بخساً، والجمال قُبحاً، ويتصور أنه القادر على تجميل الكون بالأحمر القاني لا الوردي.
تفعل الأدلجة فعلها، وتصيب المؤدلج بحالة فصام بين نفسه وعقله، وبين الذاتي والموضوعي، فيتصور أنه بكراهيته لوطن ربّاه وحماه يتقرّب لله.
ربما نحتاج هنا للطب النفسي لدراسة التناقضات والازدواجية التي يعيشها البعض ممن يفترض أنه أرقى الناس أخلاقاً بالتديّن، فكيف ساغ لهذا المتديّن، المتمسّك شكلياً بأدبيات الإسلام، أن يقع في الشتم والتطاول والغيبة والنميمة والحقد والحسد لقيادته، ويخون وطنه، مع علمه أن هذه الأخلاق المرذولة مذمومة ومحرّمة شرعاً.
وهل من لوازم التديّن أن تُعارض؟.. بحثتُ في كتب الأصول، والقواعد الفقهية، والمقاصد؛ لرصد واستجلاء تفاصيل مسؤولية الفرد المسلم في الحياة فوجدتها لا تتجاوز (عبادة الله وحده، وعدم أذية خلقه)، دون أي حمولات ثورية إضافية يرى الإسلام الأيديولوجي أنها من مقتضيات «لا إله إلا الله محمد رسول الله».