الطّاقية اليهودية في الأزمة الجورجية !

سمير عابد شيخ

منذ التسعينات تتناحر روسيا وجورجيا حول اقليمي «اوسيتيا الجنوبية» و«أبخازيا»، اللذين يطالبان بالاستقلال عن جورجيا. ومنذ أحداث سبتمبر يتعرّض مسلمو «اوسيتيا الجنوبية» للضغوط الجورجية المدعومة من الحكومة الأمريكية بتهمة الارهاب أو رائحته! ولربما لا يكون صدفة أن تطوّرت العلاقات العسكرية بين جورجيا واسرائيل مدعومة بالاعانات الأمريكية الكبيرة للطرفين، وهوية وزير الدفاع الجورجي الاسرائيلية. ولقد شارك الوزير الاسرائيلي السابق «روني ميلو» بتنشيط تصدير المعدّات الاسرائيلية المتقدّمة، مثل أنظمة السيطرة الجوية وأنظمة الدفاع الجوي والاتصالات الحديثة الى جورجيا.
ولعلّ أهم ماصدّرته إسرائيل لجورجيا هي طائرات التجسس «هيرميز 450» (Hermes 450 UAV)، التي ستدار بطواقم عسكرية اسرائيلية داخل جورجيا، مستهدفة جنوب روسيا وايران. فاستخدام الأراضي الجورجية بموافقة الولايات المتحدة لاستهداف ايران يقرّب المسافات كثيرا أمام الطيران الإسرائيلي ذلك أنّ المسافة بين جورجيا وايران أقرب بكثير من المسافة بين اسرائيل وايران. كما أنّ عبور الطائرات الإسرائيلية سيتم من خلال تركيا وليس خلال المجال الجوي الشرق أوسطي الذي ستعترض عليه دول المنطقة.
وفي هذه الأجواء، قامت جورجيا في السابع من أغسطس بغزو “اوسيتيا الجنوبية”، ظنّا منها أن “بوتن” الذي كان يحضر الدورة الأولمبية في بيكين، سيؤخذ على غرّة ويوضع أمام الأمر الواقع. ولكن تلك المغامرة علّمت الرئيس الجورجي – الأمريكي الثقافة والهوى – درسا لن ينساه. فتلك المغامرة حملت في طيّاتها حلما غربياً/ اسرائيليا بالسيطرة على نفط وغاز منطقة القوغاز الغنية بمالايقل عن خمسة وثلاثين مليار برميل نفط وترليونات الأقدام المكعّبة من الغاز.
من أجل ذلك قامت مجموعة شركات نفط غربية بانشاء شبكة أنابيب عرفت باسم “الممر الشرقي الغربي للطاقة” (East West Energy Corridor) تمتد من باكو (أذربيجان) ومن ثم تبليسي (جورجيا) حتى الشواطئ التركية (جيهان). وكان من المقرّر تأسيس شبكة أخرى للغاز الطبيعي تمتد من جورجيا خلال تركيا وبلغاريا ورومانيا وهنغاريا حتى تصل الى النمسا. كما أنّ هناك أفكارا مبدئية وضعت لبناء خط أنابيب بين تركيا وميناء “أشكيلون” الاسرائيلي. وعليه فان هذه المنطقة تجسّد مصالح كبيرة عسكرية واقتصادية للمحور الغربي الاسرائيلي. ولقد أصبح هذا “الممر” فاعلا الآن ويتم من خلال تدفّق مليون برميل نفط يوميا توفّر 20% من حاجة النفط الإسرائيلية اضافة الى الاحتياج الأوروبي.
وهكذا يظهر جليا الدور المركزي الذي تريده الولايات المتّحدة وأوروبا وإسرائيل لجمهورية جورجيا. ولكن من السذاجة أن نغفل في هذا السّياق أنّ نجومية جورجيا وسيطرتها المرتقبة على حركة الطاقة من الشرق الى الغرب من جهة، ودورها العسكري للقيام بدور كلب حراسة لاسرائيل على ايران، وجوائزها الاقتصادية المنتظرة من الغرب، سيهمّش كثيرا الدور الروسي بل سيتعارض مع مصالحه في أكثر من مقطع.
وهكذا نرى أنّ هذه الحرب لاقليمية التي مازلنا نرى أشباحها على شاشات التفاز، تخفي وراء عباءتها خيوطا شديدة التعقيد! فماتزال قضيّة مسلمي “جنوب أوسيتيا” التي تعالجها جورجيا بأجهزة المخابرات الأمريكية والموساد القابعة في العاصمة الجورجية. ومازالت قضايا الطاقة عالقة بين جمهوريات الاتحاد السوفيتي سابقا والعالم الغربي واسرائيل ممثلا بشركات الطاقة العالمية ودعم حكوماتهم دبلوماسيا. ولا أظن انّ هذه الأزمة ستنتهي باطلاق بيانات أو بقبلات الوجنات كما في جامعتنا العربية العتيدة!
Samirabid@yahoo.com

للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 117 مسافة ثم الرسالة