منذ نهاية الحرب الباردة لم يشهد العالم تحسباً لكارثة عالمية مثلما هو يراقب هذه الأيام التصعيد الخطير لأزمة أوكرانيا بين روسيا ومعسكر الناتو، أو أمريكا تحديداً باعتبارها القوة الأكبر في الحلف، التي يسير خلف قراراتها بقية القطيع الأوروبي، وبذلك فإننا نشهد مواجهة حقيقية بين قطبي العالم، ما زالت في إطارها الإعلامي، لكن تعثر المساعي الدبلوماسية قد يدفع بالأمور للاقتراب من شفير الهاوية، أو السقوط فيها ليواجه العالم كارثة قد تكون غير مسبوقة في تأريخه.

كل ما حققته البشرية من إنجازات عقب الحرب العالمية الثانية أدت إلى تطوير وتحسين جودة الحياة بمختلف الاختراعات التقنية والعلمية والطبية قد يصبح في خبر كان إذا ارتكب القطبان حماقة المواجهة العسكرية لأنها لن تكون حرباً تقليدية؛ لأن ترسانة الأسلحة لكل منهما كافية لجعل الكرة الأرضية يباباً إذا ما انفلت زمام الأمور، وإذا كانت الحرب أولها الكلام فإن نهايتها لا يمكن التنبؤ بها، وهكذا كانت بدايات الحربين العالميتين في القرن الماضي، أزمات محدودة تطورت سريعاً إلى إحراق بلدان بأكملها وملايين الضحايا.

المشكلة أنه لا توجد أطراف قادرة على إقناع أقوى دولتين في العالم بالعدول عن مسار التصعيد. الرئيس بوتين واضح جداً في إصراره على تحييد أوكرانيا من انضوائها تحت جناح الناتو وتحويلها إلى بؤرة قلق أو خطر على أمن روسيا حتى لو أدى الأمر إلى التدخل العسكري الذي يجهز له بشكل علني، وفي الجانب الآخر تفتقد الإدارة الأمريكية الحالية إلى زعامات متزنة توازن المصالح مع الأضرار بالدخول في مواجهة روسيا عسكرياً وتأثير ذلك على العالم بأجمعه، وهناك التنين الصيني الذي يراقب الوضع ولا ندري بماذا سيفاجئنا لناحية موقفه مما يجري، الأمر الذي لو حدث فإنه سيزيد الأمور تعقيدا.

نحن في بداية الربع الأول من القرن الواحد والعشرين، فهل تسعى القوى العظمى إلى إعادة تشكيل العالم من جديد بطريقة غير تقليدية، أم أن جنون القوة المفرط سوف يؤدي إلى فقدان البشرية كل مكتسباتها بقرارات كارثية. فهل سوف تستمر أطراف الأزمة في طريق الجنون أم ستعود إلى طريق العقل والحكمة والاتزان؟