كتاب ومقالات

في الطريق إلى الإمبراطورية السعودية

محمد الساعد

في العام 1816 كانت مساحة الدولة السعودية الأولى تعادل تقريباً نصف مساحة الدولة العثمانية، لقد تقاسمتا النفوذ الجغرافي في الإقليم، لكن الفرق بينهما أن السعوديين كانوا يحررون أراضيهم ويؤسسون دولتهم، والأتراك محتلون يسرقون الثروات ويستعبدون الأحرار.

النفوذ الروحي كان بأيدي السعوديين بعدما استعادوا الحرمين الشريفين من الاحتلال العثماني، لقد وصلت الأراضي السعودية إلى منتصف الشام شمالاً وإلى بحر العرب جنوباً، وكانت خطوط الملاحة البرية والبحرية تمر عبر بحار رئيسية تطل عليها السعودية الأولى.

لقد كانت الدولة السعودية الناشئة والمؤسسة في 22 فبراير من العام 1727 على يدي الإمام محمد بن سعود في الدرعية في طريقها لتكون إمبراطورية عربية جديدة بعد أفول الأموية والعباسية والأندلسية، لكن يد الاغتيال الدولي وقفت بالمرصاد، فالعثمانيون وقوى محلية وبعض الدول العظمى حينها، حسمت أمرها بإجهاض الحلم العربي في مكان ولادته، ولذلك دكت المدفعية العثمانية الدرعية، واستخدمت التطهير العرقي والمذابح والترحيل القسري لتدمير المشروع، نجح العثمانيون لمدة سبعة أعوام فقط، ليعود الإمام تركي بن عبدالله حاملاً سيفه الأجرب مستعيداً الدولة إلى قدرها الذي رسمه الله لها.

قبل أقل من أسبوع من الاحتفال بأول يوم لتأسيس الإمبراطورية السعودية المستمرة منذ ما يزيد على 300 عام، يبدو أن المشهد في الفضاء الإقليمي سيكون مختلفاً عما قبله، لقد بقيت الدولة السعودية في أطوارها الثلاثة الماضية متشابهة لحد كبير، في بنيتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والروحية، بل وحتى التحديات التي واجهتها تكاد تكون واحدة، لكن السعودية في كل أطوارها الثلاثة، أبت إلا أن تعطي مثالاً حيّاً للتاريخ البشري عن قدرة أي أمة مؤمنة بمشروعها على الصمود والنهوض من جديد.

السعودية الجديدة بلا شك ستكون بعد يوم من الاحتفال مختلفة جداً، ولعل إرهاصات التغيير بدأت مع تولي الملك سلمان الحكم والأمير محمد بن سلمان ولاية العهد ورسمت تلك الملامح، التي يمكن اختصار أبرزها فيما يلي:

إعادة هيكلة المجتمع السعودي وتحديد مساره المدني، وتعظيم التنمية، وتعطيل قوى الظلام، وبناء اقتصاد حيوي متنوع يمكّن السعودية من أن تكون دولة غنية قادرة على تنفيذ خططها دون تردد أو خشية من انخفاض مدخولات الخزينة العامة، والاستفادة من المميزات الكبرى التي منحها الله لهذه البلاد، إضافة إلى سرعة اتخاذ القرار، والجسارة في التخلص من العوائق والوقوف في وجه التحديات والخصوم، واستعادة هيبة الدولة، وصون جناب الحكم داخلياً وخارجياً، كلها كوّنت الإطار الذي جهز الدولة لهذا اليوم العظيم في تاريخها.

ولعل أهم ما يمكن رؤيته في يوم التأسيس، هو التأكيد على أن هذه الدولة التي كان الخصوم ينتظرون مصيراً سيئاً لها، إذا بها تنهض وهي في طريقها لزعامة الإقليم، أقوى مما كانت، وأغنى مما يتصورون، وأدهى مما يتوقعون، مستعيدة هيبتها التي ظن الخصوم بأنها تآكلت بحكم السنين، وبحكم طبيعة العلاقة مع محيطها عندما غلب عليها التسامح والتغافل مع كيانات فسرت ذلك بأنه ضعف أو تراجع.