كتاب ومقالات

أنثى باديه ولا ذَكَر مندس

علي بن محمد الرباعي

جال (الخبتي) القرية السروية؛ من أسفلها إلى أعلاها، يسير ويتمقّل البيبان؛ وأمله كبير في مخلوق؛ مدهون وجه، ومشقوق صدر، وجيّد في محله، يبدي، ويحلف عليه يعدّي، واقتنع بأن القرية ما فيها أقبع، وبعدما تملّكه اليأس، لمح زول (معنطط) أمام ثُغرة، وعندما قال (سلام يا رجّال) سرق نفسه، وادّرق ورا الباب، وما عاد بدا.

سألته زوجته (صبيّة)؛ وشبك، يا الشِّلم؛ تنتفض كِن الحُمّى راكبة فوقك؟ فأجابها؛ ريت عند الباب متخبّر مدري متشبّر، واهو سلّم، وما رديت عليه، سويت نفسي ما شفته، ففزّت قائمة؛ مرددة؛ أعقب الله يبرد نوّك، ويطفي ضوّك؛ إن كان تشرد من الضيف، فعلّق؛ وش أقدّم له؛ وأنا أفقر من فأر المسيد؛ قالت؛ الله يزيدك على ما بك.

فتحت باب البيت، ولفّت شرشفها على رأسها، وتلفّتت يمنة ويسرة، إلا والخبتي؛ خارج من طرف القرية، فقالت؛ يا وجه الخير، عوّد؛ وأقسمت عليه ما يبزّ خطوة، لين يتفاول مما قسم الله، ويتقهوى، فقبل دعوتها، وأقبل عليها، فرحّبت، وقلّطت الرجال؛ فدخل منشرح الصدر، وما غير سمع الزوج تحاياه، حتى هرب للعُلّيه، ورصد الباب.

أنزلت القطف المعلّق في الوتد، لعلها تجد حبّات البُنّ الكافية لصناعة دلّة، فخاب ظنها، وأدرجت كفّها في نواحيه، والقُطف شنّ يقعقِع.

حطّ الخبتي، مصنفه، فتناولته منه، وعلّقته في الزافر، وبقي حزامه العريض في وسطه، فعنّزت له في ركن البيت المواجه للباب، وبخست الدخسيس، فوجدت جمرات لا تزال حيّة، أضافت لها شنعة، لتتواشى، ونزلت السفل، وبيدها الفاس، شققت من قرضه؛ ما يقضي اللزوم، وعادت لترتب عيدانها في الملّة، وتناولت منفاخ الهواء، وإذا بلهب القبس يتسامى، كأنه يريد أن يلامس خشب السقف.

أسرعت لبيت جيرانهم، فلقيت (أبو وافي) فوق العتبة، يتشمس؛ بادرته؛ ولعون؛ فردّ؛ الله يعينك، ولا يهينك، ويدقق طحينك، ويجعل الغربان تأكل من يمينك. قالت؛ طلبتك؛ في طبخة قهوة، ودحوة طحين؛ جانا ضيف، وما أمداها تنهي كلامها، حتى كان كل ما يلزم بين يديها، فطلبته يجي يتهرج مع اللافي حتى تزهّب له المقسوم.

نخشت بطرف السكين، مِن العِدله، سبع حبات تمرة، مع قُرص مجرفة، وقدمت قهوتها، فقال «الخبتي» علومنا خير والصلاة على سيدنا محمد، فلم يرد (أبو وافي)، فقالت (صبيّة)؛ أسلم وحياك الله؛ فأعطاهم علمه؛ الأخبار بالأستار، من يم الديار، فعلمها عند الواحد القهّار، أرضنا غُبره، وفي ربنا الشُّبره، البيوت خُضر، والوديان غُبر، والسارحة قُشر، والرايحة دُشر، الولد لأبوه فتين، والأخ يجحد خوه مثل ما يجحد الماء الطين، والبشر تتنافس على الدنيا، وما تنافست على دِين، ورجانا في رحمة أرحم الراحمين، صفّة أرباطعش، حِماهم فيض، ورِحمهم غيض، وربيعهم قيض، وهروجهم غلط، وقروشهم زلط، أما من يم الأسواق، فسوق شُرى يعلّم عن جميع القُرى، والحلال، مثل المحال، واثمانها خيال، ولا بدوّه ولا عدوّه، الستر يدوم، غيرها لفيناكم يا لُقاة الخير، ولقيتني بنت الرجّال، ورحّبت وسهّلت، وقدّمت ماجودها، ولا هو كل جودها، هذا ما عندي من بدّ الأعلام وسلامتكم على الله، فنظرت صبيّة لأبو وافي، عسّاه يردّ في العلم؛ فقال؛ أرخصوني إبدي لغنمي خليتها في الغابرة، وغادر، فقالت؛ (صبيّة)؛ سالم وغانم، حياك الله وحيّا علمك، الديره مرّيت وريت، وما عنك بشي خافي، المطر ما جانا شيء، وعند الله خير، من جهة ملفاك، فحياك الله، لحاجة ولغير، وأما مدحك لي على الترحاب وفتح الباب، فلو نصيناك في ديرتك لقابلتنا ببياض الوجه، هذا ما نتقفى به في علمك، وسلامتك ومن يوحي من الملائكة على الله، كثّر بالخير، وحط تحت المعنز جنيه ذهب.

خرج (المعنطط) من العُليّة، وهي تنحّر الدلّة، قُرب الجمر، فبدأ يرفع صوته، كيف تدخّلين الأجنبي، وتتحكوين معه، ما كنّه إلا من حمايلك، وأثناء ما هو يتوعّد ويتهدد، قالت؛ دنّق وأعلّمك بعلم، فدنّق؛ فكفحت الدلّة؛ في الرماد فتغشاه، وأعماه، وهي تقوم ترتب البيت، وعند رفعها المتكئ، وجدت الجنيه الذهب، فهبطت ثاني يوم لسوق الأحد، وصرفته فضة، وأمّنت لوازم البيت من لحم وقهوة وحب ولباب وزبيب، وصدرت فوق حمارتها، ولقيت الصبيان والصبايا؛ رعاة الأغنام على الطريق، فمدّت لكل واحد وواحدة بحبّات من خوخ فدري.

حدّت بقعا؛ (المعنطط، وصبيّة)، يديّحون ويلا تهامة، وفي ليلة من ليالي الخبت، أسود من قعر التنور، والجوع بالغ حده، والسيقان والأوراك متذرّعة، إذ برجّال؛ يهلّي ويغلّي؛ وإذا بالوجه اللي ما تنكره صبيّة، أدخلهم، وانتدر البندق، وأطلق طلقة في السما، وإذا ببني عمه يتوافدون، فقال؛ اذبحو التيس الأقرن، واطبخوه كما هو: وقدّم صبيّة وزوجها للعشاء لوحدهما، وقال؛ يا عِرْبيّة عشاك عقال غداك.

بعدما تعشّوا وكثروا بالخير، بدأ اللعب، والمضيف شاعر؛

فبدع؛ (يا مرحبا يا وافيه والوفا منبع صبيّة، اللي من الرسلان مدّت بنّ صافي، ذا ما يسوّي من عرب ربنا ياخي كماها، أنا دخيله ينتسم فـالسند والنسم راحه)، فخرج المعنطط يتّنبك.

ثالث يوم كسّاها، وحلّاها، ورفع راية بياض الوجه، ورتب لهم جملاً، محمّلاً من خيرات الساحل، وقال؛ المعروف بيننا يا صبيّة ما ينقطع، وزي ما قال المقوّل (أُنثى باديه، ولا ذَكر مندس)، فيما كان زوجها يشدّ حزمة تنباك أخضر فوق ظهر حمار أغبر.