كتاب ومقالات

بين الرقمنة والملف العلاقي

عقل العقل

التقدم الرقمي الذي يعيشه العالم مخيف جداً، فهو مريح للإنسان في جميع مناحي الحياة، ولكنه مهدد للعلاقات والتواصل الاجتماعي، قديماً في أجيالنا «أصحاب الملف العلاقي الأخضر» كان الزحام والواسطة على أشدها في جميع الجهات الرسمية وغير الرسمية، كل معه أوراقه لقضاء حاجته في تلك الجهة، والجميع لا يمكن أن تكون أوراقه مكتملة، فالنواقص في طلبه هي الحاضرة دائماً، مما يكلف التردد على ذاك القسم والتعاطي مع الموظف الذي في أغلب الأوقات يأتي متأخراً ويكون في مزاج متعكر، الكل يبحث عن اللحظة المناسبة للتحدث مع الموظف المسؤول، أما الوصول إلى المدير فتلك حكاية آخرى تتطلب الاتصالات التلفونية والواسطة للوصول إلى سعادة المدير العام، أجيال التحول الرقمي لا يتخيلون ما مرت به أجيال الثمانينات الميلادية من معاناة لقضاء أمور يقضونها الآن بضغطة زر على مواقع الجهات الرسمية مثل إصدار جواز السفر مثلاً، من يشاهد صور الزحام في الزمن القديم للمراجعين في مبني الجوازات القديم بشارع الوشم يفهم ما أتحدث عنه الآن.

جيل ما قبل التحول الرقمي يحسب له خبرة «الملف العلاقي» وهضمه للاب توب وأجهزة الهواتف الذكية جيل جبار يتكيف مع المتغيرات حوله وبسرعة مذهلة، البعض يقول إنها تحولات سطحية واستفادة قشرية من التقنيات الحديثة لإنسان تلك الفترة، ولكنني أراها إنجازات وتفاعل واستفادة عظيمة من تلك الأجيال والبعض الآخر يرى أننا أصبحنا مدمنين إلكترونيا على هذه الأجهزة دون فائدة تذكر، والبعض الآخر بدأوا يلومون هذه التحول المعلوماتي والرقمي على بعض المشاكل الاجتماعية من عزلة وكسل وخمول جسدي وفكري، حتى أن القراءة التقليدية أصبحت مهددة، في المقابل نجد معارض الكتب تعج بملايين الزوار وتصل مبيعات تلك المعارض للملايين.

الآن نجد التحول الرقمي في العالم وفي المملكة سريعاً ومتطوراً جداً، واللافت للنظر أن القطاع الرسمي عندنا متفوق وبمسافات بعيدة بالرقمنة من القطاع الخاص، وهذا يحسب للحكومة الإلكترونية في المملكة التي استثمرت المليارات في بناء البنية التحتية للتحول الرقمي، قديماً مثلاً كانت البنوك السعودية هي المثال للتطور الإداري في المملكة، واستمرت تلك الحالة لعقود، وتجربة البنوك السعودية كانت بالفعل رائدة وفعالة في وقتها، الآن الجهات الرسمية هي من يقود التقدم الرقمي في المملكة، وقل أو انعدم الذهاب الفعلي للمراجعة لأغلب الجهات الرسمية، وأكبر مثال على ما أقصد هو «تطبيق أبشر»، فهو باعتقادي حكومة رقمية بحد ذاته يقضي فيه المواطن أغلب حاجاته الشخصية والتجارية بشكل سلس، ولا يمكن أن يتصوره مواطنو الدول المجاورة، والجميل في مثل هذه التطبيقات الرسمية وغير الرسمية أنها تطور بشكل متسارع يلبي التغيرات الجارية في العالم، مثلاً خلال أزمة جائحة كورونا كيف استفادت المملكة من تجربة التعليم عن بُعد واستفادت من تجربتها بعض الدول المتقدمة، الجهات الرسمية استفادت من التحول الذكي في إدخال نظام مدفوعات مالية سريع وآمن وبعيداً عن حمل ولمس الأوراق النقدية حتى أننا نلاحظ انحسار أجهزة الصراف الآلي التقليدية.

جزئية أخيرة أنه رغم التقدم الرقمي الذي نعيشه إلا أن بعض الأفراد لدينا لظروف متعددة قد لا يستطيعون التعامل مع التقنية الحديثة، هؤلاء على الجهات مقدمة الخدمة إيجاد حلول لتسهيل أمورهم ومساعدتهم في التعاطي والاستفادة من التحول الرقمي، وبهذه المناسبة أشيد بالتحول الرقمي بوزارة العدل وبمنصاتهم المتعددة التي تخدم المواطن والمقيم في قضايا مهمة وحساسة، حيث خصصت منصة «ناجز» التابعة لوزارة العدل مركز مساعدة في شمال الرياض على شارع أنس بن مالك، حيث يوجد في ذلك المركز العشرات من الشباب والشابات السعوديين الذين يساعدون المراجعين في إكمال متطلباتهم التي يحتاجها الموقع حتى تدرج في نظام وزارة العدل أو غيرها من الجهات الرسمية، أتمنى أن لا تستغل الأنظمة الرقمية المتقدمة في عدم العدالة لأي فرد كان، ولا نسمع العبارة التي يكررها البعض أن النظام يرفض أو يمنع علينا أن نوضح أسباب الرفض والمنع الذي يحيله البعض للنظام الإلكتروني لهذه الجهة أو تلك.