كتاب ومقالات

ودّعوا كورونا !

حسين شبكشي

ما إن أعلنت وزارة الداخلية السعودية عن انتهاء الاحترازات الوقائية الخاصة بجائحة كوفيد 19، وبالتالي عودة الحياة الطبيعية إلى ما كانت عليه قبل الجائحة، وإزالة آثار وعلامات التباعد من أوجه الحياة العامة، وعودة الأنشطة بكافة طاقاتها الاستيعابية، حتى استبشر السعوديون بهذا الخبر وانتشروا وتناقلوا الأخبار ببهجة وسعادة بالغة، لأنها كانت إشارة مهمة جدا إلى نهاية فترة كئيبة وعودة الحياة إلى طبيعتها بعد طول انتظار وطول رجاء. ويحق للسعوديين أن يفتخروا بتجربتهم مع هذه المحنة والامتحان الصعب في مواجهة جائحة عالمية لم ترحم أحدا، تمكنوا فيها من أن يكونوا مضربا للأمثال باستحداث منظومة متكاملة للتعامل مع جائحة غامضة فتّاكة ومدمرة.

وهي تجربة تستحق الدراسة والتكرار في مجالات أخرى لأنها لا تقدم فقط حلا صحيا وطبيا وإداريا ولكنها كانت منهجية متكاملة في التعامل مع الأزمات والطوارئ بشكل عملي وفعال.

سألني أحد الأصدقاء إذا كانت فعلا ستعود الحياة إلى طبيعتها كما كانت، فكرت في الإجابة عليه مليّا وقلت له لا أعتقد أننا سنعود كما كنا عليه، فقد اكتسبنا العديد من الطبائع والاحتياطيات الشخصية التي ستبقى معنا، ستتغير منهجية السلام والتقبيل والمصافحة لتصبح أكثر حذرا وحيطة، وتصبح هناك بالتالي مساحة آمنة بين الأطراف في مقابلاتهم الاجتماعية، ويكون بالتالي التباعد الاجتماعي أمرا واقعا من باب الحذر وليس من باب التعود فقط. هناك من سيختار الإبقاء على الكمامة بعد أن تعود عليها واعتبرها حائط صد للفيروسات والبكتريات، وهي مسألة لا يمكن إغفال استمرار حدوثها مع التحذيرات المستمرة من أجهزة الجهات المختصة في ذلك الأمر.

الحياة عادت إلى طبيعتها كما تمنى ورغب الجميع في ذلك، ولكن هناك مكتسبات ستبقى معنا وستمارس من باب التعوّد والحذر والوقاية، وسيكون ذلك مرئيا في مجالات العمل والمناسبات الاجتماعية والسفر والتنقل.

التجربة السعودية فيها الكثير من العبر والدروس المفيدة التي من الممكن أن تتكرر في تجارب مختلفة، فاليوم أصبحت هناك تجربة سعودية قابلة للتصدير للغير لأن الاستفادة التي تمّت على الصعيد السعودي ليست فقط في القطاع الطبي ولكن في إدارة المناسبات والتعليم والعمل والمناسبات الدينية كانت تجربة شاملة وكاملة متنوعة وغزيرة.

عادت الحياة إلى طبيعتها بفرحة عارمة، والكل يهنئ بعضه بعضا بإتمام هذه المهمة بنجاح وتميز وتألق وتفوق على الصعيد الشعبي وقبل ذلك على الصعيد الرسمي، ولكن - والحياة تعود إلى طبيعتها - يبقى السؤال هل نحن سنعود أيضا، أعتقد أن كورونا ستبقي معنا الكثير من العادات الجديدة المكتسبة التي أصبحت جزءا أساسيا من الشخصية الجديدة.. شخصية ما بعد كورونا.