استراتيجية الهيمنة الأمريكية وفخ أوكرانيا
الأربعاء / 13 / شعبان / 1443 هـ الأربعاء 16 مارس 2022 23:23
يوسف بن طراد السعدون
قبل أن تشن روسيا حربها ضد أوكرانيا، نشرت مجموعة الأزمات الدولية في 29 ديسمبر 2021 تقريرها «عشر صراعات للمتابعة عام 2022». وتضمن التقرير عرضاً لصراعات دولية متوقعة، كانت أوكرانيا على رأس القائمة تلتها الصراعات في كل من: إثيوبيا، أفغانستان، الولايات المتحدة والصين، إيران ضد أمريكا وإسرائيل، اليمن، إسرائيل – فلسطين، هاييتي، ميانمار، ثم الجماعات الإسلامية المتطرفة في أفريقيا.
ونشرت مؤسسة (راند) الأمريكية (RAND “Research ANd Development”)، دراسات عديدة عن التنافس الأمريكي الروسي كالتي صدرت عام 2019: «تمدد روسيا» (Extending Russia: Competing from Advantageous Ground)، «دفع روسيا للتمدد وعدم التوازن» (Overextending and Unbalancing Russia). وأبرز النتائج بتلك الدراسات بلورة استراتيجية تستهدف تحجيم الخصم الروسي. وهي تعتبر امتداداً لما صاغته (راند) عام 1972 من خطط مكّنت أمريكا كسب الحرب الباردة ضد روسيا. وقد أكدت الاستراتيجية المقترحة على أن نقطة الضعف الرئيسة لروسيا تتمثل في اقتصادها، الذي يعتمد بشكل مفرط على صادرات النفط والغاز. وبالتالي لتدميرها يتوجب تقليص إمكاناتها الاقتصادية من خلال: فرض عقوبات مالية وتجارية قوية عليها بكافة المستويات الثنائية والدولية، وزيادة حجم الإنتاج الأمريكي من الطاقة، ودفع حلفاء أمريكا خصوصاً الأوروبيين لتخفيض استيراد الطاقة منها، وتشجيع هجرة الموارد البشرية الروسية المؤهلة إلى الغرب، وتحطيم صورتها بالخارج، وإبعادها عن المشاركة بالمنظمات الدولية غير الحكومية والفعاليات الدولية بكافة أنواعها اجتماعية ورياضية وتجارية وثقافية وغيرها، وحجب إمكانية استفادتها من المؤسسات والتنظيمات الاقتصادية والمالية الدولية، مع استمرار الإنفاق العسكري في أمريكا. وأوضحت الاستراتيجية أنه سوف يسهل على أمريكا تنفيذ تلك الإجراءات، إذا ما تمكنت من دفع روسيا إلى التمدد بتهور لتفقد توازنها. وحددت لهذا الغرض سبلاً عدة، من أهمها:
• تسليح أوكرانيا وتقديم المشورة والخبرات العسكرية إليها ودفعها للتحرر من النفوذ الروسي والتوجه نحو الغرب. أي بمعنى آخر تقديم أوكرانيا كطعم لتقع روسيا في الفخ المنصوب لها.
• دعم التظاهرات الداخلية وكافة أشكال المعارضة الأخرى في روسيا لتهديد الاستقرار والأمن الداخلي لديها. وتشجيع عمليات التحرر بدول الجوار لها كروسيا البيضاء (بيلاروسيا). والسعي نحو تخفيض مستوى التأثير الروسي في آسيا الوسطى.
وتوالي الأحداث، التي سبقت وتلت الغزو الروسي لأوكرانيا، تدل بوضوح على خيوط هذه الاستراتيجية المرسومة لتحطيم القدرات الروسية. ومحاورها ليست جديدة فقد تبنتها أمريكا سابقا بحذافيرها لتدمير العراق، ومناطق أخرى في العالم. وسوف تستمر الإدارات الأمريكية في تبني هذه المخططات مستقبلاً لأسباب عديدة، أهمها:
أولاً: إنها تساهم في استمرار تدفق الميزانيات الضخمة للتسلح والأبحاث والتطوير العسكري الأمريكي، وبالتالي ضمان المكاسب للشركات المصنّعة للسلاح لديها التي تتميز بقوة مؤثرة في توجيه مسارات الانتخابات. علماً أن أمريكا تحتل الصدارة عالمياً بحجم إنفاقها العسكري الذي يقدر ٧٧٠ مليار دولار، وهو يساوي تقريباً ضعف تقديرات إنفاق الصين وروسيا مجتمعتين (٢٥٠ ملياراً للصين، ١٥٤ ملياراً لروسيا)، وفقاً لما ورد في تصنيف ترتيب القوة العسكرية عام ٢٠٢٢ لموقع «غلوبال فاير باور» الخاص بنشر الإحصاءات الدورية المتعلقة بالجوانب العسكرية.
ثانياً: تشغل الرأي العام في الداخل الأمريكي عن الأخطاء الكارثية التي ترتكبها الإدارة المنتخبة في السياسة الخارجية والاقتصاد والأمن الداخلي وغيرها.
ثالثاً: تضمن بقاء فرض الهيمنة الأمريكية الدولية المسيطرة، مما يمكنها من الاستمرار في تمويل العجز المالي الهائل والمتنامي في ميزانياتها.
رابعاً: إمكانية تنفيذها من قبل الجانب الأمريكي بيسر يساعدها في ذلك قدراتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية الكبيرة، والتي تتعزز بسيطرتها على مفاصل منظمات ومؤسسات النظام الدولي الذي صاغته بنفسها بعد الحرب العالمية، وغياب القيادات المستقلة المدركة الواعية بالكتلة الغربية وانسياقها التام خلف القيادة الامريكية.
وحيث أن الأساس الذي تقوم عليه السياسة الخارجية لأي دولة، وفقاً للرؤية الرصينة للقيادة السعودية الرشيدة، يرتكز على ضمان نماء الاقتصاد وتعزيز الأمن داخل الوطن، كما أشار صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع في ثنايا مقابلته مع مجلة (ذا اتلانتيك) الأمريكية بتاريخ 3 مارس 2022.
وفي ظل الأوضاع الدولية الراهنة التي تشبه حياة الغابة بتلاشي احترام القانون والمبادئ والأخلاق، وغموض النتائج المترتبة على الحرب الروسية الأوكرانية، وعدم الوضوح التام لتشكل صورة النظام الدولي الجديد وتحالفاته المختلفة.
فإن الحكمة تستوجب من الدول العربية، لضمان الأمن والاستقرار والرخاء، تبني سياسات متزنة مدروسة تتصف بالتالي:
1- الحذر الشديد والابتعاد عن الوقوع في براثن مصيدة الاستراتيجية الأمريكية الرامية إلى تدمير الخصوم، وتحاشي العنتريات الهدامة.
2- عدم الإفراط في مساندة أي من الخصوم ضد الآخر، ولا التفريط في استغلال الفرص لتعزيز مصالح الأمن والسيادة الوطنية.
3- عدم التسليم بحيادية واستقلال المنظمات والمؤسسات الدولية، ولا الثقة الكبيرة في الأسواق العالمية والقوانين والأنظمة الغربية.
4- تعزيز مستوى الاحتياطيات الوطنية، وادخار القرش الأبيض لليوم الأسود.
5- عدم الإفراط في الاستثمار بالدول الغربية، ولا التفريط في استغلال الفرص الواعدة ودون مجازفة أينما وجدت، والحرص على تنويع محتوى وأماكن الأرصدة والاستثمارات، وتوجيه أكبر حجم ممكن من الاستثمارات نحو الاقتصاد المحلي.
6- المراجعة الشاملة لبرامج الأمن الغذائي الوطني، والحرص الشديد على الحد من الاستثمارات الزراعية خارجيا في المنبع واستبدالها باستثمارات في المصب، كبيوت التجارة على غرار التجربة اليابانية.
7- إعادة تقييم لخطط التنمية الوطنية ومستهدفاتها، وإعطاء الأولوية لتطوير البنية الأساسية ونمو القطاعات ذات القيمة المضافة العالية كالصناعة والتقنية والاتصالات والزراعة.
خاتمة: من أقوال الشاعر الشريف بركات الحسيني:
وليت يا ذا الدهر ما كثر بلاويك الله يزودنا السلامة من اتلاك
اليوم هالكانون غادٍ شبابيك تلعب به الأرياح من كلّ شبّاك
احفظ دبشك اللّي عن النّاس مغنيك اللّي ليا بان الخلل فيك يرفاك
اجعل دروب المرجله كلها من معانيك واحذر تمايل عن درجها بمرقاك
ولا تحسبنّ الله قطوع يخلّيك ولا تفرح إنّ الله على الخلق بدّاك
واحذر عدوك لو ظهر بيصافيك خلّك نبيه وراقبه وين ما جاك
وحذراك عن طرد المقفّي حذاريك عليك بالمقبل وخل من تعدّاك
والنّفس خالف رأيها قبل ترميك ترى لها الشّيطان يرمي بالأهلاك
ومن بعد ذا لا تصحب النّذل يعديك وعن صحبة الأنذال حاشاك حاشاك
والحرّ مثلك يستحي يصحب الدّيك وإن صاحبه عاعا معاعاة الادياك
ونشرت مؤسسة (راند) الأمريكية (RAND “Research ANd Development”)، دراسات عديدة عن التنافس الأمريكي الروسي كالتي صدرت عام 2019: «تمدد روسيا» (Extending Russia: Competing from Advantageous Ground)، «دفع روسيا للتمدد وعدم التوازن» (Overextending and Unbalancing Russia). وأبرز النتائج بتلك الدراسات بلورة استراتيجية تستهدف تحجيم الخصم الروسي. وهي تعتبر امتداداً لما صاغته (راند) عام 1972 من خطط مكّنت أمريكا كسب الحرب الباردة ضد روسيا. وقد أكدت الاستراتيجية المقترحة على أن نقطة الضعف الرئيسة لروسيا تتمثل في اقتصادها، الذي يعتمد بشكل مفرط على صادرات النفط والغاز. وبالتالي لتدميرها يتوجب تقليص إمكاناتها الاقتصادية من خلال: فرض عقوبات مالية وتجارية قوية عليها بكافة المستويات الثنائية والدولية، وزيادة حجم الإنتاج الأمريكي من الطاقة، ودفع حلفاء أمريكا خصوصاً الأوروبيين لتخفيض استيراد الطاقة منها، وتشجيع هجرة الموارد البشرية الروسية المؤهلة إلى الغرب، وتحطيم صورتها بالخارج، وإبعادها عن المشاركة بالمنظمات الدولية غير الحكومية والفعاليات الدولية بكافة أنواعها اجتماعية ورياضية وتجارية وثقافية وغيرها، وحجب إمكانية استفادتها من المؤسسات والتنظيمات الاقتصادية والمالية الدولية، مع استمرار الإنفاق العسكري في أمريكا. وأوضحت الاستراتيجية أنه سوف يسهل على أمريكا تنفيذ تلك الإجراءات، إذا ما تمكنت من دفع روسيا إلى التمدد بتهور لتفقد توازنها. وحددت لهذا الغرض سبلاً عدة، من أهمها:
• تسليح أوكرانيا وتقديم المشورة والخبرات العسكرية إليها ودفعها للتحرر من النفوذ الروسي والتوجه نحو الغرب. أي بمعنى آخر تقديم أوكرانيا كطعم لتقع روسيا في الفخ المنصوب لها.
• دعم التظاهرات الداخلية وكافة أشكال المعارضة الأخرى في روسيا لتهديد الاستقرار والأمن الداخلي لديها. وتشجيع عمليات التحرر بدول الجوار لها كروسيا البيضاء (بيلاروسيا). والسعي نحو تخفيض مستوى التأثير الروسي في آسيا الوسطى.
وتوالي الأحداث، التي سبقت وتلت الغزو الروسي لأوكرانيا، تدل بوضوح على خيوط هذه الاستراتيجية المرسومة لتحطيم القدرات الروسية. ومحاورها ليست جديدة فقد تبنتها أمريكا سابقا بحذافيرها لتدمير العراق، ومناطق أخرى في العالم. وسوف تستمر الإدارات الأمريكية في تبني هذه المخططات مستقبلاً لأسباب عديدة، أهمها:
أولاً: إنها تساهم في استمرار تدفق الميزانيات الضخمة للتسلح والأبحاث والتطوير العسكري الأمريكي، وبالتالي ضمان المكاسب للشركات المصنّعة للسلاح لديها التي تتميز بقوة مؤثرة في توجيه مسارات الانتخابات. علماً أن أمريكا تحتل الصدارة عالمياً بحجم إنفاقها العسكري الذي يقدر ٧٧٠ مليار دولار، وهو يساوي تقريباً ضعف تقديرات إنفاق الصين وروسيا مجتمعتين (٢٥٠ ملياراً للصين، ١٥٤ ملياراً لروسيا)، وفقاً لما ورد في تصنيف ترتيب القوة العسكرية عام ٢٠٢٢ لموقع «غلوبال فاير باور» الخاص بنشر الإحصاءات الدورية المتعلقة بالجوانب العسكرية.
ثانياً: تشغل الرأي العام في الداخل الأمريكي عن الأخطاء الكارثية التي ترتكبها الإدارة المنتخبة في السياسة الخارجية والاقتصاد والأمن الداخلي وغيرها.
ثالثاً: تضمن بقاء فرض الهيمنة الأمريكية الدولية المسيطرة، مما يمكنها من الاستمرار في تمويل العجز المالي الهائل والمتنامي في ميزانياتها.
رابعاً: إمكانية تنفيذها من قبل الجانب الأمريكي بيسر يساعدها في ذلك قدراتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية الكبيرة، والتي تتعزز بسيطرتها على مفاصل منظمات ومؤسسات النظام الدولي الذي صاغته بنفسها بعد الحرب العالمية، وغياب القيادات المستقلة المدركة الواعية بالكتلة الغربية وانسياقها التام خلف القيادة الامريكية.
وحيث أن الأساس الذي تقوم عليه السياسة الخارجية لأي دولة، وفقاً للرؤية الرصينة للقيادة السعودية الرشيدة، يرتكز على ضمان نماء الاقتصاد وتعزيز الأمن داخل الوطن، كما أشار صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع في ثنايا مقابلته مع مجلة (ذا اتلانتيك) الأمريكية بتاريخ 3 مارس 2022.
وفي ظل الأوضاع الدولية الراهنة التي تشبه حياة الغابة بتلاشي احترام القانون والمبادئ والأخلاق، وغموض النتائج المترتبة على الحرب الروسية الأوكرانية، وعدم الوضوح التام لتشكل صورة النظام الدولي الجديد وتحالفاته المختلفة.
فإن الحكمة تستوجب من الدول العربية، لضمان الأمن والاستقرار والرخاء، تبني سياسات متزنة مدروسة تتصف بالتالي:
1- الحذر الشديد والابتعاد عن الوقوع في براثن مصيدة الاستراتيجية الأمريكية الرامية إلى تدمير الخصوم، وتحاشي العنتريات الهدامة.
2- عدم الإفراط في مساندة أي من الخصوم ضد الآخر، ولا التفريط في استغلال الفرص لتعزيز مصالح الأمن والسيادة الوطنية.
3- عدم التسليم بحيادية واستقلال المنظمات والمؤسسات الدولية، ولا الثقة الكبيرة في الأسواق العالمية والقوانين والأنظمة الغربية.
4- تعزيز مستوى الاحتياطيات الوطنية، وادخار القرش الأبيض لليوم الأسود.
5- عدم الإفراط في الاستثمار بالدول الغربية، ولا التفريط في استغلال الفرص الواعدة ودون مجازفة أينما وجدت، والحرص على تنويع محتوى وأماكن الأرصدة والاستثمارات، وتوجيه أكبر حجم ممكن من الاستثمارات نحو الاقتصاد المحلي.
6- المراجعة الشاملة لبرامج الأمن الغذائي الوطني، والحرص الشديد على الحد من الاستثمارات الزراعية خارجيا في المنبع واستبدالها باستثمارات في المصب، كبيوت التجارة على غرار التجربة اليابانية.
7- إعادة تقييم لخطط التنمية الوطنية ومستهدفاتها، وإعطاء الأولوية لتطوير البنية الأساسية ونمو القطاعات ذات القيمة المضافة العالية كالصناعة والتقنية والاتصالات والزراعة.
خاتمة: من أقوال الشاعر الشريف بركات الحسيني:
وليت يا ذا الدهر ما كثر بلاويك الله يزودنا السلامة من اتلاك
اليوم هالكانون غادٍ شبابيك تلعب به الأرياح من كلّ شبّاك
احفظ دبشك اللّي عن النّاس مغنيك اللّي ليا بان الخلل فيك يرفاك
اجعل دروب المرجله كلها من معانيك واحذر تمايل عن درجها بمرقاك
ولا تحسبنّ الله قطوع يخلّيك ولا تفرح إنّ الله على الخلق بدّاك
واحذر عدوك لو ظهر بيصافيك خلّك نبيه وراقبه وين ما جاك
وحذراك عن طرد المقفّي حذاريك عليك بالمقبل وخل من تعدّاك
والنّفس خالف رأيها قبل ترميك ترى لها الشّيطان يرمي بالأهلاك
ومن بعد ذا لا تصحب النّذل يعديك وعن صحبة الأنذال حاشاك حاشاك
والحرّ مثلك يستحي يصحب الدّيك وإن صاحبه عاعا معاعاة الادياك