ويمشي كدا.. الاتحاد
الثلاثاء / 19 / شعبان / 1443 هـ الثلاثاء 22 مارس 2022 22:20
خالد محمد البيتي
عندما عابوا على قيس بن الملوح جنونه في حب ليلى العامرية رغم قلة حظها من الجمال قال لهم (ما رأيتم ليلى بعيني قيس).
وهذا هو حال عشاق الاتحاد الذين مهما أخفق النادي أو تقهقر ازدادوا عشقاً له وتمسكاً به، فعيونهم غير العيون وقلوبهم غير القلوب وأفئدتهم ليست هواء.
ولئن ترك لنا قيس المجنون جدار ليلى رمزاً خالداً في الحب بقوله:
أمر على الديار ديار ليلى
أقبل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حب الديار شغفن قلبي
ولكن حب من سكن الديارا
فإن جمهور الاتحاد قد جعل من شعار النادي رمزاً آخر في العشق، وهو رمز أصيل وعلامة فارقة ثابتة لا يشوبها الاختلاق كما يرى بعض المؤرخين حكاية المجنون.
وأجمل ما في قصة هذا العشق الاتحادي أنه لا حدود له ولا لمنازل العشاق، فلم تكن مدينة النادي التي امتازت بصفتين (جدة إتي وبحر) هي موطنهم وإنما توزعت دورهم في ربوع المملكة وخارجها حتى ليصدق فيهم قول شوقي:
فإن القرب بالروح وليس القرب بالجسم.
هم في عشقهم لحظة الهزيمة والانكسار على غرار سلطان العاشقين ابن الفارض حين يقول:
قلبي يحدثني بأنك متلفي
روحي فداك عرفت أم لم تعرف
لم أقض حق هواك إن كنت الذي
لم أقض فيه أسىً ومِثليَ من يَفي
نعم هم أهل العشق والوفاء وإن أتلف العشق أرواحهم وأصابت العلل قلوبهم عَلِم الاتحاد أم لم يعلم فهو نعيمهم وعذابهم وعشقه في قلوبهم أشهى من العسل، فالعشق أعظم مما بالمجانين، لا يعنيهم المثل السائر قديماً (ومن الحب ما قتل) وإن فنيت أجسادهم وتلاشت أرواحهم، ولا يلتفتون للسخرية من حال العشاق كما في قصص العاشقين وعلى رأسهم قيس بن الملوح، فالحب والعشق والغرام والوله واللوعة والهيام عندهم كلها مرادفات الاتحاد فكيف لهم أن يهجروا متعة الشعور الذي تنطوي عليه جوارحهم وتخفق به قلوبهم..
هو نادي البسطاء نعم..
وهو نادي الشعب نعم..
وهو نادي العرب نعم..
يتربع على قمة المجد وذرى الخلود
وفوق هذا يسكن قلوب الملايين، لا يزعزعه الانكسار ولا تقعده الهزيمة، يعيش بحكمة الفيلسوف المعري، وهو بلا منازع فيلسوف الكرة السعودية:
ولو أني حبيت الخلد فرداً
لما أحببت بالخلد انفرادا
وهذه قمة الإيثار وروعة المثل العليا، لا يعنيه صعود السلم ولا حصد الألقاب على حساب ضياع حقوق الآخرين متى كان الحق أبلج لا تخفى معالمه على أعمى أو بصير ولا توهنه لجلجة الباطل ليقينه بزوالها..
أليس من حقه بعد هذا أن يقول بلسان فيلسوفه الأثير:
كأني في لسان الدهر لفظٌ
تضمن منه أغراضاً بعادا
يكررني ليفهمني رجالٌ
كما كررت معنى مُستعادا
ثم أليس من حقه أن «يمشي كدا»...