كتاب ومقالات

على العالم بأسره تحمّل مسؤولية أمن مصادر الطاقة

كامل الخطي

تعرضت عدة مواقع حيوية داخل المملكة العربية السعودية إلى اعتداءات حوثية بالصواريخ والطائرات المسيرة يوم الجمعة ٢٥ مارس ٢٠٢٢، وهذه ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة إذا لم يتحمل العالم مسؤولية أمن مصادر الطاقة؛ فالمملكة العربية السعودية قيادة وشعبًا تعرف كيف تتعامل مع هذه الاعتداءات على كل صعيد، لكن الطاقة التي هي أكثر السلع حساسية تجاه التحركات العدائية، لا تخص المملكة منفردة، بل إن العالم الذي يستورد الطاقة من مصادرها يتأثر مباشرة لأي نقص في إمدادات الطاقة، ويتمثل هذا الأثر في ارتفاع أسعار النفط والغاز، ثم يحدث تأثير الدومينو على كل الدورة الاقتصادية العالمية التي لا تزال تعتمد على النفط والغاز، وستبقى كذلك إلى أجل غير منظور. وما ازدياد جرعة الوقاحة الحوثية إلا نتيجة الاندفاع الأمريكي تجاه إنجاز الاتفاقية النووية، ولو استلزم ذلك تقديم الولايات المتحدة وبعض حلفائها الأوروبيين تنازلات من شأنها تعريض أمن منطقة الخليج، وتحديدًا مصادر الطاقة في منطقة الخليج، لخطر هجمات المليشيات الإرهابية بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، ومن نافلة القول إن التقنيات اللازمة لإنتاج هذا النوع من الأسلحة، تقنيات إيرانية، وبالتالي فإن اعتداءات الحوثي على مصادر الطاقة، هي اعتداءات إيرانية لكنها نفذت من قبل أحد الوكلاء الإقليميين لإيران، والولايات المتحدة تعلم ذلك، إلا أن علمها بهذا الأمر لم يُتَرْجَم عمليًا بأي إجراء؛ حيث لم تؤخذ المطالب المشروعة للمملكة العربية السعودية في حسابات بنود اتفاقية JCPOA The Joint Comprehensive Plan of Action فالمملكة ترى - وهي محقة في ما تراه - وجوب وضع ملف أمن منطقة الخليج على طاولة المفاوضات الدائرة في فيينا بين الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي زائد ألمانيا والاتحاد الأوروبي من جانب، وإيران في الجانب الآخر.

إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن مهتمة بإتمام الصفقة من أجل ضمان تدفق مليون برميل من النفط الإيراني في سوق الطاقة العالمي، وفي سبيل ذلك، رفعت جماعة الحوثي من قائمة وزارة الخارجية الأمريكية للمنظمات الإرهابية من ١٩ يناير ٢٠٢١، وهذا الإجراء قد لا يكون الأخير الذي يصب لصالح إيران التي تعمل بشكل منهجي لمد نفوذها الإقليمي عبر مناطق وأقاليم تنعدم فيها سلطة الدولة أو تنخفض فيها قدرة الدولة على حفظ الأمن، فتحدث فيها ثغرات تملؤها إيران بالمليشيات المسلحة كما هو حال اليمن ولبنان والعراق وسوريا، حيث تحل الفوضى محل النظام؛ فيزداد النفوذ الإيراني تأثيرًا على أمن الإقليم، وتمسك إيران بمناطق الفوضى كأوراق تفاوضية رابحة، بخاصة في ظل الاستسهال الأمريكي بأمن مصادر الطاقة، وتعليق الآمال على المليون برميل من النفط الإيراني في حال قيام الولايات المتحدة بتلبية المطالب الإيرانية برفع المقاطعة والإفراج عن الودائع الإيرانية، وإعطاء إيران عضوية النادي النووي.

يعرف المتابعون أن إمدادات الطاقة قد تأثرت كثيرًا بسبب الحرب في أوكرانيا التي نتج عنها إصدار العالم الغربي حزمة جديدة من العقوبات النوعية ضد روسيا، ولكن العالم الغربي توجه حالًا إلى منطقة الخليج العربي، وبخاصة إلى المملكة لتعويض النقص الحاصل في إمدادات الطاقة، ويعرف العالم الغربي جيدًا أن المملكة العربية السعودية حليف موثوق، لكن على العالم الغربي أن يعي أن لهذا الحليف الموثوق مطالب مشروعة تمس أمنه وأمن المنطقة، وعلى العالم الغربي احترام هذه المطالب والعمل على تلبيتها حتى تتحقق معادلة المصالح المشتركة بين ذلك العالم والمملكة؛ فالمملكة حليف وليست تابعا ينفذ الأوامر الصادرة إليه، والقيادة السعودية هي من يحدد المصالح الوطنية السعودية، وعلى الدول التي تعتبر نفسها حليفة للمملكة أن تظهر الاهتمام اللازم بالمصالح الوطنية السعودية بالقدر الذي تريد تلك الدول من المملكة أن تظهره تجاه مصالحها، فهذا هو معنى التحالفات، وإذا لم تتخذ العلاقة بين الحلفاء هذه الصيغة، فهي إذن ليست علاقة تحالف، بل علاقة استتباع، والاستتباع أمر لا تقبله المملكة العربية السعودية على نفسها، بل إن المملكة العربية السعودية برغم الأموال الهائلة التي قدمتها في شكل معونات ومساعدات للدول الشقيقة والصديقة، لم تعمل يومًا على مصادرة قرارات تلك الدول التي استفادت من المعونات والمساعدات السعودية، لذا فمن الأجدر بالمملكة أن لا تقبل وضع التابع في أي علاقة تربطها مع أي قوة في العالم، وهذا الاستقلال في القرار السيادي السعودي هو أحد العوامل المفتاحية في كون المملكة حليفا موثوقا، وعلى العالم الغربي أن يضع هذه الحقيقة في محور اهتمامه عند تقييم علاقته مع المملكة، وهذه المقاربة تتجاوز ملفات الطاقة وأمن الطاقة والأمن الإقليمي إلى مجموع القيم الثقافية والأخلاقية والموروث الذي تتطور المملكة به ومن خلاله دون الحاجة إلى إملاءات خارجية عليها في أي ملف كان.

تمثل المملكة العربية السعودية المدماك الأساسي لاستقرار ونمو وأمن المنطقة، والواقعية السياسية تحتم على المجتمع الدولي احترام هذه المكانة التي خص الله بها المملكة، لأن المملكة، قيادة وشعبًا، تدرك هذه الحقيقة إدراكا مسؤولا وتعمل على صيانة وحفظ هذه المكانة بالطرق السلمية، إلا أن النهج السلمي الذي تنتهجه المملكة، لا يعني بأي حال من الأحوال عزوف المملكة عن التعامل مع مصادر تهديد أمنها الوطني، والعمل على تحييدها بكل الوسائل المتاحة، رضي من رضي وأبى من أبى، فالمملكة لم تبدأ العدوان على أحد، بل إن تعاملها العسكري مع المليشيات الحوثية التي تهدد أمن المملكة وسلامة أعيانها المدنية، لا يعدو كونه دفاعا عن النفس، ورغم ذلك فالمملكة لم تتوقف عن الأعمال الإنسانية في اليمن، ولم تتوقف أيضًا عن طرح المبادرات التي تسعى لإحلال السلام، ولكن مليشيا الحوثي الإرهابية تعمل لتخريب كل مبادرة، وتخريبها هذا ناجم عن حقيقة أن قرارها ليس في صعدة، وإنما في طهران، وإذا تطلبت المصلحة الإيرانية التصعيد، تصدر أمرها للمنظمات الإرهابية التي تحارب بالوكالة عنها، فتقوم تلك المنظمات بالتصعيد وفق حساب المصلحة الإيراني، وفي سبيل تحقيق ذلك، تتخذ مليشيا الحوثي الإرهابية من الشعب اليمني رهينة، وتختبئ قيادات المليشيا بين المدنيين، وتقوم المليشيا بتخزين أسلحتها في المناطق السكنية لكي يحولوا الحرب عليهم إلى ملف إنساني هم من تسبب في كوارثه.

حفظ الله المملكة العربية السعودية قيادة وشعبًا، ورد كيد أعدائها في نحورهم.