بأيّة حالٍ عُدت يا رمضان..؟
الاثنين / 03 / رمضان / 1443 هـ الاثنين 04 أبريل 2022 00:14
نجيب يماني
رماني الدّهرُ بالأرزاءِ حتّى
فؤادي في غشاءٍ من نبالِ
فكنتُ إذا أصابتني سهامٌ
تكسّرتِ النّصالُ على النّصالِ
وهانَ؛ فما أبالي بالرَّزايا
لأنّي ما انتفعتُ بأنْ أُبالي
ما كان هذا العهد يا رمضان، أن أستقبل بشارتك الوضيئة؛ وقلبي مثقل بالأحزان، مدمّى بالجراح، قد رانت عليه الأوصاب، وفراق الأحباب وأغرقت الدّمعات الحرّى غرفاته الأربع، فلات حين منفذ لفرحٍ عابر، أو بسمةٍ عجلى، أو خاطرة تُسرّي عن النّفس ما اشتوكت به من قتاد الآلام، والخيبات المبكيات..
أستقبلك اليوم يا فاضل الشهور، وطيب الأيام، ومشرق القسمات، وروحي مبعثرة في أتراح، أعرف بعضها وأعيش معها وأجهل الأخرى، والمحصلة خطوات تائهات، وطريق مظلم، أو يكاد وكأنّما الظّلمة تنبعث من خاطري، وتنتشر في مسالك دربي، فتُعمّي عليَّ، وتسلبني راحة الضّمير، وسكينة النّفس، وطيب الخاطر..
أستقبلك اليوم يا شهر الصّيام، ومسرح القيام تبتلاً في مقام الوله والتضرّع لبارئ الأنام، رجاء الظّفر بالوصال، ونيل القربى بالرّضا والوئام؛ وبي ما بي من عنت وكدر يمسك بخنّاق روحي، ويدرّ الدّمع السّخين على مسيل دمعي.
ولكن هيهات لدمعة أن تغسل وضر الأحزان المترادف على طبقات قلبي..
ألا ما أقسى تقلّبات الزّمان، وتبدّل الأوقات والأحوال، وصدق الحقّ: «.. وتلك الأيّام نداولها بين النّاس».. أيْ نعم، أيّام قُلّب، ودهر يتبدّل وأيّام تأتيك بكلّ عجيبة.. إن كنتُ بالأمس - البعيد إن شئت أو القريب - أستقبلك يا «سيّد الشّهور» وبي أسى على ما فات من «الزّمن الجميل»، وأستدّر الخاطر ولهًا في مقام الحنين على أيّام كانت بسيطة المؤونة بمقياس هذا الزمن، ساذجة الدروب بلا تعقيد، موسومة بميسم المحبّة الفياض.
كانت التباشير بمقدمك تأخذ شكلاً ينطبع على الخاطر، وكأنما يتنزّل خيوط ضوء من شهاب بعيد، أو ينساب من فجر غير مرئي؛ لكن يحسّه كل قلب، ويستشعره كل جنان، ويتألف مؤتلقًا في عيون الجميع، في كل دار توقد قناديل البشرى، وتنبعث حركة مخالفة للحركة، أصناف من الطّعام هي غير، أشربة لها طعم «رمضان» أزياء هي بهجة وفرحة، والنّاس، كأنما يخرجون من نفوسهم، ويلبسون أنفسًا جديدة، برّاقة المحيا، وضيئة الملامح، ساكنة في وقار يشبهك يا شهر الخير والإنعام، وحركة في مفاصل الحياة لا نعهدها إلا عند مقدمك، ليلنا معك سمر يتناسل بالحكايا والأخبار وصلاة كأنها معراج يصعد بالرّوح في سديم التسامي، ودعاء ينعقد جسر رجاء غير مخيب، وأمل غير مردود في القبول والاستجابة..
نهارنا مسعى في دروب الحياة مثمرًا، ولهوًا بريئًا، وقربات تكاد تجزم أنها مقبولة، لجميل ما حملت به، وصدق ما صنعت منه. وعلى تلك الحالة كنت أستبشر بمقدمك الميمون يا مبشّر النّاس بعتق وخلاص من النيران.. ولكنّي اليوم على غير ذلك الحال، لا أشكو لك ما شكوته في العام الماضي، في ذات الوقت، من تبدّل الحال، وضيعة روحانيتك في زمن «الحياة الافتراضية»، جئتنا في السنة المنصرفة، وقد أرخت «الجائحة» بكلكلها، فما اجتمعنا على صلاة نروّح بها عن نفوسنا المنهكة من أوصاب الحياة، ولم نصفّ الموائد رجاء طائف يصيب منها ما يصيب، ويمنحنا بركات الطعام، ويتفضّل علينا بصيّب الدعاء، وحتى في المائدة الأسرية على صغرها، ضاقت بنا وكلّ واحد فينا منهمك في شأنه الخاص، مكتفٍ بعالمه الافتراضي في لوح يحمله بين يديه، لا يفارقه حال صلاة، أو عند نوم، وربما يتسرّب حتى يمسك بخطام أحلامه أيضًا.. غربة وتيه.. على ذاك جئت غريبًا، ومضيت عجلاً..
واليوم تأتيني، وقلبي في ها العام أثقلته المواجد، وثقّبته الأحزان، وتراكمت عليه البلايا، خيبات إثر خيبات، كلّما علوتُ شأنًا، ودنوت مقصدًا من أمل رجوته، وعملت عليه، واجتهدت لبلوغه؛ تفرّق بددًا، وانسرب من بين يديَّ وهمًا، وتطاير في أفق المحال شططًا، وخلّف لي من الحسرة ما أكابد، والغبن ما أتعاون عليه بالصبر لأبلغ الغاية من احتماله..
الآلام تحرق أقرب النّاس إليَّ، والمرض يهدهم، والأحزان تقود خطوات حياتهم بالمعاناة والضنك وأصناف من العذاب، جفا الحبيب ونأى والموت غيّب أحبابًا.. وأيُّ أحباب.. ولا أملك إلا الصبر والدّعاء..
أستغفرك ربي وأتوب إليك وأعود إليك بالحمد على كل حال، فما قضيت إلا بالحقّ، وما قسمت إلا بالعدل، ولكنها نفوسنا التي جبلت على الهلع عند المصاب، والمنع حين العطاء، فرحماك ربي نرجو، ومن عذابك نستجير ومن خير رمضان نأمل، فأفضْ علينا من البركات في هذا الشهر ما تريح بها نفوسنا المنهكة، وتعيد به الطمأنينة إليها..
وكل عام والجميع بألف خير وعافية.
فؤادي في غشاءٍ من نبالِ
فكنتُ إذا أصابتني سهامٌ
تكسّرتِ النّصالُ على النّصالِ
وهانَ؛ فما أبالي بالرَّزايا
لأنّي ما انتفعتُ بأنْ أُبالي
ما كان هذا العهد يا رمضان، أن أستقبل بشارتك الوضيئة؛ وقلبي مثقل بالأحزان، مدمّى بالجراح، قد رانت عليه الأوصاب، وفراق الأحباب وأغرقت الدّمعات الحرّى غرفاته الأربع، فلات حين منفذ لفرحٍ عابر، أو بسمةٍ عجلى، أو خاطرة تُسرّي عن النّفس ما اشتوكت به من قتاد الآلام، والخيبات المبكيات..
أستقبلك اليوم يا فاضل الشهور، وطيب الأيام، ومشرق القسمات، وروحي مبعثرة في أتراح، أعرف بعضها وأعيش معها وأجهل الأخرى، والمحصلة خطوات تائهات، وطريق مظلم، أو يكاد وكأنّما الظّلمة تنبعث من خاطري، وتنتشر في مسالك دربي، فتُعمّي عليَّ، وتسلبني راحة الضّمير، وسكينة النّفس، وطيب الخاطر..
أستقبلك اليوم يا شهر الصّيام، ومسرح القيام تبتلاً في مقام الوله والتضرّع لبارئ الأنام، رجاء الظّفر بالوصال، ونيل القربى بالرّضا والوئام؛ وبي ما بي من عنت وكدر يمسك بخنّاق روحي، ويدرّ الدّمع السّخين على مسيل دمعي.
ولكن هيهات لدمعة أن تغسل وضر الأحزان المترادف على طبقات قلبي..
ألا ما أقسى تقلّبات الزّمان، وتبدّل الأوقات والأحوال، وصدق الحقّ: «.. وتلك الأيّام نداولها بين النّاس».. أيْ نعم، أيّام قُلّب، ودهر يتبدّل وأيّام تأتيك بكلّ عجيبة.. إن كنتُ بالأمس - البعيد إن شئت أو القريب - أستقبلك يا «سيّد الشّهور» وبي أسى على ما فات من «الزّمن الجميل»، وأستدّر الخاطر ولهًا في مقام الحنين على أيّام كانت بسيطة المؤونة بمقياس هذا الزمن، ساذجة الدروب بلا تعقيد، موسومة بميسم المحبّة الفياض.
كانت التباشير بمقدمك تأخذ شكلاً ينطبع على الخاطر، وكأنما يتنزّل خيوط ضوء من شهاب بعيد، أو ينساب من فجر غير مرئي؛ لكن يحسّه كل قلب، ويستشعره كل جنان، ويتألف مؤتلقًا في عيون الجميع، في كل دار توقد قناديل البشرى، وتنبعث حركة مخالفة للحركة، أصناف من الطّعام هي غير، أشربة لها طعم «رمضان» أزياء هي بهجة وفرحة، والنّاس، كأنما يخرجون من نفوسهم، ويلبسون أنفسًا جديدة، برّاقة المحيا، وضيئة الملامح، ساكنة في وقار يشبهك يا شهر الخير والإنعام، وحركة في مفاصل الحياة لا نعهدها إلا عند مقدمك، ليلنا معك سمر يتناسل بالحكايا والأخبار وصلاة كأنها معراج يصعد بالرّوح في سديم التسامي، ودعاء ينعقد جسر رجاء غير مخيب، وأمل غير مردود في القبول والاستجابة..
نهارنا مسعى في دروب الحياة مثمرًا، ولهوًا بريئًا، وقربات تكاد تجزم أنها مقبولة، لجميل ما حملت به، وصدق ما صنعت منه. وعلى تلك الحالة كنت أستبشر بمقدمك الميمون يا مبشّر النّاس بعتق وخلاص من النيران.. ولكنّي اليوم على غير ذلك الحال، لا أشكو لك ما شكوته في العام الماضي، في ذات الوقت، من تبدّل الحال، وضيعة روحانيتك في زمن «الحياة الافتراضية»، جئتنا في السنة المنصرفة، وقد أرخت «الجائحة» بكلكلها، فما اجتمعنا على صلاة نروّح بها عن نفوسنا المنهكة من أوصاب الحياة، ولم نصفّ الموائد رجاء طائف يصيب منها ما يصيب، ويمنحنا بركات الطعام، ويتفضّل علينا بصيّب الدعاء، وحتى في المائدة الأسرية على صغرها، ضاقت بنا وكلّ واحد فينا منهمك في شأنه الخاص، مكتفٍ بعالمه الافتراضي في لوح يحمله بين يديه، لا يفارقه حال صلاة، أو عند نوم، وربما يتسرّب حتى يمسك بخطام أحلامه أيضًا.. غربة وتيه.. على ذاك جئت غريبًا، ومضيت عجلاً..
واليوم تأتيني، وقلبي في ها العام أثقلته المواجد، وثقّبته الأحزان، وتراكمت عليه البلايا، خيبات إثر خيبات، كلّما علوتُ شأنًا، ودنوت مقصدًا من أمل رجوته، وعملت عليه، واجتهدت لبلوغه؛ تفرّق بددًا، وانسرب من بين يديَّ وهمًا، وتطاير في أفق المحال شططًا، وخلّف لي من الحسرة ما أكابد، والغبن ما أتعاون عليه بالصبر لأبلغ الغاية من احتماله..
الآلام تحرق أقرب النّاس إليَّ، والمرض يهدهم، والأحزان تقود خطوات حياتهم بالمعاناة والضنك وأصناف من العذاب، جفا الحبيب ونأى والموت غيّب أحبابًا.. وأيُّ أحباب.. ولا أملك إلا الصبر والدّعاء..
أستغفرك ربي وأتوب إليك وأعود إليك بالحمد على كل حال، فما قضيت إلا بالحقّ، وما قسمت إلا بالعدل، ولكنها نفوسنا التي جبلت على الهلع عند المصاب، والمنع حين العطاء، فرحماك ربي نرجو، ومن عذابك نستجير ومن خير رمضان نأمل، فأفضْ علينا من البركات في هذا الشهر ما تريح بها نفوسنا المنهكة، وتعيد به الطمأنينة إليها..
وكل عام والجميع بألف خير وعافية.