أخبار

«عكاظ» ترصد أهم المراحل التاريخية في تطوير مسجد قباء

توسعة الملك سلمان الأكبر على مدار التاريخ

سامي المغامسي (المدينة المنورة) sami4086@

يمثل مسجد قباء أبرز مواقع المدينة المنورة زيارة في كل عام كونه أول مسجد أسس في الإسلام، إذ ارتبطت نشأته بهجرة الرسول المصطفى - صلى الله عليه وسلم - من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، التي وصل إليها في الـ12 من ربيع الأول من العام الهجري الأول، حيث أقام في قباء 4 أيام حتى صباح الـ16 من ربيع الأول من العام نفسه، ثم خرج - صلى الله عليه وسلم - متوجها إلى المدينة المنورة.

ويقع مسجد قباء في الجهة الجنوبية من المدينة المنورة، وكان سابقا يقع خارجها والآن أصبح في وسطها ولا يبعد سوى 4 كيلومترات، حيث شهد عدة مراحل تطويرية من قبل هيئة تطوير المدينة التي أنهت جزءا كبيرا من طريق جادة قباء الذي يربطه بالمسجد النبوي الشريف والذي ساهم في تعزيز الحركة التجارية في المنطقة التي تحتضن أحد أهم الأسواق التجارية القديمة بالمدينة المنورة الأمر الذي ساهم في رفع مستوى اقتصادات المنطقة من خلال تهيئة الطريق وتحسين الواجهات.

وشرعت الهيئة ضمن مراحل المشروع في تهيئة طريق المشاة وتنفيذ أعمال الأرصفة بحجر البازلت والجرانيت وتطوير وتحسين واجهات المحلات التجارية وتوحيد الهوية وتطوير واجهات المباني السكنية المطلة على جانبي الطريق بالإضافة إلى البنايات الواقعة في الجزيرة الوسطية إلى جانب تركيب أعمدة الإنارة الديكورية وتمديد شبكات الري وزراعة الشجيرات في أحواض الزراعة المنتشرة على جوانب الطريق بما في ذلك توحيد ألوان الطلاء وتجهيز مساحات مخصصة للفعاليات التي احتضنتها الجادة خلال الفترة السابقة.

يقول الدكتور تنيضب الفايدي عن تاريخ تأسيس مسجد قباء: "إن المدينة المنورة تحتضن حرتين، الحرة الشرقية (حرة واقم) والحرة الغربية (حرة الوبرة) وتلتقي هاتان الحرتان مع عدة حرار جنوب المدينة المنورة وهي: حرة بياضة في الجنوب الغربي، وحرة شوران في الجنوب وحرة قريظة في الجنوب الشرقي وقديماً كان دخول المدينة المنورة عن طريق الشمال وقد سكنت قبائل الأنصار في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم في أطراف الحرتين مما يلي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم حيث سكنت قبائل الخزرج في أطراف الحرة الغربية شرقاً أي غرب وجنوب المسجد النبوي، ويبتعد بعضها ويقترب الآخر من المسجد ومن قبائل الخزرج: بنو سلمة وقد سكنوا في نهاية الحرة الغربية شمالاً ويوجد بموقعهم حالياً مسجد القبلتين، وهو في الأصل مسجدهم، وسكن بنو حرام أي: معصومو الدماء والأموال والأعراض، وهم فرع من بني سلمة في سفح جبل سلع الغربي، ويوجد حالياً مسجدهم (مسجد جابر بن عبدالله رضي الله عنه، بنو دينار، ومسكنهم في (المغيسلة) حالياً حيث مسجدهم (مسجد بني دينار)، بنو عوف وهم أقرب إلى مسجد قباء، وفي منازلهم مسجد الجمعة حالياً، (حيث صليت أول جمعة في الإسلام)، بنو زريق وهم أقرب إلى مسجد قباء، بنو ساعدة وسكنهم غرب المسجد النبوي، حيث سقيفة بني ساعدة حالياً، بنو خدرة ومنهم (أبو سعيد الخدري رضي الله عنه)، وسكنهم جنوب المسجد النبوي.

أما قبائل الأوس فتسكن في الأطراف الغربية للحرة الشرقية (حرة واقم) مما يلي مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن قبائل الأوس بنو خطمة، بنو أنيف، بنو عامر، بنو ظفر، بنو معاوية، وهم بطن من الأوس، ولهم مسجد (مسجد بني معاوية) أو مسجد الإجابة حالياً، يليهم بنو عبد الأشهل، وبنو حارثة في الأطراف الشمالية للحرة الشرقية يقع هذا المسجد في الجنوب الغربي للمدينة المنورة. ولما سمع المسلمون بالمدينة المنورة بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة، كانوا يخرجون كل يوم إلى الحرة أول النهار، فينتظرونه فما يردهم إلا حر الشمس. ولما وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قرية قباء في شهر ربيع الأول نزل في بني عمرو بن عوف بقباء على كلثوم بن الهدم وكان له مربد، فأخذه منه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسس مسجد قباء، وهو أول مسجد أسس على التقوى، وكان صلى الله عليه وسلم ينقل بنفسه الحجر والصخر والتراب مع صحابته. وفي قبالة هذا المسجد قام المنافقون ببناء مسجد آخر، ودعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي فيه، فنزل جبريل (عليه السلام) يحذر النبي صلى الله عليه وسلم منهم ومن كيدهم، ويقرأ عليه هذه الآيات: {لا تقم فيه أبداً لمسجد أسس على التقوى..}، وعبر القرآن عنه بأنه مسجد ضرار، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بهدمه وإحراقه.

ويضيف الدكتور تنيضب الفايدي: "تم تجديد مسجد قباء وزاد فيه الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه في خلافته، كما جدده وزاد فيه عمر بن عبدالعزيز في ولايته على المدينة في عهد الوليد بن عبدالملك الأموي أثناء عمارته للمسجد النبوي سنة 91-93هـ وجعل له مئذنة ورحبة وأروقة وبالغ في تنميقه، ونقشه بالفسيفساء وسقفه بالساج، كما جدده جمال الدين الأصفهاني وزير بني زنكي من حكام الموصل سنة 555هـ ثم جدد سنة 671هـ وجدد فيه الناصر بن قلاوون سنة 733هـ. وجدد أكثر سقفه الأشرف برسباي سنة 840هـ، وسقطت منارته سنة 877هـ فجددها قايتباي سنة 881هـ مع عمارة المسجد النبوي. العمارة الموجودة الآن.

وفي العهد السعودي لقي مسجد قباء عناية كبيرة فرمم وجددت جدرانه الخارجية، وزيد فيه من الجهة الشمالية سنة 1388هـ. وفي عام 1405هـ أمر الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله بإعادة بنائه ومضاعفة مساحته عدة أضعاف مع المحافظة على معالمه التراثية بدقة، فهدم المبنى القديم وضمت قطع من الأراضي المجاورة من جهاته الأربع إلى المبنى الجديد، وامتدت التوسعة وأعيد بناؤه بالتصميم القديم نفسه، ولكن جعلت له 4 مآذن عوضاً عن مئذنته الوحيدة القديمة، كل مئذنة في جهة وبارتفاع 47 متراً.

وقد بني المسجد على شكل رواق جنوبي وآخر شمالي تفصل بينهما ساحة مكشوفة، ويتصل الرواقان شرقاً وغرباً برواقين طويلين، ويتألف سطحه من مجموعة من القباب المتصلة، منها 6 قباب كبيرة قطر كل منها 12 متراً، و56 قبة صغيرة قطر كل منها 6 أمتار، وتستند القباب إلى أقواس تقف على أعمدة ضخمة داخل كل رواق، وكسيت أرض المسجد وساحته بالرخام العاكس للحرارة، وتظلل الساحة بمظلة آلية صنع قماشها من الألياف الزجاجية تطوى وتنشر حسب الحاجة.

وقد بلغت مساحة المصلى وحده 5035 متراً مربعاً، وبلغت المساحة التي يشغلها مبنى المسجد مع مرافق الخدمة التابعة له 13500 متر مربع، في حين كانت مساحته قبل هذه التوسعة 1600 متر مربع فقط، حتى أعلن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إطلاق أكبر توسعة في تاريخ مسجد قباء، وتطوير المنطقة المُحيطة به.

ويهدف مشروع الملك سلمان لتوسعة مسجد قباء وتطوير المنطقة المُحيطة به إلى رفع المساحة الإجمالية للمسجد لـ50 ألف متر مُربع بواقع 10 أضعاف مساحته الحالية، وبطاقة استيعابية تصل إلى 66 ألف مُصلٍ، إذ يُعد المشروع أكبر توسعة في تاريخ مسجد قباء مُنذ إنشائه في السنة الأولى من الهجرة، والذي سيساهم في تحقيق رؤية 2030 في استقبال أكبر عدد من الزوار في المدينة المنورة.