«قمة النقب».. خطر إيران.. أم إسرائيل؟
الجمعة / 14 / رمضان / 1443 هـ الجمعة 15 أبريل 2022 04:13
عبدالله الغضوي (إسطنبول) Abdullah Alghdwi@
منذ وصول الخميني إلى إيران في 1979 وإعلان نظام ولاية الفقيه لم تتوقف الزعزعة الإيرانية في الشرق الأوسط، وخصوصا تجاه دول الخليج، كان العنوان واضحا وصريحا بالنسبة لطهران وهو مبدأ تصدير الثورة أي الفوضى.
رافقت هذه الثورة المزعومة شعارات براقة وخدّاعة وفي مقدمتها تحرير القدس وغيرها من «عبارات شعبوية» انطلت على شريحة واسعة من العروبيين وخصوصا البعثيين وبعض تيارات اليسار العربي، بأن إسرائيل هي العدو الأول في المنطقة، وتسللت إيران عبر هذه الشعارات إلى دول الشام تحديدا (سورية ولبنان)، ثم فيما بعد تغلغلت داخل حركتي حماس والجهاد مع خلطة اليسار الفلسطيني.
وعلى الرغم من فضيحة (إيران – كونترا) عام 1985 التي تسلمت بموجبها إيران أسلحة مضادات دروع أمريكية عبر إسرائيل خلال الحرب العراقية الإيرانية، إلا أن طهران ظلت تتاجر بشعارات الموت لإسرائيل حتى اليوم، دون أية محاولات تمحيص سياسية في حقيقة العداء بين تل أبيب والثورة الخمينية، كان هدف إيران وإسرائيل معا إضعاف الجبهة الشرقية العربية (العراق)، من أجل التمهيد للتوغل إلى دول الخليج، وبطبيعة الحال كانت تدرك دول مجلس التعاون الخليجي هذا الخطر الإيراني، وظلت تمارس الصبر الإستراتيجي تجاه الملالي لزمن أبعد مما يمكن على الدول تحمله.
وبقيت دول الخليج ملتزمة بالخط العربي ضد التطبيع مع تل أبيب، بل كانت «بيت المال» السياسي لكل المحافل الدولية من أجل إحلال السلام بين العرب وإسرائيل، حتى بعد اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979، كانت دول الخليج من أوائل الدول الرافضة لهذه الاتفاقية التي أدت إلى عزلة القاهرة عربيا ونقل مقر الجامعة العربية إلى تونس، وانفرط العقد بين إسرائيل ودول الطوق لاحقا، حيث وقع الزعيم الراحل ياسر عرفات اتفاق أوسلو مع إسرائيل في سبتمبر 1993، بينما وقعت الأردن في أكتوبر عام 1994 اتفاقية وادي عربة، لكن دول الخليج لم تنخرط بأية عملية تطبيع مع تل أبيب، وبقيت تحترم خيارات دول المواجهة في أية اتفاقية سلام.
بالطبع لم تكن تل أبيب «الحمل الوديع» في المنطقة، لكنها تخلت عن الحروب الخارجية الواسعة على شاكلة العدوان الثلاثي على مصر في 1956، وحرب يونيو 1967، بل تراجعت الحروب الإقليمية إلى حد كبير نتيجة تلك الاتفاقيات مع مصر والأردن، باستثناء حروب غزة المستمرة نتيجة عدم وجود اتفاقيات سلام. واعتمدت إسرائيل على الحروب الداخلية في الأراضي المحتلة في الضفة الغربية، والاعتداءات المستمرة على غزة بين الحين والآخر، بمعنى أن الطموحات الإسرائيلية التوسعية تحجمت نتيجة الظروف الداخلية والإقليمية والدولية التي لم تسمح لإسرائيل بالتوسع العسكري في المحيط العربي وقناعة إسرائيل بأن الحروب الطويلة مع المحيط لم تعد مجدية وكانت نتيجة ذلك الانسحاب من الجنوب اللبناني في مايو عام 2000 وبعد خمس سنوات قرر رئيس الحكومة الإسرائيلية -آنذاك- أرييل شارون في سبتمبر 2005 الانسحاب الأحادي من غزة وسقطت كذبة العروبيين بأن حدود إسرائيل من الفرات إلى النيل، بل إنها بنت الجدار العازل أو كما تسميه الجدار الأمني في الضفة الغربية إمعانا في تحجيم حدودها على الرغم من أن الجدار سلب أراضِ فلسطينية.
كانت إيران كالثعلب الماكر، فشلت في تصدير الثورة عبر العراق الذي كان حائط الصد في تلك الفترة، فلجأت إلى سياسة التغلغل والتوسع عبر أدواتها، وفي الوقت الذي بدأت فيه إسرائيل تتراجع جغرافيا زادت إيران أذرعها في المحيط الإسرائيلي بالتعاون مع النظام السوري، وراح الطرفان يهندسان آليات التوغل في المحيط الإسرائيلي عبر لبنان وتأسيس «حزب الله»، ومن ثم جذب حماس والجهاد، ومع ذلك ظلت دول الخليج في وضعية الصبر الإستراتيجي على النظام السوري الذي كان البوابة الكبرى والآفة الأولى التي جلبت إيران إلى المنطقة، وزاد الانفلات الإيراني وتصاعدت شهوات الفوضى في المنطقة بعد سقوط نظام صدام حسين في أبريل 2003 وارتفع مستوى التنسيق السوري الإيراني في لبنان والعراق وفلسطين.
سقط القناع الإيراني في بداية «الربيع العربي»، ووجدت طهران المنطقة في حالة انهيار وفوضى أمنية، وكانت أول من دعم بشكل علني الفوضى في البحرين، كما دعمت النظام السوري ضد شعبه وأرسلت الحرس الثوري إلى سورية واليمن وتوسعت في العراق بذريعة محاربة «داعش» وأنشأت «الحشد الشعبي» وباتت التدخلات الإيرانية «عالمكشوف»، بينما كانت المفارقة أن تل أبيب تتبنى سياسة درء الانفجارات الشعبية المحيطة بها.
الواقع الحالي يقول إن حجم المخاطر الناجمة عن تدخلات إيران في المنطقة يفوق حجم الخطر الإسرائيلي، فطهران تسيطر على قرار عواصم عربية وتهدد أمن عواصم أخرى، والسؤال: هل يمكن القول: إن تل أبيب تهدد دمشق أو القاهرة أو صنعاء أو بغداد أو بيروت كما تهدد إيران هذه العواصم!؟
لم تقصف إسرائيل طيلة عقود الصراع أبو ظبي أو جدة أو مصادر الطاقة في أرامكو، لم تقصف عمان أو القاهرة أو ترسل مليشيات قتل وتشريد في عواصم آخرى!؟
هجرت مليشيات إيران من سورية أكثر من مليوني سوري من الغوطة الشرقية في ريف دمشق ومن دير الزور وحمص وحلب التي تحولت إلى مدينة تحت الرماد.
لن تكون إسرائيل رحيمة بالعرب قطعا؛ لكنها لم تعد في مرتبة الخطر التي وصلت إليها إيران على أمن واستقرار المنطقة ودول الخليج على وجه التحديد، مخاوفنا من إيران أكبر بكثير من مخاوفنا من تل أبيب، ومن هنا يمكن قراءة قمة النقب السداسية.
رافقت هذه الثورة المزعومة شعارات براقة وخدّاعة وفي مقدمتها تحرير القدس وغيرها من «عبارات شعبوية» انطلت على شريحة واسعة من العروبيين وخصوصا البعثيين وبعض تيارات اليسار العربي، بأن إسرائيل هي العدو الأول في المنطقة، وتسللت إيران عبر هذه الشعارات إلى دول الشام تحديدا (سورية ولبنان)، ثم فيما بعد تغلغلت داخل حركتي حماس والجهاد مع خلطة اليسار الفلسطيني.
وعلى الرغم من فضيحة (إيران – كونترا) عام 1985 التي تسلمت بموجبها إيران أسلحة مضادات دروع أمريكية عبر إسرائيل خلال الحرب العراقية الإيرانية، إلا أن طهران ظلت تتاجر بشعارات الموت لإسرائيل حتى اليوم، دون أية محاولات تمحيص سياسية في حقيقة العداء بين تل أبيب والثورة الخمينية، كان هدف إيران وإسرائيل معا إضعاف الجبهة الشرقية العربية (العراق)، من أجل التمهيد للتوغل إلى دول الخليج، وبطبيعة الحال كانت تدرك دول مجلس التعاون الخليجي هذا الخطر الإيراني، وظلت تمارس الصبر الإستراتيجي تجاه الملالي لزمن أبعد مما يمكن على الدول تحمله.
وبقيت دول الخليج ملتزمة بالخط العربي ضد التطبيع مع تل أبيب، بل كانت «بيت المال» السياسي لكل المحافل الدولية من أجل إحلال السلام بين العرب وإسرائيل، حتى بعد اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979، كانت دول الخليج من أوائل الدول الرافضة لهذه الاتفاقية التي أدت إلى عزلة القاهرة عربيا ونقل مقر الجامعة العربية إلى تونس، وانفرط العقد بين إسرائيل ودول الطوق لاحقا، حيث وقع الزعيم الراحل ياسر عرفات اتفاق أوسلو مع إسرائيل في سبتمبر 1993، بينما وقعت الأردن في أكتوبر عام 1994 اتفاقية وادي عربة، لكن دول الخليج لم تنخرط بأية عملية تطبيع مع تل أبيب، وبقيت تحترم خيارات دول المواجهة في أية اتفاقية سلام.
بالطبع لم تكن تل أبيب «الحمل الوديع» في المنطقة، لكنها تخلت عن الحروب الخارجية الواسعة على شاكلة العدوان الثلاثي على مصر في 1956، وحرب يونيو 1967، بل تراجعت الحروب الإقليمية إلى حد كبير نتيجة تلك الاتفاقيات مع مصر والأردن، باستثناء حروب غزة المستمرة نتيجة عدم وجود اتفاقيات سلام. واعتمدت إسرائيل على الحروب الداخلية في الأراضي المحتلة في الضفة الغربية، والاعتداءات المستمرة على غزة بين الحين والآخر، بمعنى أن الطموحات الإسرائيلية التوسعية تحجمت نتيجة الظروف الداخلية والإقليمية والدولية التي لم تسمح لإسرائيل بالتوسع العسكري في المحيط العربي وقناعة إسرائيل بأن الحروب الطويلة مع المحيط لم تعد مجدية وكانت نتيجة ذلك الانسحاب من الجنوب اللبناني في مايو عام 2000 وبعد خمس سنوات قرر رئيس الحكومة الإسرائيلية -آنذاك- أرييل شارون في سبتمبر 2005 الانسحاب الأحادي من غزة وسقطت كذبة العروبيين بأن حدود إسرائيل من الفرات إلى النيل، بل إنها بنت الجدار العازل أو كما تسميه الجدار الأمني في الضفة الغربية إمعانا في تحجيم حدودها على الرغم من أن الجدار سلب أراضِ فلسطينية.
كانت إيران كالثعلب الماكر، فشلت في تصدير الثورة عبر العراق الذي كان حائط الصد في تلك الفترة، فلجأت إلى سياسة التغلغل والتوسع عبر أدواتها، وفي الوقت الذي بدأت فيه إسرائيل تتراجع جغرافيا زادت إيران أذرعها في المحيط الإسرائيلي بالتعاون مع النظام السوري، وراح الطرفان يهندسان آليات التوغل في المحيط الإسرائيلي عبر لبنان وتأسيس «حزب الله»، ومن ثم جذب حماس والجهاد، ومع ذلك ظلت دول الخليج في وضعية الصبر الإستراتيجي على النظام السوري الذي كان البوابة الكبرى والآفة الأولى التي جلبت إيران إلى المنطقة، وزاد الانفلات الإيراني وتصاعدت شهوات الفوضى في المنطقة بعد سقوط نظام صدام حسين في أبريل 2003 وارتفع مستوى التنسيق السوري الإيراني في لبنان والعراق وفلسطين.
سقط القناع الإيراني في بداية «الربيع العربي»، ووجدت طهران المنطقة في حالة انهيار وفوضى أمنية، وكانت أول من دعم بشكل علني الفوضى في البحرين، كما دعمت النظام السوري ضد شعبه وأرسلت الحرس الثوري إلى سورية واليمن وتوسعت في العراق بذريعة محاربة «داعش» وأنشأت «الحشد الشعبي» وباتت التدخلات الإيرانية «عالمكشوف»، بينما كانت المفارقة أن تل أبيب تتبنى سياسة درء الانفجارات الشعبية المحيطة بها.
الواقع الحالي يقول إن حجم المخاطر الناجمة عن تدخلات إيران في المنطقة يفوق حجم الخطر الإسرائيلي، فطهران تسيطر على قرار عواصم عربية وتهدد أمن عواصم أخرى، والسؤال: هل يمكن القول: إن تل أبيب تهدد دمشق أو القاهرة أو صنعاء أو بغداد أو بيروت كما تهدد إيران هذه العواصم!؟
لم تقصف إسرائيل طيلة عقود الصراع أبو ظبي أو جدة أو مصادر الطاقة في أرامكو، لم تقصف عمان أو القاهرة أو ترسل مليشيات قتل وتشريد في عواصم آخرى!؟
هجرت مليشيات إيران من سورية أكثر من مليوني سوري من الغوطة الشرقية في ريف دمشق ومن دير الزور وحمص وحلب التي تحولت إلى مدينة تحت الرماد.
لن تكون إسرائيل رحيمة بالعرب قطعا؛ لكنها لم تعد في مرتبة الخطر التي وصلت إليها إيران على أمن واستقرار المنطقة ودول الخليج على وجه التحديد، مخاوفنا من إيران أكبر بكثير من مخاوفنا من تل أبيب، ومن هنا يمكن قراءة قمة النقب السداسية.