كتاب ومقالات

ممنوع السفر !

محمد مفتي

تمثل العديد من الدول العربية وغير العربية ملاذاً سياحياً للكثير من الأسر السعودية خاصة مع اقتراب إجازة عيد الفطر وإجازة نهاية العام الدراسي، وعلى الرغم من أن التوسع في مجال الأنشطة السياحية التي وفرتها رؤية 2030 ساهم بشكل كبير في تقلص أعداد المسافرين لأغراض سياحية خارج المملكة، إلا أن السفر «كهواية» -قبل أن يكون متنفساً يستهوي العديد من الأفراد والأسر- يجتذب الكثيرين للتعرف على المعالم السياحية بالعديد من دول الشرق والغرب، ومن المؤكد أن هذه الظاهرة لا تعيب برامج السياحة الداخلية التي تشرف عليها هيئة الترفيه ووزارة السياحة، إلا أن السفر للخارج يعتبر إحدى العادات المتجذرة في المملكة لعقود طويلة قبل أن تشهد الانفتاح السياحي المتزايد خلال الآونة الأخيرة.

وعلى الرغم من أن هناك العديد من الدول التي تمثل وجهة سياحية محتملة للمواطنين السعوديين، إلا أن الاضطرابات السياسية والأمنية التي تعصف بها تدفع الجهات المعنية بالمملكة للتحذير من السفر إليها، وإلى إضافتها إلى قائمة الدول التي يُمنع السفر لها، وقد يعتقد البعض أن عدم السماح بالسفر لتلك الدول يتضمن نوعاً من الوصاية أو التحكم المتعسف في حياة المواطنين بلا مبرر واضح أو سبب مقنع، غير أنه في واقع الأمر يعد إجراء احترازياً تلجأ إليه الكثير من الدول؛ كون حماية المواطنين والحفاظ على حياتهم هو أحد أهم الأدوار التي يتعين على أي دولة القيام بها، منعاً للتداعيات والعواقب الوخيمة التي قد تؤثر بالسلب على المواطن خارج بلده.

تتعدد الأسباب التي قد تدفع الدولة لحظرها السفر على مواطنيها لدولة أخرى، على سبيل المثال قد تكون الأسباب متعلقة بالوضع الجغرافي لتلك الدول، فبعض الدول -على سبيل المثال الدول الواقعة فيما يعرف بمنطقة الحزام الناري- قد تعاني من كوارث طبيعية على نحو دائم مما يمثل خطورة حقيقية على حياة السياح فيها، ولاسيما وأنهم قد لا يعرفون طبيعة الأوضاع على حقيقتها في تلك الدول مثل سكانها الأصليين أو المحليين، كما أن غالبية الدول قد تحظر سفر مواطنيها في حالة اندلاع ثورات أو اضطرابات في دول أخرى بعينها، بسبب انتشار الفوضى والشغب فيها مما قد يعرضهم أيضاً للخطر الحقيقي، كما أن بعض الدول تتصف بضعف أجهزتها الأمنية والعسكرية بشكل عام، وهو ما يترتب عليه انتشار المناطق الخطرة فيها والتي تستوطنها المليشيات والعصابات وقطّاع الطرق، مما يجعلها وجهة سياحية غير آمنة حتى في حالة تمتعها ببعض فترات الهدوء النسبي، وبالتالي فإنه من الطبيعي تماماً في هذه الأحوال أن تقوم الدولة بحظر السفر لتلك الدول التي تعاني أزمات طبيعية أو أمنية، سواء كان ذلك على نحو مستمر أو مؤقت.

ولعل أشهر أسباب حظر السفر لبعض الدول هو العلاقات المتوترة أو المعادية من إحداها تجاه الأخرى، فعلى سبيل المثال نجد أن بعض الدول قد تصر على الإضرار بمصالح المملكة عمداً لتحقيق أهداف أو غايات بعينها، وهنا يصعب السماح بسفر المواطنين لتلك الدول لأسباب عديدة، لعل أهمها أن المملكة لن تكون وقتئذٍ قادرة بشكل كافٍ على حماية أرواح أو ممتلكات مواطنيها في حال تعرضهم للخطر، أضف إلى ذلك أن حظر السفر والسياحة يعد واحداً من أهم الأسلحة الاقتصادية لتحجيم الدور العدائي لدولة ما ضد المملكة ومواطنيها، فمن غير المنطقي أو المقبول أن تسعى دولة ما لتقويض أمن المملكة والتآمر ضدها، ثم تسمح المملكة لمواطنيها بزيارة تلك الدولة وإمدادها بالعملات الأجنبية، والتي قد تستخدمها لتمويل المليشيات التي تستهدفها وتسعى لزعزعة أمنها واستقرارها بكل ما أوتيت من قوة ومن موارد.

من المؤكد أن استخدام سلاح السماح بالسفر أو حظره هو أحد الأسلحة الاقتصادية المتعارف عليها والتي تستخدمها بالفعل غالبية الدول لخدمة مصالحها والدفاع عن حقوق مواطنيها وحمايتهم، ومن المفترض أن تسعى كل دولة ذات سيادة ومهتمة بمصلحة شعبها للقيام بهذا الدور، وإلا فستكون مقصرة في حق شعبها وحاضره ومستقبله، ومن المنطقي أن يدعم مواطنو البلد حكوماتهم في هذا السعي نظراً لأن كل ما تقوم به الدولة يستهدف المصلحة العليا للبلاد، ولا شك أن سيادة هذه الثقافة تعبر عن مدى تماسك المجتمع ومتانة لُحمته، مما يستوجب نشر هذه الثقافة ودعمها.