كتاب ومقالات

تاسي

أريج الجهني

تنويه؛ ما يحتويه المقال ليس (توصية) أو تحفيزاً للاستثمار بالأسهم، هي قراءة اجتماعية فقط للتحولات في النظر للأسهم كاستثمار ودخول النساء مثلاً لهذه السوق كقوة شرائية، بعد أن كانت المرأة في جيلي على الأقل ترى استخدام اسمها في الاكتتابات ولا تفهم أي شيء؛ بل كثيراً ما كنا نشاهد اصطفاف الرجال أمام البنوك مع دفاتر العائلة والمشاركة دون أن تعلم زوجاتهم وبناتهم عن أي مردود مالي أو حتى يفهمن ماذا يحدث في صالات البنوك. فالمرأة خصوصاً في القرى لا تزال غائبة عن المشهد الاقتصادي، بل أتذكر اتصال سيدة في عام 2010 تقول لماذا لا تكتفين بالماجستير وتسجلين في حافز وتجلسين في المنزل؟! نعم نحن فتيات جيل الثمانينات شاهدنا العجب العجاب من قمع فكري ومالي وعاطفي، لكن الجيد أننا ما زلنا صامدات.

(تاسي) وكما يعلم القارئ هو اختصار لمؤشر التداول السعودي لجميع الأسهم، وكم تأخرنا في توطين الممارسات الاقتصادية، بل أصبح محللونا الاقتصاديون المرجع الأول للمتابع للأسواق، ورغم قلة وجود المحللات الاقتصاديات السعوديات فإن المساهمة مطلوبة. حيث تغيب المرأة كثيراً عن الحديث عن المال أو حتى قطاع العقار، بل تجد محاولات طرد وتحيز في كل مساهمة تقدمها. لا تزال الكثير من الأمهات يكرسن دون وعي (عدم حاجة المرأة للمال)، وتتفاوت الفجوة من منطقة لمنطقة، بل حتى داخل القبيلة أو الأسرة نفسها، وتكون محظوظة من توفق في عائلة متفتحة وترى أن العمل حق للفتاة، وتدعم قراراتها، على النقيض تجد من يقمعون المرأة التي قد تكون تجاوزت سن الأربعين، بل تجد أخاها الأصغر الذي كانت تغير له ثيابه يناقشها في حلالها ومظهرها، فالتغليب لرضا الجماعة لا يزال موجوداً رغم فشل الجماعات مثلاً في تحقيق أي استقرار اقتصادي لفقرائهم أو عمل صناديق أسوة ببعض الأسر النجدية التي تعول وتمول المعتازين بطرق حديثة ومتحضرة. بل لم أشاهد هذه الفكرة إلا في الرياض ولأسر نجدية عريقة اشتهرت بالتجارة وكسب المال الحلال، وهذا الاستحضار ليس من باب الإشادة إنما لعكس الواقع الاقتصادي لمجتمعنا حيث يحتاج بعض المغيبين عن الوعي أن يستيقظوا ويعدلوا ويصححوا حالتهم، ويتوقفوا عن محاكمة النساء ومطاردتهن والانشغال في عمل صحي ورزق مستدام.

مهم أن أقول كيف ساهمت رصانة ومتانة البنية الأمنية التقنية بدخول النساء في سوق الأسهم؟ والاستثمار بشكل عام، البداية والشرارة كانت من قوانين (بطاقة الأحوال)، وقد عاصرت حتى وقت قريب من كان يرفض أن تصدر ابنته بطاقة؛ كي لا يرى الرجال وجهها، وكأن موظفي الأحوال يعيشون في شبق لا ينتهي فقط لرؤية صور المواطنات، المخيلة الجنسية المشوهة والخصبة لدى التيار المتطرف جنت على المرأة لسنوات، اليوم مع تطبيق توكلنا وأبشر أصبحت هوية المرأة أمراً لا مفر منه. وأصبحت الاستقلالية الإنسانية حاضرة. نعم أستطيع أن أعتبر أن توكلنا وحده مؤشر تاريخي للتحول الاجتماعي الاقتصادي لا يقل أهمية عن قرار قيادة المرأة سيارتها.

أخيراً، حان الوقت أن تضمن وزارة التعليم الموقرة المهارات المالية للطلبة من عمر مبكر وحذف الدروس القديمة من مناهجنا التي كانت تعلمنا زكاة الإبل وكأن السعوديات جميعهن مالكات للإبل! وتهمش المواطنات البسيطات. سيكون من الجيد تعليم الفتيات في الجامعة مهارة قراءة سوق الأسهم والتوعية بالعملات الرقمية ومهارة العمل والتواصل والتسويق، وعدم قصر الحديث عن المال من رواد الأعمال (الورثة) والأثرياء بالتراتبية، ولك أن تدرك أنه كما الغنى يورث فالفقر يورث، ونحتاج لكسر حلقة توريث الضمان الاجتماعي، بمعنى أن هناك أسراً تظل في محيط الضمان لثلاثة أجيال متتالية! كي نساعد أسر الضمان وذوي الدخول المتدنية نحتاج لكل ما سبق وتحليل العوامل الاجتماعية ومعرفة ما تعانيه المرأة ليس من (الأنظمة) كما يصورها الغرب إنما من (الأسرة)، نحتاج صناعة وعي و(منطقة آمنة) للنساء داخل منازلهن. نعم التغيير الاجتماعي هو الأصعب، وحان وقت وضع النقط على الحروف.