كتاب ومقالات

لا تضيقوا على الناس عباداتهم !

نجيب عصام يماني

رغم أحاديثه المملة التي أصبحت من الماضي لأنها تمثل حقبة مظلمة عفى عليها الزمن، نسأل الله جلت قدرته أن لا تعود بشرها علينا مرة أخرى، أحاديث لا تمثل رأي الإسلام الوسطى السمح والمنفتح، الذي ذقنا حلاوته بعد مُر الأيام التي سادوا فيها برأيهم ومنابرهم، والتي كانت تبحث عن الرأي المتشدد والشاذ والوعر. يحاول أتباعه تلميع صورته بعد أن كسدت بضاعته وإظهاره من حين لآخر عن طريق بث مقاطعه الغريبة في كل مناسبة ودون مناسبة، نسوا أن لا مكان لهم بيننا اليوم.

في آخر فيديو رماه أتباعه علينا ظهر مجيباً لسائل يقول «هل يجوز إعطاء الزكاة لأختي المتزوجة فقير، أو أخي؟» ويرد وليته سكت «عيب أن أعطي الزكاة لأختي أو أخي لأن الزكاة (وسخ المال)، وأنا أكرمهم عن وسخ المال هذا. أنت تعطي زوجتك وتنفق عليها وتسفرها رغم أن اختك أهم من زوجتك التي يمكن أن تطلقها وتتزوج غيرك». وبموجب معادلته هذه فالأخت أفضل من الزوجة، ويضيف وأخوك أهم من عيالك، وهذا الفعل أي إعطاء الزكاة لهم من قطع الرحم، وبالطبع فإن كلامه هذا كله مردود عليه. فالله عز وجل حدد مصارف الزكاة بقوله تعالى (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).

وإذا تحققت هذه الأوصاف الموجبة لاستحقاق الزكاة في شخص قريب لا تجب على المزكي نفقته أي لا يجوز إعطاؤها لمن يعود نفعه إلى المزكي؛ لأن نفقة الأصل والفرع واجبة عليه، وكل من تجب نفقته من الأقارب يمنع إعطاؤهم من الصدقة، فالإنسان ملزم شرعاً بالإنفاق على أصله كأبيه وأمه وعلى فرعه كأبنائه وبناته، وعلى زوجته.

ويجوز للمرأة أن تخرج زكاة أموالها إلى زوجها الفقير المحتاج، ففي الحديث أن زينب زوجة عبدالله بن مسعود سألت رسول الله أتجزئ الصدقة عنها لو أعطتها لزوجها فقال رسول الله نعم ولها أجران أجر القرابة وأجر الصدقة، ولكن صاحبنا هذا رمى خلف ظهره كل هذه البيّنات، ولم يفرق بين هذه البنت المتزوجة من فقير وهي بالتالي لا تجب نفقتها على أبيها أو أخيها لأنها في عصمة رجل هو زوجها، ونفقتها تلزم الزوج وليس الأب أو الأخ، والسائل يؤكد أن زوجها فقير، فإذن البنت المتزوجة من هذا الرجل الفقير تستحق الزكاة من أخيها المزكي وله أن يعطيها وله ثواب الصدقة وصلة الرحم، وما قاله هذا المتحدث خطأ ينشره بين الناس ويسبب لهم بلبلة وحرمان المستحقين من الصدقات، عندما سمع أبو طلحة قوله تعالى (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) قام أبو طلحة إلى رسول الله وقال «إن أحب أموالي إلي بيرجاء (أي حديقة) وأنها صدقة لله أرجو برها فضعها حيث شئت» فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (بخ بخ ذلك مال رابح وإني أرى أن تجعلها في الأقربين) فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه. وعندما ذكرت ميمونة بنت الحارث لرسول الله أنها أعتقت وليدة فقال نبي الرحمة (لو أعطيتها أخوالك وفي رواية أختك كان أعظم لأجرك).

وقد أخطأ المتحدث هذا عندما قال إن هذا المال المعطى إنما هو (مال نجس) وهو قول أقبح من سابقه فالله سبحانه وتعالى طيب لا يقبل إلا طيبا كما قال تعالى (وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ)، وقد دخل رسول الله على ابنته فاطمة وهي تجلي درهماً تنوي أن تتصدق به وتنظفه وتطيبه فسألها الرسول عليه الصلاة والسلام عما تفعل؟ فقالت «إني علمت أنه سيقع في يدي الله فأردت أن يكون نظيفاً لامعاً» فلم تكتفِ فاطمة بكون المال الذي تتصدق به لله أن يكون نظيفاً النظافة المعنوية بل بالغت في النظافة لتشمل الحسية أيضاً، ثم يأتي أناس في أعقاب الزمن (زمن الغفوة) يحملون الفتاوى ويصرفونها من جيوبهم ويلهثون بها في كل محفل يجاهدون أنفسهم في كيل التحريم للناس كيلاً جزافاً ثم يعظون الناس بإعطاء الله مالاً خبيثاً نجساً.

كما ادعى أحدهم أنه لا بد من النية عند إخراج زكاة الفطر، فلا يصح إخراجها عن الأبناء والزوجة والخادم إلا بتفويض منهم وعلى نيتهم لأن هذه عبادة ولا تصح العبادة إلا بالنية، وهذا تزمت وتضييق في غير محله، والنية في العبادات هي محل خلاف بين العلماء، بل إن بعض العبادات تصح مثل الطواف بلا طهارة ناهيك عن اشتراط النية في وقتها، كما أن الحدث الأكبر والأصغر بالوضوء أو الغسل لا يشترط في صحته النية عند الحنفية لعدم تعرض آية رفع الحدث لها، يقول ابن عابدين في حاشيته لو إن إنسان اغتسل بقصد التبريد أو النظافة وعم الغسل أعضاء الوضوء وصلى صحت صلاته لأن المقصود بالوضوء الطهارة وقد حصلت. حتى الصوم وهو من العبادات لا يحتاج إلى نية فالنية تنعقد بمجرد دخول شهر الصيام وهي موجوده عند كل المسلمين ولا يلزم إدخال المشقة والعسر والتشويش على الناس باشتراط تبييت النية كل ليلة فهذا من التزمت والتحجر والتعسير الممقوت في الأحكام الشرعية، كان معلم الأمة عليه الصلاة والسلام يطلب الإفطار فتقول له عائشة ليس لدينا طعام فيقول عليه الصلاة والسلام (إذاً فأنا صائم) وهذا صيام من غير نية فلا ينبغي أن نتجاهله، واشتراط النية فيه تضييق على الناس وتشكيك في صحة صيامهم.

فالواجب الانفتاح على أقوال أهل العلم وعدم التقوقع وضيق الأفق في معالجة المسائل الفقهية لا سيما التي يكون فيها تيسير للناس ورحمه.