ما هي الكذبة ؟
الجمعة / 28 / رمضان / 1443 هـ الجمعة 29 أبريل 2022 00:14
عبدالله بن بخيت
قليل منا واجه سؤالا كهذا. من شدة سهولته وبديهيته سيكون جوابك هو الكلام غير الصحيح. هذا الجواب ليس بالضرورة صحيحا. ليس كل كلام غير صحيح يدخل ضمن الكذب. دعني أقدم لك مثالين: يوم أمس كنت أمشي في الشارع وعثرت في طريقي على مئة ألف ريال؟ والمثال الثاني. كنت يوم أمس أمشى في الشارع وعثرت على عشرة مليارات ريال على الأرض. مثالان متشابهان لكن الأول قابل للتكذيب والتصديق بينما المثال الثاني قابل للتكذيب وغير قابل للتصديق، فتنتفي عنه صفة المخادعة أو تزيين الذات أو التجمل إلى آخر دوافع الكذب. عندما أقول أعمل هذه الأيام على تجهيز صاروخ طوله 30 مترا وعلى رأسه مركبة صغيرة لكي نقضي أنا والعائلة الإجازة القادمة على سطح المريخ. لا يمكن أن يكون هذا الكلام صحيحا ولا يمكن في نفس الوقت أن يؤخذ على محمل الكذب. لكن تذكر أن كلامي هذا لو وصلك في سياق آخر وكنت على اتفاق مع القيم التي ينطوي عليها لتغير استقبالك له. لن تستخف به ولن تجادل بل ستتعامل معه بكل إعجاب وترحاب وربما تتبناه وتقصه نيابة عني أو حتى تنسبه لنفسك. علاج الإيدز الذي اكتشفه الشيخ الزنداني لن يقل طموحا عن صاروخي.
يقول أحد الدعاة السعوديين (الرئيس الأمريكي عبر أكبر محطات التلفزة يخاطب الشعب الأمريكي قائلا: إذا أردنا لمجتمعاتنا الأمريكية التماسك الأسري والاجتماعي والانضباط الأخلاقي والنجاة من الإيدز على نسائنا أن يقلدن النساء المسلمات...). عندما يردد معظم الدعاة في خطبهم ومواعظهم أن استفتاء أجرته مجلة فرنسية شاركت فيه ألف شابة فرنسية. سألتهن المجلة من هو الرجل الذي تفضلن الزواج منه فجاءت الإجابة بالإجماع أنه الشاب المسلم. لاحظ فجاجة الكلام المنسوب للمجلة الفرنسية ولاحظ أن حجم الخيال في كلام الداعية أضخم وأوغل في الخيال الطفولي من الأمثلة التي سقتها في مقدمة النص. هذا الكلام رغم مجافاته للعقل والمنطق ثمة من يسعد بسماعه وترديده والتفاخر به. فالأمر لا يوجد فيه كذب. لا يمكن أن يكون هناك كذب يتواطأ عليه ألوف من البشر ويدافعون عنه بل ويقاتلون من أجله.
فالدعاة ومريدوهم يعيشون في عالم تم تعميره بالأماني والحكايات الخيالية والوعود الطوباوية مع دعم بالوعود الأخروية. شكلوا عالمهم الافتراضي واستقروا فيه. يملكون العلم الذي يفوق العلم الحديث (الإعجاز العلمي)، يملكون الاقتصاد الإسلامي الذي سوف يكتسح الرأسمالية والاشتراكية، يملكون الأدب الإسلامي، ويملكون النظام السياسي الإسلامي (الخلافة)، والملابس الإسلامية المتميزة والقيافة الإسلامية ويملكون التاريخ النموذجي ويملكون العدو الوهمي الذي قرروا هزيمته (دونكيشوتيه).
مراجعة قصص الدعاة أو إعمال العقل فيها تعني مراجعة هذا العالم الواعد الجميل. فما يراه الإنسان السوي أكاذيب لا يراه مواطنو هذه الإمبراطورية الدينية المتوهمة كذلك.
في حال إعلان تكذيبك لهذه الأقوال سيعني تكذيبك لكل قصص الدعاة وفي النهاية تعلن خروجك من المنظومة الفكرية والعالم الافتراضي الجميل الذي تنتمي إليه.
منظومة الآمال التي تنتظرك خيالية من أساسها ابتدأت بالوعد بقيام خلافة إسلامية من الصين إلى الأطلسي، وأن الإسلام هو الحل وأن الماسونية تتآمر لإخراج المرأة المسلمة من عفافها. لو رفعت رأسك ونظرت إلى العالم ستجد أن كلام شيوخ الدين لن يكون أكثر من أحلام وأوهام فتصديقك لهذه القصص ضروري لبقاء هذا العالم متماسكا وقويا فإذا لم تدافع عن عالمك المتخيل سوف تتداعى كل هذه الطموحات. تلاحظ أن الدفاع عن هذه المنظومة لا يستخدم فيه العقل. لا يمكن أن يكون الحوار أو الجدل وسيلة للتفاهم في هذه المنظومة. لن تجد سوى العنف والشتائم والانغلاق والتكفير وسيلة لتحييد الأعداء لصد أي حركة إيقاظ تخرجهم من الطمأنينة والآمال العظام. قصص الدعاة التي امتلأت بها حياتنا ليست أكاذيب. من يعش وهماً كبيراً يحتاج إلى روافد من الأوهام الصغيرة تغذيه على الدوام.
يقول أحد الدعاة السعوديين (الرئيس الأمريكي عبر أكبر محطات التلفزة يخاطب الشعب الأمريكي قائلا: إذا أردنا لمجتمعاتنا الأمريكية التماسك الأسري والاجتماعي والانضباط الأخلاقي والنجاة من الإيدز على نسائنا أن يقلدن النساء المسلمات...). عندما يردد معظم الدعاة في خطبهم ومواعظهم أن استفتاء أجرته مجلة فرنسية شاركت فيه ألف شابة فرنسية. سألتهن المجلة من هو الرجل الذي تفضلن الزواج منه فجاءت الإجابة بالإجماع أنه الشاب المسلم. لاحظ فجاجة الكلام المنسوب للمجلة الفرنسية ولاحظ أن حجم الخيال في كلام الداعية أضخم وأوغل في الخيال الطفولي من الأمثلة التي سقتها في مقدمة النص. هذا الكلام رغم مجافاته للعقل والمنطق ثمة من يسعد بسماعه وترديده والتفاخر به. فالأمر لا يوجد فيه كذب. لا يمكن أن يكون هناك كذب يتواطأ عليه ألوف من البشر ويدافعون عنه بل ويقاتلون من أجله.
فالدعاة ومريدوهم يعيشون في عالم تم تعميره بالأماني والحكايات الخيالية والوعود الطوباوية مع دعم بالوعود الأخروية. شكلوا عالمهم الافتراضي واستقروا فيه. يملكون العلم الذي يفوق العلم الحديث (الإعجاز العلمي)، يملكون الاقتصاد الإسلامي الذي سوف يكتسح الرأسمالية والاشتراكية، يملكون الأدب الإسلامي، ويملكون النظام السياسي الإسلامي (الخلافة)، والملابس الإسلامية المتميزة والقيافة الإسلامية ويملكون التاريخ النموذجي ويملكون العدو الوهمي الذي قرروا هزيمته (دونكيشوتيه).
مراجعة قصص الدعاة أو إعمال العقل فيها تعني مراجعة هذا العالم الواعد الجميل. فما يراه الإنسان السوي أكاذيب لا يراه مواطنو هذه الإمبراطورية الدينية المتوهمة كذلك.
في حال إعلان تكذيبك لهذه الأقوال سيعني تكذيبك لكل قصص الدعاة وفي النهاية تعلن خروجك من المنظومة الفكرية والعالم الافتراضي الجميل الذي تنتمي إليه.
منظومة الآمال التي تنتظرك خيالية من أساسها ابتدأت بالوعد بقيام خلافة إسلامية من الصين إلى الأطلسي، وأن الإسلام هو الحل وأن الماسونية تتآمر لإخراج المرأة المسلمة من عفافها. لو رفعت رأسك ونظرت إلى العالم ستجد أن كلام شيوخ الدين لن يكون أكثر من أحلام وأوهام فتصديقك لهذه القصص ضروري لبقاء هذا العالم متماسكا وقويا فإذا لم تدافع عن عالمك المتخيل سوف تتداعى كل هذه الطموحات. تلاحظ أن الدفاع عن هذه المنظومة لا يستخدم فيه العقل. لا يمكن أن يكون الحوار أو الجدل وسيلة للتفاهم في هذه المنظومة. لن تجد سوى العنف والشتائم والانغلاق والتكفير وسيلة لتحييد الأعداء لصد أي حركة إيقاظ تخرجهم من الطمأنينة والآمال العظام. قصص الدعاة التي امتلأت بها حياتنا ليست أكاذيب. من يعش وهماً كبيراً يحتاج إلى روافد من الأوهام الصغيرة تغذيه على الدوام.