كتاب ومقالات

الحوثي وقمع الحريات الدينية.. ماذا بعد ؟

عادل الأحمدي

بعد سنوات طويلة من اللغط بشأن انتهاكات مليشيات الحوثي المدعومة من إيران، ومحاولتها فرض معتقداتها الدينية ومنع مخالفيها مذهبياً من ممارسة معتقداتهم، جاء شهر رمضان هذه المرة مختلفاً، إذ كشف بما لا يدع مجالاً للشك عن تصعيد غير مسبوق في الاعتداءات ضد المخالفين لمعتقدات الجماعة.

معالم الصورة كانت أوضح في العاصمة صنعاء، التي ترزح في قبضة المليشيات، حيث تفاجأ الكثير من المتابعين بتسجيلات مصورة توثق عملية اقتحام المسلحين الحوثيين للمساجد في صنعاء، لمنع إقامة «صلاة التراويح»، التي تعتبر من العبادات المستحبة في المذاهب السنية، ولا تتم إقامتها في المذاهب الشيعية، ومنها المذهب الذي يتبعه الحوثيون.

وفي بادئ الأمر، فإن هذا الاختلاف بشأن «التراويح» شأنه شأن الكثير من المعتقدات، يمكن لأي فريق أو جماعة ممارسته بما لا يضر الآخرين، وهو المبدأ الذي تكفله قواعد ومبادئ الحريات الدينية والأسس اللازمة للتعايش بين مختلف المذاهب والمعتقدات.

وفي الواقع الغالبية العظمى من اليمنيين في مناطق سيطرة الحوثيين لا يمتثلون للقواعد المذهبية للجماعة بما يشملها من معتقدات عنصرية تزعم أحقية قادتها بالحكم، وتدعي أن الإسلام جاء ليعطي بعض الميزات على أساس عرقي. ومع ذلك، فإن محاولات الحوثيين منع إقامة «صلاة التراويح» بالقوة ليس موقفاً بالضرورة من العبادة نفسها، بل لكون إقامتها تعطي صورة عن كون المجتمع في مناطق سيطرة الحوثيين، هو في الأصل، لا يقبل أفكارهم العنصرية والتي لا تخالف معتقدات الغالبية العظمى من اليمنيين دينياً فحسب، بل تتصادم مع الأسس والقوانين الدولية الإنسانية المتعلقة بالمساواة وما إليها من حقوق.

لقد شهد اليمنيون خلال رمضان مشهداً فظيعاً لم يسبق أن حدث في أي دولة، حيث داهم المسلحون الحوثيون المساجد وحولوها إلى «مجالس لمضغ القات»، وغير ذلك، مما يعد انتهاكاً لم يمارسه حتى غير المسلمين في الكثير من الحالات.

وفي المقابل، فإن ما تم توثيقه من انتهاكات ليس إلا اليسير مما يمارسه الحوثيون في الواقع، من اعتداءات تصادر كافة الحقوق، من الحريات إلى المعتقدات الدينية، وهي مسألة خطيرة، تستدعي تحمل المسؤولية من قبل كافة المنظمات والجهات المحلية المسؤولة، وكذلك بالنسبة للمنظمات والهيئات الدولية المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان وحرياته، ويبقى الصمت عن هذه الانتهاكات الموثقة أقرب إلى تواطؤ يهدد السلم والتعايش، كما ينذر بتوسع نهج الاعتداءات الإرهابية الحوثية ضد مخالفيهم من كافة الفئات.