كتاب ومقالات

كيف نسترد العيد من الاستراحات إلى الأحياء؟!

عبداللطيف الضويحي

هل يمكن أن يكون العيد عيدا ونحن لا نعرف سوى مع 1% إلى 5% من جيراننا في الحي؟ وهل يمكن لآلاف المعايدات الإلكترونية أن تعوضنا عن قطيعتنا لما يفوق 90% من جيراننا في حينا؟ هل يمكن أن يتحقق مفهوم العيد من خلال لقائنا بمجموعة مغلقة من أصدقائنا الذين خرجنا بهم خلال محطاتنا الدراسية مع بعض زملائنا في إحدى الاستراحات الموحشة في أطراف المدينة؟ هل قطيعة الجيران تحقق أنسنة الأحياء؟ أم هل غربتنا في أحيائنا تحقق مستهدفات الرؤية ؟ وهل يمكن أن يأمنك جارك ويأمن لك، وهو لم يألفك ولم يجالسك ولم يلتقيك إلا أثناء دخولك أو خروجك من المنزل من بعيد؟

ربما يعتقد كثيرون منا أن زخات المعايدات الإلكترونية التي يمطرنا بها أحباؤنا وأصدقاؤنا ومعارفنا، وما نبادلهم نحن بالمقابل من معايدات هي نتيجة لمعطيات الثقافة الرقمية وما صاحبها من اليُسر والسهولة التي وفرتها لنا الأجهزة الذكية، وهذا صحيح جزئياً، لكن الصحيح كذلك، هو أن ندرة فُرص اللقاءات المناسِبة، يحول دون ممارسة العيد للفرح خارج أسوار الاستراحات، وبمعزل عن أحيائنا وجيراننا. فهل تسترجع الأحياء فرحة العيد المصادرة بسبب غياب نادي الحي الاجتماعي؟

تبدو التغييرات الكبيرة والعميقة التي شهدتها قطاعات كثيرة في المملكة منذ انطلاقة رؤية المملكة بعيدة كثيرا عن ملامسة مفهوم الحي وعن ملامسة مفهوم العيد، فهي لم تتوقف عند ظاهرة الاستراحات ولم تتساءل عن سبب هذه الظاهرة غير الطبيعية، والتي تستوطن تقريبا كل حيٍ جديد، ثم ما تلبث أن تتحول إلى ركام، لتنتقل إلى حي جديد آخر.

هل يتساءل مخططو المدن عن دوافع أصحاب تلك الإستراحات ولماذا لا يدرس أولئك المخططون ظاهرة الاستراحات وابتكار حلول لها ووضع حد لهذا الهدر المستمر والمتمثل ببناء تلك الاستراحات ومن ثم هدمها وإزالتها مع كل حي جديد؟ أم أن ثقافة الاستراحات التي يأتي منها أغلب هؤلاء المخططون هي أقوى من المهنة التي يمتهنها أولئك المخططون فيغلب الطبع التطبع كما يقال؟

للأسف الشديد أن العيد لا يزال بعيدا كل البعد عن المفهوم الحقيقي للعيد في أحيائنا ومع جيرتنا. ولا يمكن أن تعوض زخات المعايدات الإلكترونية التي يمطرنا بها أحباؤنا وأصدقاؤنا ومعارفنا، وما نبادلهم نحن بالمقابل من معايدات هذا الخلل. صحيح أن هذه الزخات هي نتيجة لمعطيات الثقافة الرقمية و ما صاحبها من اليُسر والسهولة التي وفرتها لنا الأجهزة الذكية، لكن الصحيح كذلك، أن ندرة فُرص اللقاءات المؤاتية والمناسِبة في أحيائنا ومع جيراننا، تحول دون ممارسة العيد على وجهه الفرائحي الصحيح والحقيقي خارج أسوار الاستراحات القابعة في أطراف المدينة، بعيدا عن أحيائنا وجيراننا. فهل تستعيد أحياؤنا فرحة العيد المصادرة والمغيبة بسبب غياب نادي الحي الاجتماعي؟ وهل تتنبه وزارة الشئون البلدية والقروية والإسكان لهذا الخلل في التخطيط والذي تسبب بتجريد الحي من الأنسنة والعلاقات الودية؟

مؤكد أن نادي الحي ليس على حساب زيارة الأقارب في بيوتهم، ولقاء الأصدقاء الخاصين في أماكن كثيرة، وقضاء الوقت معهم بمناسبة كمناسبة العيد، خاصة في المدن الكبرى حيث تباعد المسافات بين الأحياء الكثيرة، لكن هذه الزيارات ليست بديلا هي الأخرى عن تطبيع العلاقات مع الجيران وسكان الحي ككل.

من هنا تضطر الغالبية الساحقة من الناس لاستئجار الاستراحات كملاذ، رغم التكلفة الباهظة على البعض، ورغم محدودية المساحة وعدم تهيئة الاستراحات لمناسبة كمناسبة العيد، ناهيك عن المسافات البعيدة في المدن الكبيرة، والازدحام واكتظاظ الطرق وأزمة مواقف السيارات. مع العلم أن الحل السهل والمنطقي والحضاري هو نادي الحي الاجتماعي، ليس لاحتضان مناسبة العيد فقط، بل لتطبيع العلاقات بين الجيران وسكان الحي وتفعيلها وتمكينها اجتماعيا وترفيهيا وثقافيا.

لا أستطيع أن نتخيل حياً من الأحياء في مدينة مثل مدينة الرياض، من دون ناد اجتماعي لكل حي، يؤسس ويوطد علاقات اجتماعية طبيعية بين أهل الحي، ويشبع الحاجة الطبيعية النفسية الاجتماعية بين أغلب سكانه وجيرانهم من خلال بناء علاقات ودية وسوية بين سكان الحي، أساسها التعارف والثقة المتبادلة، وقضاء أوقات أكثر متعة وأقل تكلفة وهذا يتحقق فقط من خلال نادي الحي الاجتماعي المقترح وما يقدمه من خدمات ترفيهية واجتماعية وثقافية منوعة.

إن إيجاد نادي الحي الاجتماعي، سيعيد للحي المعنى الحقيقي للعيد ويعيد تشكيل علاقاتنا الاجتماعية على أساس من الفائدة والمتعة الحقيقية. كما أن نادي الحي الاجتماعي يسدد ضربة قوية للاستراحات كظاهرة غير حضارية شوهت مدننا، ناهيك عما تتسبب به من استنزاف مالي للشباب دون تحقيق المتعة و الفائدة بحدها الأعلى.

دامت أعيادنا فرحا وبهجة وسعادة. وكل عام وأنتم بخير.