كتاب ومقالات

عصابة الخمسة حول الحريري!

محمد الساعد

أسفرت نتائج الانتخابات النيابية اللبنانية الأخيرة عن خلاصات عدة، أولها: صواب رأي الرئيس فؤاد السنيورة، بأن المقاطعة خيار ضد مصلحة لبنان. وثانيها: أن وجود الرئيس سعد الحريري كان ضمانة لأغلبية الثلاثي الإيراني «حزب الله، أمل، عون». ثالثها: أن تيار المستقبل الذي أسسه الرئيس رفيق الحريري، ضيع رصيده العربي والخليجي والسني، ولم يلتزم بالمقاطعة المزعومة، بل صوت للتيار العوني في عكار ولحلفاء إيران في صيدا وطرابلس، وهذا يدفع إلى إعادة قراءة تجربة سعد الحريري والسياسة اللبنانية من زاوية أخرى.

تاريخان مهمان في مسيرة سعد الحريري السياسية، إذ أصبح الحريري بعدهما ليس كما كان قبلهما؛ التاريخ الأول هو 10 أكتوبر 2012 حينما قامت مليشيا حزب الله باغتيال اللواء وسام الحسن، والتاريخ الثاني هو 27 ديسمبر 2013، يوم قامت نفس المليشيا باغتيال الوزير محمد شطح.

كان الشهيدان يقومان بأدوار فعالة ورئيسة حول الحريري في لبنان، إذ كان الوزير شطح عقلاً سياسياً متميزاً لتيار المستقبل، كما كان وسام الحسن عقلاً أمنياً مذهلاً ومحركاً شعبياً ذكياً، لقد عرف حزب الله جيداً من يغتال، وبعد هذين الاغتيالين دخل الحريري في مرحلة تخبط لم يخرج منها إلى تاريخه.

ولضبط المصطلحات، نعرف التخبط بالتالي:

اتخاذ القرار الصائب في الوقت الخطأ أو اتخاذ القرار الخاطئ في كل وقت.

بعد استشهاد الحسن وشطح، سيطرت خمس شخصيات من دائرة الحريري الضيقة عليه وعلى قراراته، تلك الشخصيات أثرت سلبياً على مسيرة الحريري إلى تاريخه.

الشخصية الأولى: مدير مكتب سعد الحريري وابن عمته نادر الحريري، والأثر السلبي لنادر الحريري يتلخص في التالي:

لقد حول «نادر» تيار المستقبل من تيار «قضية» إلى تيار «بزنس»، ومعروف أنه في فترة لاحقة أصبح مقرباً ومفضلاً من رئيس الجمهورية ميشيل عون وصهره جبران باسيل، وهذا أمر له دلالته. خرج نادر الحريري من الدائرة الضيقة عام 2018، لكن أثره السلبي ما زال قائماً، ومن ذلك التفاوض السيئ مع عون وصهره حول التسوية الرئاسية، وإشاعة ثقافة تعطيل مستحقات العاملين في مؤسسات تيار المستقبل الإعلامية والسياسية بذريعة أن هذه المستحقات دفعها من مسؤولية دول الخليج! الطريف أنه بعد 2018 حاول نادر الحريري إرسال الرسائل إلى السعودية عبر شخصيات لبنانية موثوقة من المملكة ومقربة منها كي تعمده سياسياً في لبنان على حساب ابن خاله.

الشخصية الثانية هي الوزير نهاد المشنوق:

وهو من أذكى السياسيين السنة في لبنان وأوسعهم ثقافة وحيلة، لكن مشكلته الوحيدة أنه أراد رئاسة الحكومة ولو على حساب «السنة» وعلى حساب الحريري حين كان على يمينه. خرج المشنوق من دائرة الحريري الضيقة عام 2018، لأنه لم يجدد له كوزير للداخلية.

الشخصية الثالثة هي المستشار الإعلامي هاني حمود:

وأثره السلبي تلخص في عزل سعد الحريري عن الشارع باستثناء أوقات الانتخابات.

الشخصية الرابعة:

الوزير باسم السبع، ويمتاز السبع بثقافة سياسية هائلة، وتجربة عريضة في العمل الشعبي بحكم عمله النقابي وخلفيته القومية، ويمكن اختصار أثره السلبي في إسداء نصائح سلبية تؤثر في علاقات الحريري بدول الخليج.

الشخصية الخامسة هي الوزير غطاس خوري:

هو طبيب لبناني، كان مرشح الرئيس رفيق الحريرى لرئاسة الجمهورية بعد اميل لحود، لعب دوراً رئيساً في توتير علاقة الحريري بحلفائه المسيحيين بالدرجة الأولى، وحلفائه العرب بالدرجة الثانية، وهو على غرار السبع، لا شك في إخلاصه الشخصي لبيت الحريري. ويسير معه في هذا السياق رئيس تحرير المستقبل ويب جورج بكاسيني.

ونلاحظ أنه في الفترة التي تمكن فيها هؤلاء الخمسة من قرار الحريري أصيب بإشكالات عدة:

اتساع الهوة بين سعد وصقور تيار المستقبل، وعلى رأسهم الرئيس فؤاد السنيورة، والوزير أحمد فتفت، والنائب السابق مصطفى علوش، والوزير معين المرعبي والمفكر د.رضوان السيد. كما أن علاقة الحريري بحلفائه السابقين والحاليين في الداخل اللبناني لم تعرف الاستقرار: الدكتور سمير جعجع، النائب سامي الجميل، الزعيم وليد جنبلاط. فكيف يمكن مزاولة السياسة مع علاقة غير مستقرة لا مع حلفاء الداخل ولا حلفاء الخارج؟

يبدو أن عصابة الخمسة هي صاحبة نظرية ربط النزاع مع إيران وتوتير العلاقات مع الخليج، وبناء عليه تصبح علاقة تيار المستقبل بحلفاء إيران وسوريا الأسد هادئة أو تعاونية مقابل علاقات تصادمية بحلفاء المملكة في لبنان.

كما دخل تيار المستقبل في دائرة الفساد لأول مرة منذ تأسيسه، حتى أن سعد الحريري نفسه صرح في استقبال جماهيري بعد استقالته من رئاسة الحكومة آخر مرة: «اكلوا معي واستفادوا مني وسرقوني وفي النهاية زايدوا علي»، كان يقصد بالتحديد شخصين من دائرته الضيقة.

تحميل السعودية مسؤولية كل أزمة أو نكسة تصيب الحريري في لبنان إما ليحافظ هؤلاء الخمسة على مواقعهم وإما لتحويل غضب السنة من الحريري إلى السعودية، ومن أمثلة ذلك: اعتبر الوزير نهاد المشنوق في يونيو 2016 أن خسارة تيار المستقبل للانتخابات البلدية في طرابلس سببها إجبار السعودية للحريري -كما زعم- على زيارة دمشق والمبيت في قصر قاتل والده في ديسمبر 2009، مع العلم أن انتخابات طرابلس البلدية حصلت في 2016، ومع أن تيار المستقبل في ذلك العام ربح الانتخابات البلدية في أغلب لبنان.

لاحقاً اعترف موقع نهاد المشنوق «أساس»، بأن الملك عبدالله -رحمه الله- أبلغ الحريري بأن رئيس الحكومة المنتخب بعد انتخابات 2009، سيزور دمشق لا محالة بحكم التوجه الدولي الذي يقوده باراك أوباما ونيكولا ساركوزي، ونصح العاهل السعودي الراحل الحريري بأن لا يتولى رئاسة الحكومة لكن الحريري أصر. نشرت المقالة في موقع أساس تحت عنوان «السلطة أو المحكمة» بتاريخ 14 فبراير 2020 بقلم خالد البواب.

أعلن الحريري عزوفه عن خوض الانتخابات اللبنانية في يناير 2022 واعتزاله العمل السياسي التقليدي، وهو قرار من حق الحريري اتخاذه، لكن من الواضح أن مكنته الإعلامية والسياسية تلقت توجيهات صريحة باستخدام القرار ضد السعودية ودول الخليج، وهذه التوجيهات لا يمكن تفسيرها إلاّ بأمرين؛ إن مصدرها سعد الحريري شخصياً، أو أن شخصيات مقربة منه أصدرتها ولم يردعها الحريري، ونتيجة الأمرين واحدة، فضلاً عن قيام هذه المكنة بتشويه سمعة كل شخصية محترمة ترشحت للانتخابات أمام حزب الله وحلفائه بذريعة أن سقوط الشخصيات المعادية للميليشيا الإيرانية في الانتخابات ستفرض على دول الخليج التعامل مع الحريري ثانية.

تعاملت المكنة الإعلامية والسياسية لتيار المستقبل مع الانتخابات النيابية اللبنانية وفق المعادلة التالية: إن خسارة خصوم حزب الله للانتخابات هي خسارة للسعودية، بينما الصحيح أنها خسارة للبنان واللبنانيين عموما وأهل السنة خصوصاً، وهذا ما أثار غضب مفتي السنة والجمهورية اللبنانية الدكتور عبداللطيف دريان، الذي أطلق أكثر من تصريح حذر فيه السنة من مغبة مقاطعة الانتخابات وتسليم البلد لإيران وحزب الله، لكن الحسابات الزرقاء هاجمت المفتي والمملكة بشكل مباشر وغير مباشر.

هل تكره السعودية سعد الحريري؟ الجواب القطعي هو لا، وتفاصيل العلاقة وقصتها ستكون في مقالة مقبلة. هل تريد المملكة إنهاء الإرث السياسي للرئيس الشهيد رفيق الحريري؟ الجواب القطعي والحتمي هو لا وألف لا.