هل السعادة الإيجابية ممكنة ؟!
الأحد / 21 / شوال / 1443 هـ الاحد 22 مايو 2022 23:30
حسين شبكشي
كنت في جلسة مع أحد الأصدقاء نتبادل فيها الآراء عن تحديات العالم الاقتصادية، ما بين جائحة كوفيد-١٩ وجدري القرود الآخذ في الانتشار وانهيار البورصات العالمية ومعدلات التضخم الهائلة وحرب روسيا وأوكرانيا التي تدخل شهرها الثالث بلا أي نهاية في الأفق.
فابتسم صديقي ابتسامة صفراء وقال لي إن أموالي كلها في العقارات، عقار البنادول وعقار البروزاك.... فعلمت منه أنه حزين ومكتئب وخائف وقلق ومتشائم.
ويبقى التحدي الأعظم هو زرع التفاؤل وبث روح الأمل وإقناع العالم بأن القادم أجمل وأحلى ويستحق الانتظار والصبر، وهذه مهمة لن تكون سهلة أبداً. وهناك العديد من الحكم والأقاويل والأمثال التي يتم تداولها في مثل هذه الظروف، وكلها تحوم حول مفهوم واحد وهو ضرورة التفاؤل بالخير لنجده. وطبعت العديد من الكتب نحو هذا المعنى وهذا المفهوم، وأقيمت العشرات من الندوات تزكي نفس الفكرة ونفس المفهوم. ظاهرياً وواقعياً تبدو عناصر التشاؤم هي الأقوى لأن المعطيات الرقمية والإحصائية والأخبار وتفاصيلها كلها تدعو للإحباط وتسبب التشاؤم وتسير بالمتلقي نحو نفق الاكتئاب الطويل. ولذلك لن يكون سهلاً أبداً بيع فكرة التفاؤل والأمل للعامة ولكنها مهمة ليست مستحيلة وإن كانت صعبة للغاية. فلعل السلعة اليوم الأخطر والأغلى والأهم والأكثر تأثيراً هي سلعة التفاؤل. هناك شعوب ومناطق متفائلة بطبعها وهناك شعوب تميل إلى السلبية والتشاؤم.
هناك شعوب فرحة وهناك شعوب لها مع النكد قصة عشق لا تنتهي أبداً. وفي آخر الاستفتاءات العالمية التي تعنى وتراقب وتتابع معدلات جودة الحياة والسعادة لشعوب العالم، حصل الشعب النرويجي على لقب أكثر شعوب العالم سعادة. ولم تكن تلك الأخبار مفاجأة لأي أحد؛ فلقد بات من المتوقع أن يتم تداول هذا اللقب بين الشعوب الإسكندنافية، فنلندا والدنمارك والسويد والنرويج. ولقد نقلت هذه الشعوب «ثقافتهم السعيدة» وحولتها إلى منهجية تصدر لغيرهم كي يستفيدوا منها ويتبعوها.
وتم تأصيل هذه الثقافات بعلامات مميزة وسمات فارقة؛ فثقافة السعادة في الدنمارك اسمها: هايغ، وهي مستمدة من كلمة هاغ التي تعني «حضن» باللغة الإنجليزية وهي ثقافة معنية باحتضان اللحظات الجميلة والاستمتاع بها إلى أقصى حد مثل التمتع بقطعة من الحلوى، وعدم التأثر سلباً حين قراءة البريد الخاص بالعمل، والاستمتاع بفنجان القهوة الصباحي، والعشاء مع الأصحاب، وتناول الآيس كريم، وغيرها من الأمثلة الصغيرة التي تملأ حياتنا اليومية.
السويد هي الأخرى لديها ثقافتها الخاصة بالسعادة واسمها «لاجوم» ويعرفها السويديون بأنها تعني: «ليس قليلاً وليس كثيراً، ولكن الكم المناسب المحدد»، وهم يعتبرون ذلك «فن الحياة لمعيشة متوازنة هادئة من دون إزعاج». وهي أساساً تعنى بتهدئة إيقاع الحياة السريع الذي يأتي بالقلق والضغط والتوتر والتركيز على اللحظة الحالية لجلب أكبر قدر من السعادة منها وعدم القلق في التفكير في ما هو آتٍ بعدها.
فنلندا هي أيضاً لديها تعريفها الخاص لثقافة السعادة فيها وهي أطلقت عليه اسم «سيو»، وهي ثقافة تعتمد على «التواصل» مع الطبيعة بشكل أكبر مثل السباحة في عز البرد والشتاء والحركة عوضاً عن الدواء والتشافي بالتمشية في الغابات واستنشاق الهواء فيها والأكل الصحي من منتجاتها البرية، وهذه العادات ستولد شجاعة وثقة بالنفس وإصراراً على النجاح في أصعب الظروف، وذلك بحسب قناعة الفنلنديين أنفسهم بذلك.
أما النرويجيون فلديهم اسم آخر لثقافة السعادة الخاصة بهم، وهو «كوسيليج» والمعنى الأقرب لها هو القرب والدفء والهناء وبالتالي «افعل» كل ما يجعلك تشعر بذلك، فالمقاهي في النرويج في الشهور الشتوية الباردة جداً يقومون فيها بتوفير الغطاء الصوفي وإشعال الشموع وتقديم المشروبات الدافئة لزوارهم لكي يشعروا بـ«كوسيليج».
هذه الشعوب سعيدة وفرحة ومرحة وتعيش للاستمتاع بكل لحظة من لحظات الحياة. كذبوا علينا عندما أوهمنا العالم أنهم شعوب تعيسة وأكثر شعوب العالم انتحاراً واكتئاباً، هذا غير صحيح، هم شعوب محبة للسلام (جائزة نوبل من عندهم) منحوا للعالم فرقة «آبا» الموسيقية من السويد لكل الأرض وأغانيها حتى اليوم منتشرة. منحوا العالم شركة أثاث بسيطة «آيكيا» من السويد غيرت مفهوم الأثاث المنزلي. أيضاً الدنمارك قدمت للعالم أبسط شركة ألعاب رقمي مكعبات «ليغو» لأجيال تلو أجيال من السعادة. وقدمت فنلندا «السونا» للراحة والخلاص من سموم الجسد، فلا عجب أن يتم اختيار الشعوب الإسكندنافية بالتوالي أسعد شعوب الأرض، فهم سعداء وحريصون على تأصيل السعادة كثقافة وتصديرها للغير، وهذا بحد ذاته مفهوم عملي لحب الخير للغير.
أما بالنسبة للشعب الياباني، الذي يُستشهد به في مختلف الأمثلة، فهو الآخر أوجد سر السعادة في مفهوم خاص به الاكيجاي، والاكيجاي وهو البحث عن سر وجودك في هذه الحياة، وهي مسألة بالنسبة لليابانيين تحتاج إلى الصبر والتأني والبحث، فتسخر حياتك كلها لإيجاد أسباب السعادة فيكون سعيك نحو السعادة وهو سعى مكلل نحو هدف يستحق التعب والصبر له. وهي مسألة مربوطة عند اليابانيين بالعمر كله، لا توجد فيها فكرة تقاعد ولا عمل ولا دراسة وهي مرتبطة بالوجود نفسه على هذه الأرض ويستمر الإنسان في سعيه نحو السعادة طول حياته.
خلاصة ما أود ذكره هو أن تهيئة أسباب السعادة مسألة تعتمد على قوانين ذاتية يبتكرها الإنسان ويتبناها الشعب فتصبح عدوى حميدة لحالة رائعة ولكنها تغير ثقافات وذهنيات الشعوب على المدى الطويل ولعل في ذلك الأمر أحد أهم مكتسبات الكرب الذي مرت به الكرة الأرضية بسبب جائحة كورونا، وبعد كورونا ستكون فاتحة أمل وتفاؤل وإيجابية.
فابتسم صديقي ابتسامة صفراء وقال لي إن أموالي كلها في العقارات، عقار البنادول وعقار البروزاك.... فعلمت منه أنه حزين ومكتئب وخائف وقلق ومتشائم.
ويبقى التحدي الأعظم هو زرع التفاؤل وبث روح الأمل وإقناع العالم بأن القادم أجمل وأحلى ويستحق الانتظار والصبر، وهذه مهمة لن تكون سهلة أبداً. وهناك العديد من الحكم والأقاويل والأمثال التي يتم تداولها في مثل هذه الظروف، وكلها تحوم حول مفهوم واحد وهو ضرورة التفاؤل بالخير لنجده. وطبعت العديد من الكتب نحو هذا المعنى وهذا المفهوم، وأقيمت العشرات من الندوات تزكي نفس الفكرة ونفس المفهوم. ظاهرياً وواقعياً تبدو عناصر التشاؤم هي الأقوى لأن المعطيات الرقمية والإحصائية والأخبار وتفاصيلها كلها تدعو للإحباط وتسبب التشاؤم وتسير بالمتلقي نحو نفق الاكتئاب الطويل. ولذلك لن يكون سهلاً أبداً بيع فكرة التفاؤل والأمل للعامة ولكنها مهمة ليست مستحيلة وإن كانت صعبة للغاية. فلعل السلعة اليوم الأخطر والأغلى والأهم والأكثر تأثيراً هي سلعة التفاؤل. هناك شعوب ومناطق متفائلة بطبعها وهناك شعوب تميل إلى السلبية والتشاؤم.
هناك شعوب فرحة وهناك شعوب لها مع النكد قصة عشق لا تنتهي أبداً. وفي آخر الاستفتاءات العالمية التي تعنى وتراقب وتتابع معدلات جودة الحياة والسعادة لشعوب العالم، حصل الشعب النرويجي على لقب أكثر شعوب العالم سعادة. ولم تكن تلك الأخبار مفاجأة لأي أحد؛ فلقد بات من المتوقع أن يتم تداول هذا اللقب بين الشعوب الإسكندنافية، فنلندا والدنمارك والسويد والنرويج. ولقد نقلت هذه الشعوب «ثقافتهم السعيدة» وحولتها إلى منهجية تصدر لغيرهم كي يستفيدوا منها ويتبعوها.
وتم تأصيل هذه الثقافات بعلامات مميزة وسمات فارقة؛ فثقافة السعادة في الدنمارك اسمها: هايغ، وهي مستمدة من كلمة هاغ التي تعني «حضن» باللغة الإنجليزية وهي ثقافة معنية باحتضان اللحظات الجميلة والاستمتاع بها إلى أقصى حد مثل التمتع بقطعة من الحلوى، وعدم التأثر سلباً حين قراءة البريد الخاص بالعمل، والاستمتاع بفنجان القهوة الصباحي، والعشاء مع الأصحاب، وتناول الآيس كريم، وغيرها من الأمثلة الصغيرة التي تملأ حياتنا اليومية.
السويد هي الأخرى لديها ثقافتها الخاصة بالسعادة واسمها «لاجوم» ويعرفها السويديون بأنها تعني: «ليس قليلاً وليس كثيراً، ولكن الكم المناسب المحدد»، وهم يعتبرون ذلك «فن الحياة لمعيشة متوازنة هادئة من دون إزعاج». وهي أساساً تعنى بتهدئة إيقاع الحياة السريع الذي يأتي بالقلق والضغط والتوتر والتركيز على اللحظة الحالية لجلب أكبر قدر من السعادة منها وعدم القلق في التفكير في ما هو آتٍ بعدها.
فنلندا هي أيضاً لديها تعريفها الخاص لثقافة السعادة فيها وهي أطلقت عليه اسم «سيو»، وهي ثقافة تعتمد على «التواصل» مع الطبيعة بشكل أكبر مثل السباحة في عز البرد والشتاء والحركة عوضاً عن الدواء والتشافي بالتمشية في الغابات واستنشاق الهواء فيها والأكل الصحي من منتجاتها البرية، وهذه العادات ستولد شجاعة وثقة بالنفس وإصراراً على النجاح في أصعب الظروف، وذلك بحسب قناعة الفنلنديين أنفسهم بذلك.
أما النرويجيون فلديهم اسم آخر لثقافة السعادة الخاصة بهم، وهو «كوسيليج» والمعنى الأقرب لها هو القرب والدفء والهناء وبالتالي «افعل» كل ما يجعلك تشعر بذلك، فالمقاهي في النرويج في الشهور الشتوية الباردة جداً يقومون فيها بتوفير الغطاء الصوفي وإشعال الشموع وتقديم المشروبات الدافئة لزوارهم لكي يشعروا بـ«كوسيليج».
هذه الشعوب سعيدة وفرحة ومرحة وتعيش للاستمتاع بكل لحظة من لحظات الحياة. كذبوا علينا عندما أوهمنا العالم أنهم شعوب تعيسة وأكثر شعوب العالم انتحاراً واكتئاباً، هذا غير صحيح، هم شعوب محبة للسلام (جائزة نوبل من عندهم) منحوا للعالم فرقة «آبا» الموسيقية من السويد لكل الأرض وأغانيها حتى اليوم منتشرة. منحوا العالم شركة أثاث بسيطة «آيكيا» من السويد غيرت مفهوم الأثاث المنزلي. أيضاً الدنمارك قدمت للعالم أبسط شركة ألعاب رقمي مكعبات «ليغو» لأجيال تلو أجيال من السعادة. وقدمت فنلندا «السونا» للراحة والخلاص من سموم الجسد، فلا عجب أن يتم اختيار الشعوب الإسكندنافية بالتوالي أسعد شعوب الأرض، فهم سعداء وحريصون على تأصيل السعادة كثقافة وتصديرها للغير، وهذا بحد ذاته مفهوم عملي لحب الخير للغير.
أما بالنسبة للشعب الياباني، الذي يُستشهد به في مختلف الأمثلة، فهو الآخر أوجد سر السعادة في مفهوم خاص به الاكيجاي، والاكيجاي وهو البحث عن سر وجودك في هذه الحياة، وهي مسألة بالنسبة لليابانيين تحتاج إلى الصبر والتأني والبحث، فتسخر حياتك كلها لإيجاد أسباب السعادة فيكون سعيك نحو السعادة وهو سعى مكلل نحو هدف يستحق التعب والصبر له. وهي مسألة مربوطة عند اليابانيين بالعمر كله، لا توجد فيها فكرة تقاعد ولا عمل ولا دراسة وهي مرتبطة بالوجود نفسه على هذه الأرض ويستمر الإنسان في سعيه نحو السعادة طول حياته.
خلاصة ما أود ذكره هو أن تهيئة أسباب السعادة مسألة تعتمد على قوانين ذاتية يبتكرها الإنسان ويتبناها الشعب فتصبح عدوى حميدة لحالة رائعة ولكنها تغير ثقافات وذهنيات الشعوب على المدى الطويل ولعل في ذلك الأمر أحد أهم مكتسبات الكرب الذي مرت به الكرة الأرضية بسبب جائحة كورونا، وبعد كورونا ستكون فاتحة أمل وتفاؤل وإيجابية.