أخبار

العشاء الأخير لـ بري

عاصر 4 رؤساء.. وينتظر الخامس

نبيه بري

زياد عيتاني (بيروت) ziadgazi@

أحببته أم كرهته، يبقى نبيه برّي علامة فارقة في الحياة السياسية اللبنانية، قد تكون علامة مزعجة ومؤذية ومضرّة للكثيرين، لكنها بالنسبة لأنصاره وأصدقائه، علامة مميزة لرجل يرون فيه القادر على تحقيق المستحيل.

نبيه برّي في الرابعة والثمانين من عمره (مواليد عام 1938)، خاض آخر معاركه السياسية (الثلاثاء) الفائت ألا وهي رئاسة مجلس النواب للمرة السابعة على التوالي، وهو ما لم يفعله أحد من قبله، ومن المؤكّد أنه لن يتحقق لأحد من بعده. آخر المعارك هي معركة الولاية السابعة، ليس لأنّ الرجل تعب ولا لأنّ قدرته على القتال تقلصت أو وهنت. بل آخر المعارك لأنه قد بلغ من العمر عتيا.

استقرار برّي على رئاسة البرلمان طوال هذه الأعوام، جعله يعاصر 4 رؤساء للجمهورية هم: إلياس الهراوي، إميل لحود، ميشال سليمان، وميشال عون. ومن المتوقع أن ينضم للقافلة رئيس خامس لا بدّ أن يُنتخب في عهد برّي، وإن تأجّل الاستحقاق أشهراً أو سنة، كما جعله يعاصر عشرات رؤساء الحكومات. فيما مرّ تحت رئاسته وجوه نيابية كثيرة تتبدل وتتغير، إلا أنّ برّي هو الثابت في كل هذه السنوات. يُشتهر الرئيس برّي بقبعته المعنوية المليئة بالأرانب السياسية، فلكل مشكلة تعصف بالأروقة البرلمانية عند برّي الدواء المطلوب لها. وفي كل تسوية لا بدّ أن يكون هو عرابها أو أحد عَرابيها، حتى عند اقتسام «قالب الجبنة» كما يحلو للبنانيين وصف المحاصصة الطائفية فإنّ برّي حاضر وفاعل وسباق. يمارس المحاصصة الطائفية بكل شراهة، وينادي بإلغاء الطائفية السياسية والتحوّل إلى دولة مدنية عند كل المفارق دون إحراج، فلا يُضير هذا بذاك ولا يشوش ذاك على هذا.

تحالفاته لا تتغيّر كما صداقاته. في العناوين الكبرى يُقال في الصالونات أنه يمكن المراهنة عليه. أما في التفاصيل الصغيرة، هو الفنان الأول في اللعب والتماهي والصعود والنزول.

عندما قَدِمَ عام 1992 إلى رئاسة مجلس النواب في ولايته الأولى. دخل من باب التغيير والانقلاب على التقليد، لتشاء الصدف والأقدار أن يكون انتخابه في الولاية السابعة هزيمة للتغيير لمصلحة التقليد. حارب البكوات ومنطقهم، فترأس حركة المحرومين فإذا به يتجاوز البكوات والزعامات بمئات الدرجات، محققاً ما عجز عنه كل الزعماء الذين مرّوا على الطائفة الشيعية اللبنانية من قبله.

أصدر بياناً قبل انتخابه للولاية السابعة بأيام، طالباً من أنصاره الامتناع عن إطلاق النار ابتهاجاً بعد انتخابه. إلا أنّ هذا البيان لم يُنصت إليه أنصاره فأطلقوا النار في سماء العاصمة اللبنانية، وكأنّ الرصاص أشبه بمطر تشرين. فلفت نظره إلى ما يحصل النائب سامي الجميل خلال جلسة الانتخاب، فأجابه الرئيس برّي ودائماً على طريقته لقد أصدرت بياناً قبل أيام..!

هو الزعيم عندما يريد وكيفما يريد، وهو رئيس مجلس النواب في كل مناسبة وعيد، القادر على إصدار البيانات بشتى أنواعها، منها ما يُلزم القريب والبعيد، ومنها ما يصدر حفظاً لماء وجه الجميع.

نبيه برّي في ولايته السابعة، لن يختلف عن نبيه برّي في الولايات الست السابقة.

هو هو نبيه برّي، في اسمه ما يتجاوز صفة الرئيس، وفي صموده بموقعه ما تعجز عن تفسيره كتب السياسة ومعاجم التدقيق.