كتاب ومقالات

هل استوعبت أمريكا خطأ سياستها تجاه المملكة؟

حمود أبو طالب

كما هو معتاد، تشير البوصلة الإقليمية والدولية إلى المملكة في الأحداث والأزمات الكبيرة، وتصبح مقصد مسؤولي الدول الذين يقومون بمهمات دبلوماسية لفك الإشكالات السياسية والاختناقات الاقتصادية الناتجة عنها ونزع فتيل المواجهات وترتيب التسويات بين أطراف النزاعات.

ولنتذكر أنه مع بداية واشتداد الحرب الروسية الأوكرانية فتح الكرملين خط الاتصال مع المملكة وكذلك فعل الرئيس الأوكراني، وخلال الأسبوع الماضي كانت هناك مباحثات مهمة جداً لوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف مع المجموعة الخليجية في المملكة واجتماع مع القيادة السعودية في ظل أزمة عالمية غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية بين روسيا من جانب والكتلة الغربية وأمريكا في الجانب الآخر.

لكن الأهم من ذلك هو ما بدأت وسائل الإعلام الأمريكية تنشره منذ أيام عن زيارة محتملة للرئيس الأمريكي جو بايدن للمملكة ضمن جولته الخارجية القادمة، ووصل الخبر درجة التأكيد بحسب الصحف ومحطات التلفزة المهمة التي تصلها تسريبات البيت الأبيض، وحظي الخبر باهتمام كبير من وسائل الإعلام العالمية.

والحقيقة أن هذه الزيارة كانت متوقعة في وقت ما رغم البرود الذي اعترى علاقات البلدين بعد بدء إدارة بايدن وموقفها غير الجيد من المملكة دون أسباب موضوعية، في النهاية السياسة الواقعية هي التي تفرض نفسها والمصالح المشتركة تتقدم على الايديولوجيا الحزبية، وضغوط اللوبيات الاقتصادية تتفوق على ما عداها. المملكة حليف استراتيجي تأريخي لأمريكا لا يمكنها تهميشه لا سيما وهو يزداد قوة وتأثيراً، اقتصادياً وسياسياً، في محيطه العربي والإقليمي والدولي. كما أن أمريكا استوعبت استقلالية وسيادة القرار السعودي والفرص المتاحة لها لإنشاء تحالفات جديدة في ظل نظام عالمي جديد بدأ يتشكل ويكاد يزيح أمريكا من القمة، إضافة إلى مشاكلها الداخلية المتكاثرة. ولذلك بدأت أمريكا في البحث عن مسارات لإعادة الدفء إلى العلاقات، وقام نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان بزيارة مهمة مع وفد كبير لأمريكا التقى خلالها عدداً من المسؤولين عن القرار الأمريكي، وربما لتمهيد الزيارة المحتملة للرئيس بايدن إلى المملكة.

لقد تعاملت المملكة مع مواقف الإدارة الأمريكية الجديدة بذكاء وعقلانية وهدوء وحكمة، ومضت في ممارسة أدوارها السياسية العالمية ومشاريعها التنموية الضخمة باتزان ومثابرة دون اهتمام بالتعامل السلبي للإدارة الأمريكية معها، وعندما رأت أمريكا أن المملكة قوة مؤثرة أصبحت تستقطب رغبة قوى كبرى للتحالف معها ربما أدركت خطأها وبدأت محاولة تصحيحه.