كتاب ومقالات

قيادة القيم

منى العتيبي

تحضر القيم في مجال الإدارة والقيادة دائمًا في ظل العمل مع الفريق وتحقيق الأهداف والنتائج، ويأتي ذلك تحت مصطلح يختصر معنى «دمج القيم في الإدارة»، بحيث يصبح القائد شخصيةً ذات قيم ومبادئ ثابتة وراسخة تظهر في ممارساته القيادية خلال تعامله مع الأشخاص الذين يعملون تحت قيادته، ويصل هذا النمط القيادي إلى ترسيخ وغرس الولاء والشعور بالذات والميول والدافعية في داخلهم؛ حتى يصبح تفكيرهم وهدفهم الأول هو نجاح هذه المؤسسة ونجاح قائدها وتحقيق أهدافها ومهامها.

ولم أسمع ولم أقرأ يومًا عن «قيادة القيم» بعيدًا عن فريق العمل والأهداف المرسومة للمؤسسة إلّا عندما قرأتُ خبرًا يقول إن سمو أمير منطقة عسير الأمير تركي بن طلال، قد وجه بتكريم خمسة مواطنين من المملكة العربية السعودية تكفَّلوا قبل 70 عامًا، بفتح طريق بين محافظتي بيشة والنماص بإمكانات محدودة وأدوات بسيطة وبدائية، ما دفع أمير منطقة عسير، تركي بن طلال، لاستقبال أبنائهم وأحفادهم وتكريمهم على العمل الذي قاموا به قبل عقود؛ إذ تبنوا ضم الطريق إلى المشروعات التي تدرسها هيئة تطوير عسير تحت مظلة «قمم وشيم».

لو تأملنا هذه القصة أو الحدث خارج سياق المشروع التطوعي، وبحثنا عن الدافع الحقيقي الذي دفع قائد الإمارة إلى تكريم أشخاص قبل سبعين عامًا قد قاموا بعمل تطوعي وطني وربما جرى تكريمهم آنذاك.. لو تأملنا الحدث وسألنا أنفسنا عن هذا الدافع، لوجدنا أسبابًا عديدة تستدعي قيم التقدير والعرفان، وتتطلب زرع القيم في نفوس الأجيال، وليس فريق العمل وحده!

كما أن الحدث ينمُّ عن شخصية قيادية تحمل همًّا وطنيًّا واسع النظرة وفكرًا ليس محدودًا؛ هذا الهم هو الرسالة التي أراد سمو القائد أن يرسلها لأجيال في ضرورة تجويد العمل وإتقانه حتى يبقى على مرور الزمان عملًا شاهقًا راسخًا وأصيلًا. كما أنه يحمل رسالة أخرى هي ضرورة اعتراف الأجيال بجهود الأجداد وتثمينها والسير على خطاهم في التضحية وتقديم الغالي والنفيس من أجل بناء الوطن مع تسخير أوقاتهم وأفكارهم لتطوير بلادهم.

لذلك كلّه نحتاج اليوم توظيف مفهوم «قيادة القيم»؛ بحيث يكون القائد قائدًا خارج أسوار مؤسسته، ويقدم نماذج، ويصنع للأجيال قدوة ذات قيم يسير عليها الأبناء ويستدلون بها إلى معاني القيم الأصيلة والثمينة، خصوصًا أن رؤية المملكة العربية السعودية 2030 تتطلب بناء المجتمع الحيوي الطموح الذي يحمل قيمه الوطنية والإنسانية، ويستشعر قيمة وجوده، ولن يحدث هذا إلّا مع وجود «قيادة القيم».